«الجهل الاستراتيجي!» أم فشل سياسة إشعال الحروب وتصدير الإرهاب؟

«الجهل الاستراتيجي!» أم فشل سياسة إشعال الحروب وتصدير الإرهاب؟

يُعد النظام الإيراني أو بتعبير أدق “الولي الفقيه“، مثالاً كاملاً على حكومة أصولية فاشلة ومنبوذة؛ سلطة قامت منذ أيامها الأولى، بدلاً من تحقيق رفاهية الشعب وتقدمه، بتبديد الثروات الوطنية في مشروع كان الركيزة الأساسية لبقائها: إشعال الحروب وتصدير الإرهاب

«الجهل الاستراتيجي!» أم فشل سياسة إشعال الحروب وتصدير الإرهاب؟

حفظ الصورة
مهدي عقبائي
وکالة الانباء حضر موت

بقلم مهدي عقبایي 

«الجهل الاستراتيجي!» أم فشل سياسة إشعال الحروب وتصدير الإرهاب؟

يُعد النظام الإيراني أو بتعبير أدق “الولي الفقيه“، مثالاً كاملاً على حكومة أصولية فاشلة ومنبوذة؛ سلطة قامت منذ أيامها الأولى، بدلاً من تحقيق رفاهية الشعب وتقدمه، بتبديد الثروات الوطنية في مشروع كان الركيزة الأساسية لبقائها: إشعال الحروب وتصدير الإرهاب. هذه هي الطريقة ذاتها التي وصفها “جوزيف غوبلز”، وزير دعاية هتلر، كشرط لبقاء الديكتاتوريات: إيجاد أو اختلاق عدو دائم، وإبقاء أجواء الحرب مشتعلة، وحرف الرأي العام عن المشاكل الحقيقية.

كان خميني يصف الحرب صراحة بأنها “نعمة!”، واعترف قادة حرس النظام الإيراني الأوائل لاحقاً بأنه لولا الحرب التي دامت ثماني سنوات مع العراق، لما تمكنت “الثورة الإسلامية” من البقاء. وبحسب جواد منصوري، أول قائد للحرس، “بالحرب تمكنا من قمع أعداء الثورة في الداخل”. منذ ذلك الحين، تحولت الحرب والأزمة الخارجية إلى أداة لترسيخ الهيمنة الداخلية.

حرس النظام الإيراني: ذراع تصدير الأزمات

لعب حرس النظام الإيراني، المحور الرئيسي لهذه الاستراتيجية، دوراً محورياً بعد الحرب العراقية الإيرانية في إشعال أو إدامة الحروب والأزمات الإقليمية: العراق بعد ٢٠٠٣، وسوريا منذ ٢٠١١، واليمن منذ ٢٠١٥، وكذلك لبنان. إن إحصاءات ضحايا هذه الحروب (مئات الآلاف من القتلى وملايين المشردين) لا يمكن مقارنتها بعد الحرب العالمية الثانية إلا بجرائم فاشية هتلر.

إلى جانب الاحتلال السري والعلني لأربع دول، أنشأت هذه القوة القمعية شبكات ميليشياوية وإرهابية في ما لا يقل عن عشر دول أخرى في المنطقة، من تفجير مقر المارينز الأمريكي في بيروت وتفجير الخُبَر في السعودية، إلى عمليات في الأرجنتين وألمانيا وكينيا وآسيا.
 

الصواريخ والمسيرات وتصدير الحرب

لم يكن الإنتاج الضخم للصواريخ والطائرات المسيرة بهدف الدفاع الوطني، بل تم اتباعه كأداة لتصدير الأزمات. أرسل حرس النظام الإيراني هذه الأسلحة إلى لبنان واليمن والعراق وفلسطين، حتى أنه أنشأ مصانع للصواريخ في سوريا ولبنان. هذه السياسة، حولت إيران عملياً إلى برميل بارود الشرق الأوسط.

