زيارة ترامب إلى السعودية فاصل استعراضي من مسلسل علاقات متقلبة بين واشنطن والرياض
لم تحمل زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السعودية وما رافقها من حفاوة استثنائية مفاجآت جوهرية أو خطوات ملموسة لصالح المملكة، وهو ما جعلها تبدو كفاصل استعراضي من مسلسل علاقات متقلبة بين واشنطن والرياض.
ورغم التوقيع على اتفاقيات ضخمة في عدة مجالات بلغت قيمتها 600 مليار دولار، لم يكشف ترامب عن أيّ دعم سياسي أو قرارات إستراتيجية لصالح السعودية ما أثار التساؤلات حول حقيقة الفائدة التي عادت على الرياض من الزيارة.
وإذا كان ترامب يقارب العلاقة مع السعودية من منظور المصالح التي تجلبها لبلاده وحجم الاستثمارات والصفقات التي ترفع من أسهمه في الداخل الأميركي، فإن لا شيء يضمن أن يأتي رئيس جديد بعد نهاية فترة حكم ترامب ليعيد العلاقة بين واشنطن والرياض إلى مربع التوجس والعداء المبطن كما حدث في فترة الرئيس السابق جو بايدن ومن قبله فترة باراك أوباما.
ويتساءل مراقبون إن كانت العلاقة الشخصية المتينة التي تجمع بين ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قادرة على تغيير صورة السعودية في دوائر السياسة الأميركية، وهل أن ترامب بمقدوره أن يدفع إلى تغيير القوانين التي يلوّح بها مسؤولون أميركيون ونواب في الكونغرس في كل مرة ضد السعودية مثل قانون جاستا الذي يحمّل المملكة مسؤولية هجمات 11 سبتمبر2001 ويطالبها بالتعويضات، أو مشاريع القوانين التي تعنى بحقوق الإنسان، والتي لا يتم تحريكها إلا ضد السعودية دون سواها بهدف ابتزازها رغم أنها شريك رئيسي ومحوري في الشرق الأوسط.
وما يدعم هذه المخاوف أن ترامب ينظر إلى تصويب العلاقة مع السعودية من منظور نجاحاته الشخصية، وليس ضمن إستراتيجية أميركية طويلة المدى، وهو ما أشارت إليه المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت حين قالت قبل الزيارة إنّ “الرئيس يتطلع إلى الشروع في عودته التاريخية إلى الشرق الأوسط” لتعزيز رؤية “يُهزم فيها التطرف بدلا من التبادلات التجارية والثقافية.”
وتعطي الصفقات الضخمة، التي تم توقيعها خلال زيارة ترامب، السعودية فرصة حقيقية لاختراق اللوبي المناوئ لها في المؤسسات الأميركية، خاصة أن الصفقات تتم مع الولايات المتحدة ومؤسساتها وشركاتها، وليس مع ترامب رجل الأعمال، فهو رئيس الولايات المتحدة ومواقفه ملزمة لمؤسساتها التنفيذية والتشريعية.
ويرى المراقبون أن معادلة الشراكة تقوم على استفادة الطرفين بشكل متكافئ. وفيما حصلت واشنطن على صفقات كبرى، فإن من حق الرياض أن تحصل على مقابل اعتباري يثبّت وزنها كشريك كبير للأميركيين في الشرق الأوسط.
وليس المقصود بالمقابل الاعتباري تصريحات من ترامب يمدح فيها دور المملكة أو العلاقة مع ولي العهد، فذلك أمر بروتوكولي يجري خلال اللقاءات في العالم ككل، ولكن المطلوب هو تكفل الرئيس الأميركي بتغيير الانحياز ضد السعودية داخل دوائر القرار الأميركي بمنطق مصالح أميركا وأمنها القومي.
