استهداف إعلامي غربي للسيسي: تشويه متعمد أم مجرد صدفة
أثارت بعض وسائل الإعلام الغربية جدلاً سياسيا وشعبيا في مصر عقب نشر تقارير صبت في اتجاه محاولة تشويه صورة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في وقت تتزايد فيه توترات المنطقة، مع استمرار الحرب في قطاع غزة، واستمرار شبح توطين جزء من سكانه في مصر، وهو ما ترفضه القاهرة.
لكن ما أثار الجدل في الأوساط السياسية والشعبية المصرية هو استدعاء اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات في سياق انتقاد السياسة المصرية، وغموض التلميحات من ورائه.
وطرحت تقارير نشرت في صحف بريطانية وأميركية وإسرائيلية أخيرا تساؤلات حول رسائلها وأسباب تركيزها على السيسي وما إذا كانت متعمدة وتعبّر عن توتر، أم هي صدفة ومعالجات واجتهادات، ولا تحمل أهدافا محددة.
ونقلت صحيفة “الغارديان” البريطانية تعزية السيسي بوفاة بابا الفاتيكان فرانسيس الثاني ووصفته بـ”الرئيس المؤقت” ضمن تقرير يحمل تعازي زعماء العالم في وفاة البابا، قبل أن تقوم الصحيفة بتعديل الوصف.
وأثارت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أيضا جدلاً بعد نشرها تقريرا تحدث عن خطط الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمضاعفة الضغوط على الرئيس المصري لتمرير مخطط التهجير، وتطرقت إلى تجنب القاهرة إغضاب ترامب عبر البحث عن مبادرة سلام بديلة في غزة رفضتها الولايات المتحدة وإسرائيل، واعتبرت أن تحدى ترامب له ثمن باهظ، وتضمن التقرير حديثا عن مصير الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات، والذي اغتيل على يد جماعات متطرفة.
وما جعل الصورة تكتمل في أذهان من يؤمنون بطبيعة الضغوط التي تمارس على مصر ما بثته وكالة “أسوشيتد برس”، حيث نشرت فيديو قصيرا تم تنقيحه يتناول كواليس اغتيال السادات أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر عام 1981 دون وجود سياق أو مناسبة تدفع إلى بثه حاليا بعد مرور عقود طويلة على الحادث.
يُضاف إلى ذلك، صورة نشرتها وسائل إعلام في إسرائيل من قبل جمعت بين الرئيس المصري والرئيس الإيراني الراحل إبراهيم رئيسي في موضوع لم تكن له علاقة بمصر، في إشارة فهمت في حينه أن مصير السيسي قد يكون نفس مصير رئيسي.
وقال وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان المصري اللواء يحيي الكدواني لـ”العرب” إن حملة التشويه خلفها إسرائيل التي تنزعج من رفض مصر محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والسعي إلى وقف الحرب، والتأكيد على شرعية وجود الفلسطينيين على أرضهم، وتخدم الحملة قوى التطرف الديني في الإساءة للرئيس المصري.
وبدأ الموقف المصري حيال رفض التهجير والاتجاه نحو تعزيز التعاون العسكري مع الصين يمثل إزعاجا للولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل بعد إجراء مناورات عسكرية جوية نوعية بين القاهرة وبكين في مصر أخيرا.
وحملت طبيعة المحتويات المنشورة والتي تطال بشكل مباشر رأس الدولة رفضا صريحا للمواقف المصرية من بعض القضايا الإقليمية، وإمكانية أن يتصاعد الخلاف في الأيام المقبلة، مع عدم وجود أفق واضح لوقف الحرب في غزة، وتركيز تقارير في وسائل إعلام إسرائيلية على رفض النشاط العسكري في سيناء وتحريضها للولايات المتحدة ضد الجيش المصري، والحديث عن ضرورة تغيير وجه الشرق الأوسط.
حملة التشويه تقف خلفها إسرائيل التي تنزعج من رفض مصر محاولات تصفية القضية الفلسطينية، وتخدم الحملة قوى التطرف الديني في الإساءة للرئيس المصري
وقال المحلل السياسي مصطفى السعيد إن مصر أقدمت على خطوات ليست على هوى الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، منها تنويع مصادر السلاح والاتجاه نحو استيراد أسلحة متطورة من الصين ربما تغير موازين القوى العسكرية في المنطقة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القاهرة لن تتوقف كثيرا أمام ما يشبه الحملات الإعلامية، وستمضي في طريق يضمن الحفاظ على مصالحها دون إضرار بأحد أو أن تصبح تحركاتها معادية لدول ترتبط معها بعلاقات جيدة، ويمكن أن تحاول تطوير العلاقات معها بما يضمن التنسيق في التعامل مع الأزمات المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط، وطرق الابتزاز من خلال رسائل إعلامية تجعل القاهرة أكثر حرصا على حماية مصالحها.
وما ذهبت إليه بعض وسائل الإعلام قد تكون له انعكاسات داخلية إيجابية، فالشعبوية المصرية الرافضة للحرب على غزة والمتوجسة من أهداف إسرائيل على حساب بلدهم تجعل المواطنين أكثر تمسكا بدعم النظام في مواجهة الضغوط الخارجية، ومع الأوضاع الاقتصادية الصعبة ستجد السلطة تأييدا شعبيا باعتبارها مهددة بسبب مواقفها الوطنية.
وأحيت ما تسمى بفضحية “قطر غيت” نظرية المؤامرة لدى دوائر شبه رسمية في مصر، عندما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا أن الدوحة رشت مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أجل تشويه صورة مصر، ولذلك تفسر حملة التشويه الحالية على أنها حملة جديدة لإحراج السلطة في القاهرة والضغط عليها.
وقال الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية أحمد سلطان إن هذه الضغوط مستمرة منذ بدء حرب غزة وترفض القاهرة الاستجابة لها، ما أثار ردود فعل سلبية من جانب الإدارة الأميركية، في وقت ذهبت فيه القاهرة نحو تأمين حدودها عسكريا من أجل منع فرض أمر واقع عليها.
وأكد لـ”العرب” أن اللعب على وتر الحرب النفسية مع الإشارة إلى حادث اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات لن يقود إلى نتائج مختلفة، حيث يلتزم السيسي بقرارات مؤسسات الدولة التي لا تتنازل عن دعم القضية الفلسطينية لأسباب تتعلق بمصالح الأمن القومي المصري المجردة، وهو ما يفتح مجالات لدخول دول تسعى للانقضاض على دور القاهرة، الأمر الذي كشفت بعضا من تجلياته فضيحة “قطر غيت”.