الصحافة في موريتانيا توسع هامش الحرية وتتراجع في الترتيب
تراجع ترتيب حرية الصحافة في موريتانيا بشكل ملحوظ عالميا، بعد أن هبط ترتيبها 17 درجة مقارنة بالسنة الماضية في مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود”، وهو ما فتح باب النقاش مجددا حول واقع الإعلام الوطني والتحديات التي تعصف به.
ويرى صحافيون موريتانيون أن هذا التراجع هو انعكاس لأزمة بنيوية يعيشها الحقل الصحفي، تتجلى في ضعف المهنية، وغياب روح الإنتاج الإعلامي الجاد، وسط تنامي تأثير وسائط التواصل الاجتماعي التي باتت منصة مفضلة للشائعات وخطاب الكراهية، على حساب الصحافة المؤسسية الرصينة.
ويشير الكثيرون إلى أن الإعلام الوطني فقد الكثير من دوره السابق، حين كان موجهاً بروح فكرية واضحة، ومعبراً عن قضايا النخب السياسية والنقابية، في ظل صراع سجالي بين الدولة والمعارضة، أنتج أصواتاً إعلامية قوية واجهت الرقابة والأحادية، وسعت إلى توسيع هامش الحرية.
وهناك من يرى أن توسيع هامش الحرية انعكس سلبا على الأداء الإعلامي ويقول أصحاب هذه النظرية، إن الإعلام تحوّل إلى حالة من العشوائية والسطحية والتمييع، خاصة مع اتساع رقعة الحرية دون تعزيز موازٍ للمسؤولية والمهنية. وهو ما أدى إلى انتشار إعلام يخدم المصالح الضيقة، ويُستخدم أحياناً لحماية مراكز الفساد أو الترويج لخطابات التفرقة والكراهية، بل وحتى المساس بالقيم الوطنية والدينية.
اتهامات لوسائل إعلام بخدمة المصالح الضيقة، واستخدامها أحياناً لحماية مراكز الفساد أو الترويج لخطابات التفرقة والكراهية
وفي الوقت الذي يُنفق فيه المال العام بسخاء على الإعلام تحت عناوين الدعم والمهرجانات، فإن نصيب المؤسسات الجادة من هذه الموارد يظل محدوداً جداً، حيث يُتهم صندوق دعم الصحافة بالانتقائية وعدم الشفافية، وسط انتقادات متكررة لغياب رؤية وطنية موحدة للنهوض بالقطاع.
ويجمع عدد من الفاعلين الإعلاميين أن الخروج من هذا النفق لا يتم إلا عبر تمهين القطاع، ودعم المؤسسات الجادة، وتشجيع التنافس المهني النزيه، بعيداً عن صراعات اللوبيات والنفوذ السياسي، مع ضرورة صياغة سياسة إعلامية وطنية واضحة المعالم، تعيد الاعتبار للصحافة كمهنة رسالة لا كأداة صراع أو مصلحة.
لكن رغم هذا التراجع في قائمة الترتيب، فقد تصدّرت موريتانيا حرّية الصحافة على مستوى العالم العربي في التقرير الجديد الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود، الأمر الذي اعتبرته وزارة الثقافة الموريتانية “شهادة بارزة لتثمين الجهود التي تبذلها الحكومة لتمْهين الحقل الإعلامي وتمكينه من ممارسة عمله في جوّ تطبعه الحرية والاحترافية.”
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إنه “منذ إلغاء تجريم المخالفات الصحفية عام 2011، أصبح بإمكان الصحافيين العمل في بيئة أقل قمعا، لكنهم يعيشون هشاشة كبيرة.”