وحرص الرئيس الأميركي على إظهار أن بلاده لا تتدخل في خيارات السعودية بشأن التطبيع ولا تضغط عليها للحاق بالاتفاقيات الإبراهيمية، حتى لا يتناقض موقفه مع تأكيد السعودية المتواصل على أن التطبيع مشروط بقيام دولة فلسطينية. كما أن ظروف الحرب في القطاع ومعاناة سكان غزة لا تسمحان بأيّ خطوة سعودية نحو إسرائيل وذلك من شأنه أن يهز منزلتها الاعتبارية عربيا وإسلاميا.
وقال إنه يأمل بشدة أن توقع السعودية قريبا اتفاق تطبيع مع إسرائيل. وقال “لكنكم ستفعلون ذلك في الوقت الذي ترونه مناسبا.”
وسعى ترامب كذلك إلى طمأنة السعودية بشأن التعاون الدفاعي عن طريق صفقات دفاعية متنوعة، وهي نقطة الخلاف الرئيسية مع بايدن حين لوّح بنقل منظومات دفاع أميركية من الخليج إلى شرق آسيا.
وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة وافقت الثلاثاء على بيع حزمة أسلحة للسعودية بقيمة تقارب 142 مليار دولار، واصفا الصفقة بأنها “أكبر اتفاق للتعاون الدفاعي” تبرمه واشنطن في تاريخها.
وأشار البيان إلى أن الاتفاق يشمل صفقات مع أكثر من 12 شركة دفاع أميركية في مجالات تشمل الدفاع الجوي والصاروخي، وتعزيز قدرات القوات الجوية وتطوير مجال الفضاء، والأمن البحري، والاتصالات.
وجاء في البيان “الحزمة التي وُقّعت اليوم، وهي الأكبر في تاريخ التعاون الدفاعي الأميركي، تمثل دليلا واضحا على التزامنا بتعزيز شراكتنا.”
◄ لا شيء يضمن أن يأتي رئيس جديد بعد نهاية فترة حكم ترامب ليعيد العلاقة بين واشنطن والرياض إلى مربع التوجس
ولم يذكر بيان البيت الأبيض ما إذا كان سيُسمح لشركة لوكهيد مارتن بتزويد السعودية بمقاتلات إف – 35 التي أشارت تقارير إلى اهتمام المملكة بالحصول عليها منذ سنوات.
وقال مصدران مطلعان إن الولايات المتحدة والسعودية ناقشتا احتمال شراء الرياض طائرات إف – 35.
وبحسب مسؤول سعودي مقرّب من وزارة الدفاع، ستسعى الرياض جاهدة للحصول على أحدث طائرات إف – 35 المقاتلة الأميركية، إلى جانب أنظمة دفاع جوي متطورة بقيمة المليارات من الدولارات.
وأفاد المصدر “سنشترط أن تتم عمليات التسليم خلال فترة ولاية ترامب، وخاصة صواريخ الدفاع الجوي.”
ووسط استقبال ملكي حافل في أول زيارة رسمية خلال ولايته الثانية، دخل ترامب قصر اليمامة الملكي الفخم في سيارة رئاسية سوداء يرافقها فرسان يحملون أعلام البلدين. وأُطلقت 21 طلقة مدفعية ترحيبا بالرئيس الأميركي الذي صاحبت مقاتلات إف – 15 سعودية طائرته الرئاسية “اير فورس وان” قبل هبوطها صباح الثلاثاء.
وتحت ثريات فخمة، رحّب ترامب بالوعد الذي قدمه ولي العهد السعودي باستثمار 600 مليار دولار، ومازح أن هذا المبلغ يجب أن يصل إلى تريليون دولار.
وقال ترامب للأمير محمد بن سلمان “لدينا اليوم أكبر قادة الأعمال في العالم، وسيغادرون حاملين شيكاتٍ كثيرة.” وأضاف “في ما يتعلق بالولايات المتحدة، نتحدث عن مليوني وظيفة على الأرجح.”
وأمام عدسات المصورين، تقدم موكبٌ طويل من أفراد العائلة المالكة ورجال الأعمال السعوديين لمصافحة ترامب وولي العهد، بمن فيهم إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والمستشار المقرب لترامب، والذي ظهر ببدلة رسمية كاملة في أمر نادر الحدوث.