صالح أبوعوذل

ما أخس من قديد إلا عسفان

وكالة أنباء حضرموت

"ما أخس من قديد إلا عسفان"، مثلٌ شائع في المملكة العربية السعودية الشقيقة، يُطلق على الأمور التي تنتقل من سيئ إلى أسوأ. تعود قصة المثل إلى شخص شعر بالجوع في منطقة قديد، فتسلل إلى مزرعة لسد جوعه، إلا أن ملاك تلك المزرعة أمسكوا به وانهالوا عليه بالضرب، ثم تركوه فاتجه صوب منطقة عسفان، وهناك كرر المحاولة فتعرض لضرب مبرح. 
هكذا نشأ المثل  "ما أخس من قديد إلا عسفان". شعر السعوديون أن المثل يحمل إساءة لهم، فسارعوا إلى تغييره إلى "ما أحسن من قديد إلا عسفان"، إلا أن المثل الأصلي انتشر انتشار النار في الهشيم، ولم يعد حكرًا على مناطق السعودية، بل أصبح يُضرب به في العديد من البلدان العربية.
ولأن المثل سعودي الأصل، فقد وجد سكان الجنوب أنفسهم يعيشون نفس التجربة المؤلمة التي مر بها ذلك المسكين الذي كان يبـحث عن ما يسد جوعه.
في الجنوب "المحرر"، وقع لنا ما يشبه ما وقع لـ"صاحب قديد وعسفان"، مع ان الجنوب ليس سارقا ولا لصا، وانما يبحث عن حقه المسروق والمنهوب.
في عام 2014م، سيطر الحوثيون في صنعاء على العاصمة اليمنية، ووقّعوا اتفاقًا مع الرئيس عبدربه منصور هادي. 
وبدلًا من ضرب الحوثيين على غرار ما يُفعل بالمدافعين عن "حقهم"، سُمح لهم بالتمدد صوب عدن، ثم أطلقوا شعار "عدن خط أحمر"، فأصبح الحوثيون اليوم هم "الخط" الأحمر بالنسبة لأصحاب الشعار (ذاته).
رغم الحرب والفاتورة الباهظة التي دُفعت "دماءً ودمارًا"، إلا أن الترجمة الحرفية للمثل "ما أخس من قديد إلا عسفان" تحققت بعد 2019، حين كان الجنوب يلملم أوراقه، لانتزاع حقه، جاءت أحداث شبوة، فتعرض الجنوب لـ"ضرب مبرح" في عهد "قديد"، أي إدارة الرئيس عبدربه منصور هادي. 
وحين انتقل الجنوب من مرحلة "قديد" إلى مرحلة "عسفان"، جاء ما هو أخس من ذلك.
فإذا كان الضرب في عهد هادي لم يكن "مبرحًا" بما فيه الكفاية، فإن في عهد "العليمي" كان أشد إيلامًا، ليس فقط بسبب الحروب الخدمية والمعيشية، بل لأن العليمي جاء من خارج التاريخ والجغرافيا، ولا يُعرف عنه إلا حدثان سيئان، الأول تبريره لقتل النساء والأطفال في مجزرة المعجلة الشهيرة في أبين (2009)، والثاني دوره في إحداثيات غارة "الصالة الكبرى" في صنعاء (2016).
بخلاف ذلك، لا يُعرف له أي إنجاز. 
كان الرئيس الراحل علي عبدالله صالح يصفه بـ"صاحب الإحداثيات الخاطئة"، بل أكد أنه سعى لتوريط السعودية أكثر من خدمتها في مواجهة إيران. حالة الجنوب مع رشاد العليمي، "كأنك تأتي بشخص من العراق وتطلب منه أن يرأس مجلس قيادة رئاسي في الكويت مثلًا (مع احترامي وتقديري لشعبي الدولتين الشقيقتين)، فهل ما قام به السعوديون يدخل العقل؟".
ندرك أن إزاحة هادي جاءت لأنه لم يكن مطيعًا بما فيه الكفاية، أما "الآخر" فأعتقد أنه لا يذهب إلى "دورة المياه" إلا بعد أن يستأذن (...). وقد يظل يلتوي كأفعى تُهشم رأسها إذا تأخر التصريح عنه.
قد تستمر الأزمات في بلادنا طالما لا يوجد اتفاق مع الحوثيين، وطالما لا يوجد رضوخ كامل.
لكن ما تعانيه مدن الجنوب يُعد من أبشع الحروب التي تُشن: حروب تستهدف الإنسان في قوت يومه، وهي حروب قذرة. فإذا كانت للحرب مكاسب، فهناك من يصر على سلب الجنوب مكاسبه بالضغط عليه لتقديم تنازلات، وكأن هذا البلد مُحكوم عليه أن يقدم التضحيات، ويكون ساحة حرب بالوكالة (بين الرياض وطهران)، ثم يدفع فاتورة السلام الهش، كما دفع فاتورة حرب انتهت فعليًا من قبل أصحابها في مارس 2023م، برعاية "صينية".
للخروج من هذه الأزمات، يجب أن يبدأ الحل بالحديث بصراحة مع السعوديين، فمن غير المقبول أن تُستخدم معيشة الناس ضمن الصراع والضغوط السياسية. 
هل يعقل أن يعيش الناس جل وقتهم في انتظار عودة التيار الكهربائي لأربع ساعات يوميًا؟
كان بإمكان السعوديين، الذين تسلموا ملف عدن في أكتوبر 2019، أن يأتوا بمحطة كهربائية على متن سفينة إلى ميناء عدن لتزويد السكان بالتيار الكهربائي، لكن ذلك لم يحدث. كما لم تحدث إعادة الإعمار. كل ما حدث هو تغيير اسم "البرنامج السعودي لإعادة إعمار اليمن" إلى "البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن"، وهو ما يعني الهروب من المسؤولية. فـ"إعادة الإعمار" تعني تحمل مسؤولية إعادة بناء مدن دُمرت بفعل الحرب، أما "التنمية" فالواقع لا يعكس ما يُنشر في وسائل الإعلام.
والله من وراء القصد

مقالات الكاتب