ترامب يختبر مدى قابلية الشرع للتماهي مع الرؤية الأميركية للمنطقة باقتراح التطبيع مع إسرائيل
فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع خلال لقاء جمعهما الأربعاء في الرياض بطرح مقترح انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما ينظر إليه كاختبار لمدى قابلية الشرع للتماهي مع الرؤية الأميركية والابتعاد عن المحور الإيراني.
ويرى محللون أن المقترح لم يكن عفويا حيث يأتي في لحظة إقليمية حرجة، بعد سقوط نظام بشار الأسد وبداية تشكل نظام سوري جديد بقيادة الشرع الشخصية الصاعدة المثيرة للجدل خصوصا في ظل تاريخه الجهادي السابق وصلاته بالفصائل الإسلامية المسلحة.
ويدرك ترامب، الذي يسعى إلى توسيع إرثه الدبلوماسي عبر اتفاقيات أبراهام، أن نجاحه في ضم دولة مثل سوريا إلى هذا المسار التطبيعي سيعتبر نصرا إستراتيجيا يفوق كل الصفقات السابقة، بالنظر إلى العداء التاريخي بين دمشق وتل أبيب، وبالتالي فإن طرح التطبيع ليس مجرد اقتراح دبلوماسي بل هو امتحان عملي لمدى قابلية النظام الانتقالي السوري للتخلي عن الإرث الأيديولوجي لسوريا ما قبل الثورة، والانخراط في مشروع أميركي شامل لإعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية.
وبحسب مراقبين فإن ترامب يرى أنه يمكن تحويل سوريا من دولة محورية في ما يسمى بـ”محور المقاومة” إلى دولة مستقرة ضمن محور عربي – إسرائيلي- أميركي مقابل الدعم الاقتصادي والاعتراف السياسي، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون فصل النظام الجديد تماما عن النفوذ الإيراني، لذلك فإن مقترح التطبيع، وإن بدا سابقا لأوانه، يأتي كاختبار فإذا تجاوب الشرع يكون مؤهلا لأن يكون شريكا مستقرا، وإذا تردد أو رفض فربما يحتاج ترامب إلى إعادة تقييم رهانه على النظام الانتقالي.
ويجد الشرع نفسه الآن أمام معادلة صعبة، فإذا قبل بالمقترح الأميركي سيحظى باعتراف واشنطن وترفع العقوبات المفروضة على سوريا وهو ما يفتح المجال أمام تدفق الدعم الخليجي والغربي، لكنه سيغامر بخسارة شرعيته الثورية لدى جزء كبير من الداخل السوري، خاصة القوى والفصائل التي ترى في إسرائيل عدوا وجوديا وتعتبر التطبيع خيانة للمبادئ التي قامت عليها الثورة.
ولهذا من المرجح أن يلجأ الشرع إلى صيغة رمادية تقوم على عدم الرفض الصريح للمقترح وأيضا عدم القبول المباشر والواضح مع إمكانية ربط الخطوة بشروط مثل قيام الدولة الفلسطينية مثل ما تقترح السعودية.
ونجح ترامب من خلال لقائه بالشرع في تحقيق عدة أهداف من بينها إظهار قدرته على الحسم في القضايا السياسية مهما كانت معقدة أو محاطة بخطوط حمراء. كما أنه أثبت أنه حليف جدي لدول الخليج، إذ استجاب لمطلبها بتأهيل الشرع واستقباله بشكل ثنائي وفي قمة رباعية في العاصمة السعودية، وإعلان رفع جميع العقوبات.
ووصف ترامب الرئيس السوري بأنه شاب يتمتع بشخصية جذابة وله ماض حافل، وأن “لديه فرصة حقيقية للسيطرة على الأمور،” وهي تصريحات تضفي شرعية على حكمه وتقطع الطريق أمام محاولات إرباكه وعرقلته من أيّ دولة إقليمية بما في ذلك إسرائيل.
ويعد لقاء الشرع، الأربعاء، بترامب والقمة الرباعية بمشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان (عن بعد) مكسبا وضمانة من واشنطن بأن تتوقف إسرائيل عن استهداف سوريا والتوغل في مناطق جديدة، لكن تنصل الشرع من التطبيع سيعني إطلاق أيدي الإسرائيليين للاستمرار في توجيه ضربات داخل الأراضي السورية وتحريك صراع الأقليات لصالحهم.
والتقى ترامب بالشرع، وأظهرت صور عرضها التلفزيون السعودي الرئيسين وهما يتصافحان بحضور ولي العهد السعودي. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت عبر منصة إكس إن ترامب حث الشرع على الانضمام إلى الإمارات والبحرين والمغرب في تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار ما يعرف باسم اتفاقيات أبراهام التي أبرمت بوساطة الولايات المتحدة عام 2020.
وتأمل الولايات المتحدة أيضا أن تنضم السعودية إلى اتفاقيات أبراهام، لكن المحادثات في هذا الصدد توقفت بعد اندلاع حرب غزة، وتصر المملكة على استحالة التطبيع دون قيام دولة فلسطينية. وقال ترامب الثلاثاء إن السعودية ستنضم إلى اتفاقيات أبراهام في الوقت الذي تراه مناسبا.
وعلى الرغم من المخاوف التي تسود قطاعات من إدارته بشأن العلاقات التي كانت تربط في السابق قادة سوريا الحاليين بتنظيم القاعدة، قال ترامب الثلاثاء في الرياض إنه سيرفع العقوبات عن سوريا، في تحول كبير للسياسة الأميركية في هذا الصدد. وأضاف أن واشنطن تدرس تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية بداية من اجتماعه مع الشرع.
وجاء رفع العقوبات على الرغم من وجود شكوك إسرائيلية كبيرة تجاه حكومة الشرع، الذي يواصل المسؤولون الإسرائيليون وصفه بالجهادي، رغم قطعه علاقته بتنظيم القاعدة في 2016. ويشكل القرار دفعة قوية للشرع الذي يكابد لبسط سيطرة حكومة دمشق على البلاد بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في ديسمبر.
ومن شأن رفع العقوبات الأميركية، التي عزلت سوريا عن النظام المالي العالمي، أن يمهد الطريق أمام زيادة مشاركة المنظمات الإنسانية، ويسهل الاستثمار والتجارة الخارجية مع إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الأهلية. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمر صحفي إن الرياض ستدعم تعافي سوريا الاقتصادي، وإن هناك الكثير من فرص الاستثمار هناك بعد رفع العقوبات.
وتعارض إسرائيل تخفيف العقوبات عن سوريا وصعّدت عملياتها العسكرية هناك منذ الإطاحة بالأسد قائلة إنها لن تتساهل مع وجود الإسلاميين في جنوب سوريا. لكن الرسالة الأميركية واضحة وهي الاعتراف بالشرع وإعطاؤه فرصة نادرة للاندماج في المنظومة الإقليمية دبلوماسيا وخاصة اقتصاديا. وفرضت غالبية العقوبات عقب بداية النزاع عام 2011 إثر قمع السلطات بعنف الاحتجاجات المناهضة للأسد. وطالت في حينه الأسد وعددا من أفراد عائلته وشخصيات وزارية واقتصادية.
وفي 2020، فرضت عقوبات جديدة بموجب قانون “قيصر” استهدفت العديد من القريبين من الأسد بينهم زوجته أسماء. كما فرضت بموجبه عقوبات مشددة على أيّ كيان أو شركة يتعامل مع السلطات السورية. وطال القانون كذلك قطاعات البناء والنفط والغاز، وحظر على واشنطن تقديم مساعدات لإعادة الإعمار.