واشنطن تمنح الضوء الأخضر لتمويل قطري لرواتب موظفي حكومة سوريا
كشفت ثلاثة مصادر عن إعطاء الولايات المتحدة الضوء الأخضر لمبادرة قطرية لتمويل القطاع العام السوري، مما يتيح شريان حياة ماليا للحكومة السورية الجديدة في مسعاها لإعادة بناء دولة مزقها الصراع.
وتُمثل موافقة الولايات المتحدة على المبادرة القطرية منعطفا هاما في مسار التعامل الدولي المعقد مع سوريا، فبعد سنوات من العقوبات الصارمة والعزلة الدبلوماسية، يشير هذا الدعم الضمني إلى استعداد واشنطن، ولو بشكل محدود ومشروط، للانخراط في جهود تخفيف الأزمة الإنسانية والاقتصادية المتفاقمة في البلاد.
كما تعكس هذه الخطوة تنامي دور دول الخليج، مثل قطر والسعودية، في محاولة إيجاد حلول عملية للأزمة السورية، مستغلة نفوذها المالي وعلاقاتها المتنامية مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية.
ورغم القيود والشروط المصاحبة للتمويل، فإن هذه المبادرة قد تفتح الباب لمزيد من المرونة في السياسات الدولية تجاه سوريا، خاصة مع سعي الحكومة الجديدة لترسيخ الاستقرار وإعادة الإعمار في البلاد.
وكانت قطر، وهي من أقوى الداعمين الدوليين للرئيس السوري أحمد الشرع، مترددة في اتخاذ أي إجراء دون موافقة واشنطن، التي فرضت عقوبات على سوريا عندما كان الرئيس السابق بشار الأسد في السلطة.
وأكد وزير المالية السوري محمد يسر برنية في بيان الأربعاء أن قطر ستقدم لسوريا منحة تبلغ 29 مليون دولار شهريا لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وذلك لدفع رواتب العاملين المدنيين في القطاع العام.
وأضاف أن المنحة حصلت على استثناء من العقوبات الأميركية، موضحا أنها ستدار من قبل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وأدت العقوبات وصراع على مدى 14 عاما وحكم المحسوبية لعقود في عهد الأسد إلى إفلاس الدولة وتضاؤل أجور الموظفين.
وأفاد شخصان مُطلعان لرويترز بأن قطر حصلت على الضوء الأخضر الأميركي، وقالا إن من المتوقع أن يقدم مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية قريبا خطابا يؤكد إعفاء المبادرة من العقوبات الأميركية.
وتُعد هذه الخطوة مؤشرا على تخفيف واشنطن لموقفها تداه دمشق في وقت تحركت فيه الدول الأوروبية بوتيرة أسرع لتخفيف عقوباتها.
وقال مصدر مالي سوري إن التمويل مشروط وتقتصر الاستفادة منه على الموظفين المدنيين في القطاع العام مع استبعاد وزارتي الداخلية والدفاع.
وذكر المصدر ودبلوماسيون أن ذلك يعكس المخاوف الغربية من التاريخ المتشدد لحكام سوريا الحاليين الذين يعيدون تشكيل القوات الأمنية.
وأشار المصدر المالي إلى أنه من المتوقع أن يبدأ التمويل في التدفق بدءا من الشهر المقبل، مما يسمح بزيادة طال انتظارها بنسبة 400 بالمئة لتوزيعها تدريجيا على أكثر من مليون موظف حكومي على مدى بضعة أشهر.
وتحدثت جميع المصادر شريطة عدم الكشف عن هوياتها لأنها غير مخولة بالحديث في هذا الشأن. ولم ترد بعد وزارة الخارجية القطرية ولا وزارة الخزانة الأميركية على طلبات التعليق.
وقال المصدر السوري إن الحكومة السورية ستقدم الأموال اللازمة لمعادلة زيادة الرواتب للموظفين غير المشمولين بالمبادرة المدعومة من قطر.
واعتزمت قطر تقديم دعم للرواتب بعد فترة وجيزة من إطاحة هيئة تحرير الشام ببشار الأسد العام الماضي. وتعطلت المبادرة بسبب الغموض بشأن العقوبات الأميركية وسياسة إدارة ترامب تجاه سوريا.
لكن هناك دلائل على أن دول الخليج تمكنت من إحراز تقدم متواضع في الضغط على الولايات المتحدة للسماح على الأقل بالتعامل مع دمشق، إذ سددت السعودية وقطر الشهر الماضي ديون سوريا للبنك الدولي مما فتح الباب أمام المنح والقروض.
وشاركت السعودية في استضافة اجتماع رفيع المستوى ركز على سوريا في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن الشهر الماضي، وحضره وزير المالية السوري وحاكم المصرف المركزي للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
وأصدرت الإدارة الأميركية السابقة إعفاء من العقوبات في السادس من يناير للسماح بالتعامل مع المؤسسات الحاكمة في سوريا لمدة ستة أشهر، لكن دولا وكيانات تريد التعامل مع سوريا سعت للحصول على ضمانات إضافية.
وكان الإعفاء، المعروف باسم الترخيص العام، محاولة لتسهيل تدفق المساعدات الإنسانية والسماح بالعمل مع قطاع الطاقة السوري، مع الإبقاء على العقوبات بشكل عام.
ودأب الشرع على المطالبة برفع العقوبات الغربية التي فُرضت لعزل الأسد بسبب ما مارسه من قمع أثناء الحرب الأهلية السورية التي بدأت في عام 2011.
ويعد تعزيز الاقتصاد، الذي انفتح الآن في تجربة السوق الحرة بعد فرض سياسات الحماية لعقود، أولوية قصوى بالنسبة للشرع.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون حاليا تحت خط الفقر.
وكان وزير المالية في الحكومة المؤقتة قد أعلن في يناير إن أجور العاملين في القطاع العام سترتفع 400 بالمئة اعتبارا من فبراير بتكلفة شهرية تقدر بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (130 مليون دولار) مشيرا إلى المساعدات الإقليمية كأحد مصادر تمويل هذه الزيادة.
وتتسم السياسة الغربية مع سوريا بالتعقيد بسبب الجذور المتشددة لهيئة تحرير الشام، التي قادت حملة الإطاحة بالأسد وتدرجها قوى عالمية في قوائم الجماعات الإرهابية.
وانبثقت هيئة تحرير الشام من جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة في سوريا إلى أن أعلن الشرع الانفصال عنه في عام 2016. وحُلت هيئة تحرير الشام رسميا في يناير.