الكلاب الشرسة والضالة تفرض تشريعًا جديدًا في مصر
تخطو الحكومة المصرية بشكل متسارع نحو الخلاص من أزمة انتشار الكلاب الشاردة في بعض الشوارع والميادين والتجمعات السكنية، بالتوازي مع تنظيم اقتناء المواطنين لسلالات من الكلاب الشرسة لما تمثله من خطر على حياة الناس، بعد وقوع أكثر من حادثة أثارت غضب الرأي العام ودفعت مجلس النواب للتحرك.
وشهدت القاهرة مشادة مؤخرا بين الفنانة المعتزلة مشيرة إسماعيل وأصحاب عيادة بيطرية لعلاج الحيوانات، وفي البناية التي تقطن بها بحي مصر الجديدة، وأدت إلى استدعاء الشرطة بعد أن شكت الفنانة من نباح الكلاب، وانقسم الناس بين مؤيدين لها، ومتعاطفين مع أصحاب العيادة، ما أدى لتصاعد الجدل حول اقتناء وعلاج الكلاب.
جاء التفاعل الرسمي عقب تقارير أشارت إلى أن حالات العقر من الكلاب الضالة، والشرسة التي يربيها البعض، وصلت إلى قرابة 450 ألف حالة في العام الواحد وتسبب بعضها في عدد من الوفيات نتيجة للإصابة بداء الكلب.
ووفق إحصاء الجمعية المصرية لمنع القسوة على الحيوانات توجد ثمانية ملايين حيوان أليف في مصر، منها ثلاثة ملايين كلب، بينما يُقدر عدد المواطنين الذين يقومون بتربية الحيوانات الأليفة في البلاد بنحو عشرة ملايين شخص.
وهناك أنواع من الكلاب الأليفة تصنف على أنها “غاية في الخطورة” ويستخدمها البعض على سبيل التباهي الاجتماعي وفرض السلطة والبلطجة والتنمر على الآخرين.
قادت بعض الحوادث التي كشفت عنها مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى انتفاضة مجتمعية مدعومة من وسائل إعلام وبرلمانيين، استهدفت وضع حد للكلاب من الأنواع الخطرة، مثل البيتبول والهاسكي والشيواوا، أمام استخدام البعض لها في ترويع الصغار والكبار.
حوادث متكررة
تكررت حالات العقر مؤخرا، وكانت الحادثة الأكثر غضبا وتحولت إلى قضية رأي عام، ارتبطت بعقر كلب أسرة مذيعة شهيرة بقناة طهي مصرية لجارها الذي كان يعمل موظفا بأحد البنوك، حيث قام الأخير باصطحاب ابنه إلى منزل المذيعة لمطالبتها بعدم ترك الكلب دون قيد أو وضع قناع على فمه.
وفوجئ الموظف بمهاجمة الكلب له وعقره في أماكن متفرقة من جسده، وسط استغاثات من ابنه، وتم نقل الأب إلى المستشفى وتوقف قلبه وفقد الوعي ودخل في غيبوبة ثم فارق الحياة، وقضت المحكمة بحبس صاحب الكلب (زوج المذيعة) ستة أشهر لعدم اتباعه إجراءات السلامة مع اقتناء الكلب وتركه يهدد حياة الناس.
وعلى وقع الحوادث المتكررة، شرعت الحكومة في إعداد قانون لتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، ووافق عليه مجلس النواب ودخل حيز التنفيذ، ونص في المادة التاسعة من القانون على حظر حيازة الكلاب بدون ترخيص من السلطة المختصة وفق الشروط والإجراءات التي تحددها اللائحة التنفيذية للقانون.
وانقسم مصريون حول القانون بين مؤيد لحماية الأمن المجتمعي، وآخرون معارضون لبعض نصوصه، التي جاءت صارمة وقيّدت أصحاب الكلاب الأليفة ووضعتهم تحت المحاسبة طوال الوقت، بشكل قد يجعل كثيرين يعزفون عن تربية الكلاب خشية التعرض للحبس والغرامة لأقل فعل يُخالف القانون.
ضحايا تعذيب
وحسب إبراهيم البنداري، وهو صاحب “شلتر” أو ملجأ لرعاية الكلاب الضالة، فإن الكلاب الأليفة التي يخشاها الناس، هي في الواقع ضحايا لتعذيب مستمر أو ضرب وتشريس (أي تدريبها على الافتراس).
وقال في حديثه لـ”العرب” إن القانون الجديد المنظم لحيازة الكلاب إذا تم تطبيقه بصرامة، قد يأتي بمردود سلبي على التربية المسؤولة وتبني الكلاب، لأن المربين جزء من حل المشكلة إذا تم نشر الوعي لديهم بطريقة التربية الصحيحة والترويض وتجنب المعاملة السيئة.
وبقدر ما تمثل الكلاب الشرسة أزمة معقدة، يظل الخطر الأكبر مرتبطا بنظيرتها الضالة التي تنتشر في الشوارع وصار عددها مثيرا لذعر المواطنين، ويكفي أن وزارة الزراعة أعلنت قبل عامين عن وجود أكثر من 20 مليون كلب ضال في الشوارع، ورجحت زيادة العدد إلى 33 مليونا بحلول عام 2028.
