ما بعد الأسد: هل تستطيع الوحدة بين الأكراد تشكيل مستقبل سوريا
اجتمعت الفصائل الكردية السورية في القامشلي إثر سقوط نظام بشار الأسد، عاملة على تعزيز الوحدة من أجل المفاوضات مع دمشق، حيث شكّل ذلك خطوة مهمة في خضم الخلافات الداخلية المستمرة والتحديات الخارجية.
وتعرضت الفصائل الكردية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد إلى ضغوط متزايدة لتجاوز انقساماتها الداخلية وتقديم موقف موحد في المفاوضات مع دمشق.
وقد حدث تطور كبير في 26 أبريل الماضي، عندما تلاقت المجموعات الكردية الرئيسية في القامشلي لعقد مؤتمر.
وحضرت أيضا أحزاب كردية من مختلف أنحاء الشرق الأوسط، ما سلط الضوء على الشعور بحدوث تغييرات جوهرية.
نجاح الوحدة الكردية يبقى رهناً بقدرة الأكراد على ترجمة التوافق السياسي إلى خطوات عملية ودائمة على الأرض
وبينما اعتُبر هذا الحدث خطوة إيجابية، لا تزال هناك تحديات عديدة، ويبقى العمل المكثف مطلوبا.
ويرى الباحث وينثروب رودجرز في تقرير نشره موقع عرب دايجست أن روح التعاون المتجددة هذه تُعدّ حيوية لتحقيق التطلعات الكردية في سوريا. ولكن على الأكراد السوريين أن يواجهوا التحديات الخارجية الحتمية إضافة إلى وجوب التغلب على الخلافات الداخلية المستمرة.
وتنقسم البيئة السياسية في كردستان سوريا إلى كتلتين رئيسيتين، تعكسان انقسامات أوسع في القومية الكردية. أبرزهما حركة المجتمع الديمقراطي، التحالف الذي يُشكّل حزب الاتحاد الديمقراطي أبرز أعضائه.
ويتبنى الحزب أيديولوجية مؤسس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان. وتتهم تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي بأنه جزء من حزب العمال الكردستاني، على الرغم من أن الحزب يُصرّ على أنه منظمة منفصلة.
وتُشكّل قواته المسلحة (وحدات حماية الشعب) جوهر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهي تحالف عسكري متعدد الأعراق تدعمه الولايات المتحدة.
وأما الكتلة الثانية فهي المجلس الوطني الكردي في سوريا، وأكبر أعضائه هو الحزب الديمقراطي الكردستاني في سوريا، الذي تربطه صلات قوية بالحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني في كردستان العراق.
ويتهم المجلس الوطني الكردي حزب الاتحاد الديمقراطي بإقصائه عن هياكل الحكم في شمال شرق سوريا. لكن المجلس الوطني الكردي في كردستان يتمتع بدعم شعبي أقل من حركة المجتمع الديمقراطي، ويجعله حلفاؤه المؤثرون في أربيل وعلاقاته مع تركيا لاعبا مهما لا يمكن تجاهله.
ويشترك كلا الفصيلين، على الرغم من اختلاف أيديولوجياتهما، في أهداف سياسية قصيرة المدى في سوريا.
وتشمل خاصة إنشاء نظام لامركزي يمنح الأكراد الحكم الذاتي ويضمن حقوقهم السياسية والثقافية واللغوية المنصوص عليها في التشريعات.
ومع ذلك، فشلت الجهود المتكررة لتعزيز التعاون بينهما، بما في ذلك مبادرات من جهات كردية وأجنبية، في تحقيق وحدة دائمة.
ولقد منح انهيار نظام الأسد فرصة جديدة لكلا الجانبين لتجاوز انقساماتهما. فبعد سلسلة من التأخيرات، اجتمع حوالي 400 ممثل من الجماعات الكردية الرئيسية في سوريا وغيرها من المنظمات في القامشلي لحضور مؤتمر الوحدة الكردية. وناقش المشاركون إستراتيجيات التعاون ووضعوا خطة للمفاوضات مع دمشق في إعلان رسمي.