الاعتراف بفشل سياسة تصدير الإرهاب

تُعد تصريحات يد الله إسلامي، الصحفي والنائب السابق في البرلمان، في مقال بعنوان “الجهل الاستراتيجي” في صحيفة “ستاره صبح” (١٠ أغسطس ٢٠٢٥)، اعترافاً صريحاً بفشل هذه الاستراتيجية. يكتب بوضوح أن السياسات العليا للنظام بنيت على الغفلة والفهم الخاطئ للحقائق العالمية؛ وأن مسؤولي البلاد، بقرارات مثل الهجوم على السفارات، وإقرار قوانين مناهضة للاتفاق النووي، وتحويل مسار المفاوضات من مباشرة إلى غير مباشرة، قد دفعوا البلاد عملياً إلى العزلة.
 

يعترف إسلامي بأن النظام قد فشل حتى على الساحة الأمنية، قائلاً إن إسرائيل نظمت نفوذها وجواسيسها لدرجة أن “المسؤولين العسكريين فقدوا حياتهم في اللحظات الأولى”. هذه المفاجأة لنظام يدعي “الاقتدار”، كانت حسب قوله، نتيجة “غفلة طويلة وجهل استراتيجي”، لعب فيه القادة الحاليون، بمن فيهم قاليباف، دوراً في تشكيله.

انعدام مصداقية ما يسمى بمحور “المقاومة”

من النقاط الجديرة بالاهتمام أن هذا الصحفي والكاتب يؤكد أن الإدانة العالمية للحرب في غزة لا تعني دعماً لنظام الولي الفقيه. بعبارة أخرى، لا يمكن للحكومة أن تستغل هذا الوضع لمصلحتها. هذه الجمل هي اعتراف يبطل مصداقية شعارات “دعم فلسطين” التي استمرت عقوداً، ويُظهر أنه حتى بعض الشخصيات المرتبطة بالهيكل السابق قد أدركت أن ما يسمى بسياسة “محور المقاومة” لم تكن سوى أداة دعائية للتستر على القمع والفساد الداخلي. هذا هو بالضبط ما أكدت عليه منظمة مجاهدي خلق الإيرانية والمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية منذ اليوم الأول.

ضياع المكانة الإقليمية

يشير إسلامي أيضاً إلى الفرص الضائعة الكارثية للنظام على الساحة الإقليمية ويقول: من بينها أزمة أرمينيا وأذربيجان، حيث كان بإمكان إيران أن تلعب دوراً مؤثراً، لكنها بـ “الجهل الاستراتيجي” تنازلت عن هذه الساحة للمنافسين الدوليين.

“الجهل الاستراتيجي تسبب في تسليم الساحة لأمريكا، والآن أصبح ممر زنغزور ممر ترامب. الجهل الاستراتيجي يضحي بمصالح إيران فداءً لمصالح الآخرين. ومن أجل فلسطين، التي هي قضية عبرية-عربية وغربية، يجر أرض إيران إلى الخراب.” (المصدر نفسه)

فشل سياسة تصدير الإرهاب والأزمات

ما يسميه الصحفي والكاتب المرتبط بزمرة الإصلاحيين المزيفين “الجهل الاستراتيجي!”، هو في الواقع الفشل الكامل لاستراتيجية تصدير الإرهاب وإشعال الحروب التي كانت أساس بقاء النظام لأربعة عقود. قد يكون تصدير الإرهاب والأزمات قد مكّن نظام الولي الفقيه على المدى القصير من قمع المعارضين الداخليين بشعارات “المقاومة” و”اختلاق الأعداء”، لكنه على المدى الطويل لم يترك سوى العزلة الدولية، والتآكل الاقتصادي، والفشل التام أمام الرأي العام العالمي.

لم تتمكن الفاشية الدينية، على الرغم من إنفاق مئات المليارات من الدولارات من أموال الشعب، من بناء مكانة مستقرة لنفسها في المنطقة أو العالم. “الجهل الاستراتيجي” ليس خطأً عابراً، بل هو جوهر هيكل استبدادي وأصولي يحتاج إلى الحرب واختلاق الأعداء من أجل البقاء؛ وفشل هذه السياسة هو فشل للنظام بأكمله.