أوبك+ يستعجل استعادة حصته العالمية في سوق النفط
أنهى تحالف أوبك+ عمليا التخفيضات الطوعية التي التزمت بها ثماني دول منذ عامين، معلنا الأحد زيادة جديدة في الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يوميا اعتبارا من سبتمبر المقبل.
ويندرج القرار الذي اتخذته ثماني دول تتقدمهم السعودية في إطار إستراتيجية واضحة للتحول من دعم الأسعار إلى استعادة الحصة في الأسواق العالمية، في ظل توازن مستقر بين العرض والطلب العالميين.
وتمثل هذه الزيادة المرحلة الأخيرة من خطة تقليص تدريجي لتخفيضات طوعية بلغت 2.2 مليون برميل نفط يوميا، حيث سبق أن صادق التحالف في اجتماعاته السابقة على استعادة الكمية بالكامل.
ونفّذت الدول الملتزمة بالتخفيضات الطوعية، وهي السعودية وروسيا والإمارات والكويت والعراق والجزائر وكازاخستان وعُمان، زيادات متتالية بوتيرة أسرع من المخطط الأصلي.
وكان الاتفاق يقضي بإضافة 137 ألف برميل شهريا، ليصل الإنتاج إلى 411 ألف برميل يوميا خلال أشهر مايو ويونيو ويوليو، قبل أن يتسارع إلى 548 ألف برميل في أغسطس.
ووفق بيان صادر عن منظمة أوبك الأحد، فإن الزيادة الجديدة في الإنتاج جاءت في ضوء “التوقعات الاقتصادية العالمية المستقرة، والأساسيات الجيدة الحالية للسوق، والتي تنعكس في انخفاض مخزونات النفط.”
وستجتمع الدول الثماني مجدداً في السابع من سبتمبر المقبل لمراجعة وتقييم ظروف السوق.
وتأتي الزيادة الجديدة وسط تحسن في الطلب العالمي وانخفاض المخزونات، ما عزز دوافع أوبك+ للتحرك باتجاه زيادة الإمدادات.
وبحسب وكالة بلومبيرغ يبدو أن الوطأة المالية لقرار أوبك+ المفاجئ بفتح صنابير النفط بدأت تتلاشى في الوقت الراهن، حيث أن الأشهر التالية لإعلان التحالف عن زيادات إضافية في الإمدادات جلبت قدراً من الارتياح.
ومع تعافي أسعار خام برنت إلى 70 دولاراً للبرميل وارتفاع حصص الإنتاج، ارتفعت القيمة الاسمية للإنتاج من 4 أعضاء رئيسيين في أوبك بمنطقة الشرق الأوسط إلى أعلى مستوى لها منذ شهر فبراير الماضي.
وبلغت هذه القيمة في شهر يوليو الماضي نحو 1.4 مليار دولار يومياً، وفقاً لحسابات تستند إلى بيانات شركة ريستاد إنيرجي.
وفي مسعى لرفع الأسعار اتفقت أوبك+ الأوسع، التي تضم أعضاء منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) والدول الحليفة لها بقيادة روسيا، في السنوات الأخيرة على خفض الإنتاج على ثلاث دفعات وصل مجموعها إلى حوالي 6 ملايين برميل يوميا.
ورغم تحسن الطلب الصيفي واستعادة الخام بعض خسائره، لا تزال العقود الآجلة لخام برنت دون 70 دولاراً للبرميل، بانخفاض 6.7 في المئة منذ بداية العام الحالي.
وكانت أسعار النفط تراجعت في أبريل الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، بعد إعلان مفاجئ من التحالف بتسريع وتيرة تقليص التخفيضات، في أعقاب إعلان الرئيس دونالد ترامب عن “يوم التحرير” وفرضه رسوما جمركية على شركاء بلاده التجاريين.
