مضيق هرمز في قلب التصعيد الإيراني - الإسرائيلي: شريان الطاقة العالمي تحت التهديد
مع تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، عاد مضيق هرمز إلى واجهة الاهتمام الدولي بوصفه واحدًا من أكثر نقاط الضغط حساسية في ميزان الأمن والطاقة العالمي. فبينما تتواصل العمليات العسكرية وتهديدات طهران، يزداد القلق من أن يتحول هذا الممر الحيوي، لإمدادات النفط العالمية، إلى ساحة اشتباك تعرّض استقرار الأسواق والطاقة العالمية لهزات عنيفة.
ويشكل هذا المضيق الضيق الذي لا يتجاوز عرضه 33 كيلومترًا عند أضيق نقاطه، ويمتد بين إيران وسلطنة عُمان، بوابة الخليج إلى بحر العرب والمحيط الهندي، ويُعد بمثابة الشريان الذي يعبر منه نحو خُمس استهلاك العالم من النفط يوميًا.
وبحسب بيانات فإن ما بين 17.8 و20.8 مليون برميل من النفط الخام والوقود والمكثفات تمر عبره يوميًا منذ مطلع 2022 وحتى منتصف 2025، مما يجعله مركزًا إستراتيجيًا في ميزان الطاقة العالمي.
وارتفعت أسعار النفط أمس الثلاثاء نتيجة تبادل الهجمات بين إيران وإسرائيل على الرغم من أن البنية التحتية الرئيسية للنفط والغاز وتدفقاتهما لم تتأثر بشدة بعد.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 2.11 دولار أو 2.88 في المئة إلى 75.35 دولار للبرميل ، وارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 1.43 دولار أو 1.99 في المئة إلى 73.20 دولار.
ويحذر الخبير في الاقتصاد الجيوسياسي مايكل رانكين من سيناريو قد يتسبب في ارتفاع أسعار النفط بما بين 10 إلى 30 دولارًا للبرميل خلال ساعات من أي إغلاق فعلي.
ويقول رانكين “الأسواق لا تتعامل فقط مع الواقع، بل مع التوقعات، وأي تهديد يُنظر إليه بجدية قد يُحدث صدمة سعرية، حتى لو لم يُغلق المضيق فعلياً.”
ومنذ سنوات، استخدمت إيران التهديد بإغلاق المضيق كورقة ضغط في وجه الضغوط الغربية، رغم أنها لم تقدم على تنفيذ هذا التهديد فعليًا.
ومع اشتداد المواجهة الحالية مع إسرائيل، واحتمال تطورها إلى صراع أوسع، تزداد المخاوف من أن يتحول المضيق إلى ساحة اشتباك، سواء من خلال الهجمات البحرية، أو التصعيد الإلكتروني، أو احتجاز السفن.
وهو ما بدأ بالفعل يتجلى مع تصاعد عمليات التشويش الإلكتروني في المنطقة، وصولًا إلى حادثة وقعت في 17 يونيو الجاري، حين اصطدمت ناقلتا نفط قرب المضيق واشتعلت فيهما النيران.
ورغم عدم تسجيل إصابات في الطواقم أو تسرب نفطي، فإن الحادث يسلّط الضوء على هشاشة الأمن البحري في ممر لا تتحمل الأسواق العالمية تعطيله، ولو مؤقتًا.
الأسطول الأميركي الخامس وقوات التحالف قد ينجحون في تأمين حرية الملاحة مؤقتًا، لكنهم لن يكونوا قادرين على نزع فتيل الأزمة ما لم تُعالج جذورها السياسية والعسكرية
وتكمن أهمية المضيق في أنه الممر الرئيسي لتصدير نفط السعودية، والإمارات، والكويت، والعراق، وإيران – جميعها أعضاء في منظمة أوبك. كما تنقل قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، غالبية إنتاجها عبره، ما يربط أمن الطاقة العالمي مباشرة بسلامة هذا المعبر.
ومع أن السعودية والإمارات تعملان منذ سنوات على تطوير بدائل تصديرية، مثل أنابيب النقل إلى البحر الأحمر، إلا أن الاعتماد على المضيق لا يزال حاسمًا في المدى المنظور.
وعلى مدى العقود الماضية، لم يغب المضيق عن مسرح التوترات. من “حرب الناقلات” في الثمانينيات بين العراق وإيران، إلى تهديدات طهران المتكررة بإغلاقه كرد على العقوبات، وصولاً إلى احتجاز السفن والهجمات على الناقلات، كما حصل عام 2019 و2021.
ومع التغيرات الجذرية في سوق الطاقة العالمي – حيث أصبحت آسيا المشتري الأول لنفط الخليج، وتحولت الولايات المتحدة من مستورد رئيسي إلى أحد أكبر المصدرين – يبقى مضيق هرمز عاملاً مشتركًا في معادلة الطاقة، يربط طهران بحلفائها وخصومها على حد سواء.
وتواصل الولايات المتحدة، من جانبها، نشر أسطولها الخامس في البحرين لتأمين حرية الملاحة، وهو تموضع إستراتيجي يتجاوز الردع البحري إلى حماية شبكة المصالح الغربية.
ومع ذلك، تبقى المخاطر قائمة، إذ أن أي صدام عسكري مباشر أو غير مباشر بين إيران وإسرائيل في هذا الممر قد يؤدي إلى شلل مؤقت في تدفقات الطاقة، ما سينعكس مباشرة على أسعار النفط والأسواق المالية العالمية.
ويرى الخبير في الأمن البحري، العقيد البحري المتقاعد هيثم الفليتي، أن “الأسطول الأميركي الخامس وقوات التحالف قد ينجحون في تأمين حرية الملاحة مؤقتًا، لكنهم لن يكونوا قادرين على نزع فتيل الأزمة ما لم تُعالج جذورها السياسية والعسكرية.”
ويضيف الفليتي أن “الوجود العسكري في الخليج ليس ردعًا كافيًا أمام تصعيد شامل، بل مجرد عامل تأخير.”
وفي ظل غياب أفق دبلوماسي واضح، واستمرار الضربات المتبادلة، وتحول المضيق إلى نقطة توتر فعلية، يبدو أن استقرار أمن الطاقة في المنطقة أصبح رهينة لمعادلات الردع، أكثر من كونه محكومًا بمنطق الاتفاقات أو القواعد الدولية.