العراق يطلق مشروع سينماتيك لترميم الأرشيف السينمائي
في خطوة مهمة نحو تعزيز السينما العراقية وحضورها عربيا، أعلنت لجنة الذاكرة البصرية العراقية (حكومية) عن إطلاق مشروع لترميم الأرشيف السينمائي العراقي بالشراكة مع الحكومة الفرنسية.
ومشروع سينماتيك العراق يهدف إلى ترميم وحفظ أكثر من 100 فيلم سينمائي عراقي، من خلال تدريب مختصين عراقيين على تقنيات إدارة وحفظ الأرشيف المرئي، وفق ما نقلته وكالة الأنباء العراقية.
وأوضحت الوكالة أن “المشروع يتضمن بناء بنية تحتية متخصصة لحفظ الأرشيف السينمائي العراقي، بالشراكة مع لجنة الحسن بن الهيثم العليا للذاكرة المرئية العراقية، وباستخدام تقنيات الرقمنة والترميم المتقدمة سيمكن الأجيال القادمة من الوصول إلى هذه الأعمال السينمائية، ما يسهم في تعزيز الوعي الثقافي وإبراز تاريخ العراق السينمائي على المستويين المحلي والدولي.”
وأكد رئيس لجنة الذاكرة البصرية العراقية حسن السوداني أن “اتفاقا بين الحكومتين العراقية والفرنسية وُقّع في 15 أكتوبر الماضي، يتضمن تأهيل الأفلام العراقية منذ انطلاق السينما العراقية في منتصف القرن الماضي وحتى توقفها.”
وأضاف “اتفقنا على ترميم 104 أفلام عراقية تمثل العمود الفقري للسينما العراقية، وقد تمكنا حتى الآن من جمع 70 فيلما من تراثنا السينمائي، رغم التحديات التي واجهتنا بعد عام 2003، حيث فقدت العديد من الأفلام ونُقلت إلى أماكن متعددة.”
وأوضح أنه “خلال العامين الماضيين تمكنا من جمع عدد كبير من الأفلام بالتعاون مع المؤسسات الأمنية والثقافية والسياسية، ومازلنا نواصل البحث عن بقية الأرشيف السينمائي.”
وأكد أن “الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، تولي أهمية استثنائية لحفظ التراث المرئي والمسموع،” مشيرا إلى أن “المشروع انطلق رسميا، بعد وصول أول الأجهزة المتخصصة يوم الخميس الماضي.”
وبشأن الخطط المستقبلية ذكر السوداني أن “لجنة الذاكرة البصرية العراقية ستعمل على إعادة تأهيل التراث التلفزيوني بكل تنوعاته، وسنحتفل قريبا بإطلاق مشروع مخصص للأرشيف التلفزيوني العراقي.”
من جانبه أعرب السفير الفرنسي لدى العراق باتريك دوريل، خلال كلمة ألقاها في حفل الإعلان عن انطلاق مشروع الترميم، عن “سعادته بالمشاركة في هذا المشروع،” مؤكدا أن “إعادة ترميم الذاكرة البصرية العراقية وتحسين الأرشيف السينمائي والسمعي والبصري أمر ضروري.”
وتابع أن “هذا المشروع يمثل نموذجا مهما للشراكة الإستراتيجية بين العراق وفرنسا، حيث يتيح الحفاظ على عناصر أساسية من تاريخ العراق وثقافته،” مشيرا إلى أن “فرنسا ستساهم في ترميم أكثر من 100 فيلم عراقي، وهذه المحفوظات ليست مجرد توثيق للماضي، بل هي مصدر إلهام للمستقبل.”
ونوه السفير بأن “بلاده ستدعم تدريب مسؤولين من وزارة الثقافة والسياحة والآثار وشبكة الإعلام العراقي على تقنيات ترميم الأفلام السينمائية، لتعزيز قدرات العراق في هذا المجال.”
وأردف أن “الشراكة تهدف أيضا إلى تمكين شباب العراق من التعرف على تراثهم الثقافي والتاريخي،” لافتا إلى أن فيلم “سعيد أفندي” قد أُرسل إلى فرنسا لترميمه، استعدادا لمشاركته في مهرجان كان السينمائي للتراث.”
وبدأت السينما في العراق عام 1909، حيث عرضت الأفلام الصامتة على شاشات واسعة بدائية في ساحات مفتوحة حتى فتحت دور عرض للسينما في عشرينات القرن الماضي.
وفي بدايات السينما كانت الأفلام صامتة والمقاطع قصيرة، وبعد ذلك تطورت، حيث ظهرت الأفلام الناطقة، ولم يكن هناك إنتاج عراقي، حتى نهاية الأربعينات حين بدأ إنتاج الأفلام العراقية بالتعاون مع مخرجين مصريين. وفي أربعينات القرن الماضي تم عرض بعض الأفلام المصرية – العراقية المشتركة.
وأنتج أول تلك الأفلام عام 1946، وهو فيلم “ابن الشرق” من إنتاج شركة “أفلام الرشيد” العراقية – المصرية، وكان من إخراج المصري إبراهيم حلمي، ثم بعد عام واحد عُرض فيلم “القاهرة بغداد”، وهو إنتاج عراقي – مصري من كتابة يوسف جوهر وإخراج المصري أحمد بدرخان. وفي عام 1949 قامت شركة “ستوديو بغداد” باستثمار نجاح الفيلمين السابقين عندما أنتجت فيلم “ليلى في العراق” من إخراج المصري أحمد كامل مرسي. ولم يحقق الفيلم أي نجاح ماديّ، حتى أن خسائره تسببت في توقف “ستوديو بغداد” عن الإنتاج السينمائي.
وفي منتصف خمسينات القرن الماضي ظهرت السينما العراقية المستقلة، وانفصل السينمائيون العراقيون للمرة الأولى عن شركائهم المصريين، وتمكنوا من إنتاج عدد من الأفلام المهمة. وكان فيلم “فتنة وحسن” الذي أُنتج في عام 1955 أول فيلم سينمائي عراقي خالص، أخرجه حيدر العمر، وهو من تأليف وسيناريو وحوار عبدالهادي مبارك.
واستمرت وتيرة الإنتاج إلى حدود السبعينات حيث شهدت السينما العراقية مرحلة جديدة قامت خلالها الحكومة العراقية ممثلة في “المؤسسة العامة للسينما والمسرح” بإنتاج العديد من الأفلام المهمة.
ولم تكن السينما بمنأى عما يعيشه العراق من أوضاع سياسية واجتماعية، إنما تأثرت كثيرًا بالأحداث السياسية التي وقعت في تسعينات القرن الماضي، مثلا، بالتزامن مع اندلاع حرب الخليج الثانية وفرض الحصار الاقتصادي على العراق.
ورغم أنها كانت تسير بخطى بطيئة لكنها ثابتة، تدهورت أوضاع الصناعة السينمائية العراقية بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وعانى المخرجون السينمائيون من الإهمال وهاجر الكثير منهم لضعف الإمكانيات المادية. ومن أبرز المعوقات التي واجهتهم ولا تزال تواجه صناع السينما إلى اليوم عدم وجود صالات سينما كافية، بل هناك الكثير من المدن العراقية التي تخلو من أي دار سينما. وأصبحت الأفلام تصنع بجهود فردية قليلة من أجل المهرجانات والمشاركات الخارجية فقط.