ومع اكتمال إعادة الكمية الكاملة البالغة 2.2 مليون برميل يومياً إلى السوق، يتحول اهتمام السوق حالياً إلى إمدادات أخرى معلقة تبلغ 1.66 مليون برميل يومياً، من المتوقع أن تبقى خارج السوق حتى نهاية 2026.
وترى حليمة كروفت، رئيسة إستراتيجية السلع في آر.بي.سي كابيتال، أنه “مع تلاشي التخفيض الطوعي البالغ 2.2 مليون برميل يومياً، يُتوقع أن يُوقف المنتجون مؤقتاً عمليات إعادة الإنتاج بينما يعيدون تقييم أوضاع السوق والعوامل الاقتصادية الأوسع.”
وحذّرت مؤسسات مالية كبرى، مثل آي.أن.جي وآر.بي.سي، من أن استمرار زيادة المعروض قد يؤدي إلى فائض في السوق بحلول الربع الأخير من العام، ما قد يضغط على الأسعار لتتراجع إلى مستويات عند منتصف الستينات بالدولار الأميركي.
وبحسب خورخي ليون، المحلل في ريستاد والموظف السابق في أمانة أوبك، “بالنسبة لى تحالف أوبك+، فإن بصيص الأمل يلوح في عام 2027، عندما يتباطأ نمو الإمدادات من خارج أوبك أو خارج أوبك+ بوتيرة حادة للغاية.”
لكن شركة وود ماكنزي الاستشارية المتخصصة في شؤون الطاقة تُقدّر في بيانات جديدة أن نمو الإمدادات النفطية من خارج أوبك بقيادة دول مثل البرازيل وكندا وغيانا، سيتراجع بأكثر من 80 في المئة بين العام الحالي و2027، ليقترب من التوقف التام بحلول ذلك العام.
ويؤشر هذا على أن خطوة أوبك+ بإعادة الإمدادات إلى السوق يُرجّح أن تحمل مكاسب مستقبلية للتحالف على المدى الطويل.
وبحسب المحلل لدى بنك يو.بي.أس جيوفاني ستاونوفو، فإن “زيادة الحصص أُخذت في الحسبان إلى حد كبير” إذ يتوقع أن يبقى سعر خام برنت المرجعي العالمي قريبا من مستوياته الحالية البالغة 70 دولارا للبرميل بعد قرار الأحد.
ومنذ أبريل باتت “مجموعة الدول الثماني الراغبة” تركّز بشكل أكبر على استعادة حصصها في السوق بالتزامن مع ثبات الأسعار، في تحوّل لافت في سياساتها بعد سنوات من خفض الإنتاج لرفع الأسعار.
لكن ما زالت الإستراتيجية التي تنوي المجموعة تبنيها بعد اجتماع الأحد غير واضحة. ورجّح المحلل لدى آي.أن.جي وارن باترسن أن تعلّق “مجموعة الدول الثماني الراغبة” “زيادة الإمدادات بعد سبتمبر.
ويرجع محللون صمود الأسعار خصوصا إلى ازدياد الطلب تقليديا خلال الصيف وعلاوات المخاطر الجيوسياسية الكبيرة التي باتت جزءا من الأسعار، خصوصا منذ الحرب الإيرانية – الإسرائيلية التي استمرت 12 يوما.
كما أن الزيادات الفعلية في الإنتاج في الفترة بين مارس ويونيو كانت أقل من الزيادة في الحصص خلال الفترة ذاتها، بحسب ما أفاد به ستاونوفو نقلا عن مصادر في أوبك.
لكن السوق تتّجه نحو “فائض كبير” في إمدادات النفط اعتبارا من أكتوبر المقبل، بحسب باترسن الذي نبّه إلى أن على أوبك+ أن تتوخى الحذر و”ألا تضيف إلى هذا الفائض.”
وأفاد المحلل لدى بي.في.أم تاماس فارغا فرانس برس بأن تحالف “أوبك+ يحاول الموازنة بين استعادة حصته في السوق وعدم التسبب في تهاوي أسعار النفط” الذي من شأنه أن يخفض أرباحه.