وتستورد مصر سنويا أمصالا طبية لعلاج المصابين بسعار الكلاب بنحو 23.6 مليون دولار، أمام زيادة معدلات عقر الكلاب الضالة للمواطنين، ولم تفكر الحكومة في إنشاء مراكز إيواء تجمع بها كل هذه الملايين من الحيوانات الشاردة، وبدلا من إنفاق ملايين الجنيهات على الأمصال تخصصها لرعاية الكلاب.
ورأى الطبيب البيطري سعيد عباس أن الحكومة تقوم بجهود كبيرة لحل مشكلة تزايد الكلاب الضالة وتسعى لتحقيق إستراتيجية التنمية المستدامة 2030 بخلو مصر من مرض السعار تماما بتعقيم وتطعيم الكلاب الشاردة بالتوازي مع التوعية المجتمعية حول كيفية التعامل مع هذه الحيوانات بحكمة وهدوء.
وأضاف لـ”العرب” أن العقر يتسبب في إصابة الإنسان بمرض السعار بنسبة 99 في المئة، وقد يؤدي ذلك إلى الموت إذا لم يتم التعامل الطبي مع الحالة بشكل سريع بإعطاء المصاب المصل الخاص، قبل أن ينتقل الفيروس إلى الجهاز العصبي المركزي للإنسان الذي عقره الكلب، وهذا أخطر ما يتعلق بالكلاب الشاردة.
وأكد البنداري أن الكلاب الضالة بالشوارع مظلومة، لأنها إما جائعة أو مصابة بجروح بالغة نتيجة لاصطدام السيارات بها، أو جراء الإيذاء الواقع عليها من الناس، هذه الحيوانات تتصف بالطيبة والإخلاص، ما يستدعي تعديل سلوكيات بعض البشر في التعامل مع الكلاب حتى لا تتحول من الإخلاص إلى الإيذاء.
ويرعى هذا الطبيب نحو مائتي كلب رغم ندرة التبرعات وقلة الإمكانات أمام ارتفاع أسعار العلاج والطعام، حيث يقوم بإطعامهم وعلاجهم والبحث عن الراغبين في اقتنائهم شريطة أن تكون المعاملة إنسانية وبعيدة عن كل مظاهر العنف، لكن يظل التحدي الحقيقي أمامه غياب تلك الثقافة عن شريحة كبيرة بالمجتمع.
حل المشكلة
في نظر بسمة أحمد التي تمتلك ملجأ لرعاية الكلاب، هناك فريق من البشر يعتقد أن كوكب الأرض قد خلقه الله لهم فقط، ولا يقبلون أن يشاركهم فيه أي كائن آخر، رغم أن الكلاب بطبيعتها ليست مؤذية، إلا في حال قيام أحد بإيذائها، وهنا ستبدأ في الدفاع عن نفسها كحق لها باعتبار أن العنف يواجه بعنف مضاد.
واستندت أحمد إلى الحوادث التي تثار على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت فيها بعض الكلاب ضحايا تصرفات سلبية من خلال التعرض بشكل يومي لإيذاء بدني إما بتقييد حريتها أو ضربها وإصابتها بشكل خطير، مع أن الحل بسيط وسهل ويُكمن في تعقيم وتطعيم ورعاية تلك الحيوانات بعيدا عن العنف والإبادة.
وأدل مثال على ذلك وجود مقاطع فيديو يتم تداولها لشريحة من المواطنين تتعامل معهم الكلاب الشاردة بلطف ومحبة وعاطفة، حيث يقدمون لها الطعام بشكل يومي ويجلسون إلى جوارها دون أن يتعرضوا إلى أذى، أي أن العبرة في طريقة المعاملة.
ولخصت الروائية ريم أبوعيد التي تأخذ على عاتقها الكثير من المبادرات لإنقاذ الكلاب الضالة ورعايتها، مشكلة المجتمع مع الحيوانات الضالة في وجود شريحة من المواطنين يرفضون أن تكون الكلاب شريكة لهم على كوكب الأرض، بحجة أنها مفترسة بالفطرة، وهذا خاطئ.
وأوضحت لـ”العرب”، “إذا تعامل كل إنسان مع الكلاب كشركاء حياة على الكوكب، فلن يكونوا أعداء لغيرهم، والحل الأمثل لمشكلة تزايد أعداد الكلاب الضالة، يتمثل في تعقيمها بإخصاء الذكور لخفض الأعداد تدريجيا، مع أولوية تطعيمها ضد مرض السُعار بحيث إذا وقعت حادثة عقر لأي إنسان فلن تؤدي إلى موته.”
وما لم تبادر الحكومة بالتعاطي مع الحيوانات الشاردة بهذا الفكر، فالمجتمع نفسه لن تتغير سلوكياته تجاه كل ما هو ضال في الشوارع والميادين وسيظل يتعامل مع الكلاب بنظرة سلبية، مع أنه من السهل على كل تجمع سكاني أن يبادر لحل المشكلة ولو بجهود ذاتية، لكن العبرة في المبادرة الحكومية أولا.