وأشار مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، خلال المؤتمر إلى أن الوحدة الكردية تُسهم بشكل مباشر في الوحدة الوطنية السورية، مؤكدا أن تمكين المكونات الكردية يُعزز سوريا ككل.
وأضاف عبدي أن ضمان الحقوق الكردية يبقى الهدف السياسي الأساسي. واعتبر سليمان أوسو، القيادي في المجلس الوطني الكردي، المؤتمر نجاحا مهما للشعب الكردي، مشددا على الحاجة الماسة إلى تطبيق نتائجه.
وشاركت في المؤتمر وفود من الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني في كردستان العراق، و حزب اليسار الأخضر، والمؤتمر الوطني الكردستاني في تركيا.
وقد أظهرت مشاركتهم تزايد التعاون الكردي عبر الحدود، عقب دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان لوقف إطلاق النار، واجتماع 16 يناير بين عبدي ورئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني.
ورغم أن تعزيز التعاون الكردي الداخلي واعد، إلا أن النتائج الملموسة لا تزال محدودة. وفشلت المحاولات السابقة للوحدة، مثل اتفاقية دهوك لسنة 2014 بين حركة المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي.
وفي الأثناء، لا يزال التقدم السياسي في كردستان العراق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني بطيئا.
وقد يكون الزخم الحالي مختلفا بالنسبة إلى أكراد سوريا، نظرا إلى التحولات الدستورية في دمشق وسقوط النظام البعثي، بالإضافة إلى تنامي الدعم الكردي الإقليمي.
وكان المطلب السياسي الرئيسي الذي طُرح في المؤتمر هو “دستور لامركزي يشمل جميع المكونات” في سوريا الجديدة.
ومن شأن هذا أن يحافظ على الهياكل المستقلة التي نشأت في شمال شرق سوريا منذ 2011. لكن هذه الرؤية تتعارض مع طموحات الرئيس السوري أحمد الشرع الذي يدعم حكومة مركزية.
ورغم أن اتفاق 10 مارس بين الشرع وعبدي قد مثّل تقدما، إلا أن القضايا اللاحقة المتعلقة بالسكان الدروز والعلويين ألقت بظلال من الشك على التزام النظام بحقوق الأقليات.
وعقب المؤتمر، انتقد مكتب الشرع مطالب اللامركزية، مما عزّز الشعور بأن الطموحات الكردية ستواجه مقاومة كبيرة. وتزيد معارضة تركيا للحكم الذاتي الكردي من حدة التحدي.
ولا تزال الصعوبات قائمة على الصعيد الداخلي. ومن المتوقع أن تقود حركة المجتمع الديمقراطي (بصفتها الفصيل الأقوى) المحادثات مع دمشق، ولكن عليها أيضا معالجة مظالم الإقصاء السابقة التي عانى منها المجلس الوطني الكردي في سوريا.
ولكي تستمر المؤسسات المستقلة في شمال شرق سوريا، يجب على الفصيلين التعاون رغم خلافاتهما. وبناءً على الإخفاقات السابقة، لن يكون تحقيق هذه الوحدة سهلا.
ولتجنب تجدد الصراع والتشرذم، يجب على حركتي المجتمع الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي في سوريا الالتزام بخارطة الطريق التي وُضعت في مؤتمر 26 أبريل، وتجنب العودة إلى مربّع الانقسامات.
وسيكون الحفاظ على التركيز على الأهداف المشتركة (ضمان الحقوق الكردية واللامركزية) أمرا أساسيا. كما يجب عليهما التعاون بشكل بنّاء مع دمشق، على أمل الاستجابة التعاونية. وبينما لا يزال النجاح غير مؤكد، إلا أن الشعور الحذر بالتفاؤل مبرّر في الوقت الراهن.