مافيا الحجب في إيران… حين تتحوّل الرقابة إلى تجارة سوداء
تكشف الفضائح المتتالية حول «الإنترنت الطبقي» و«شرائح الاتصال البيضاء» المخصّصة للمقرّبين من الأجهزة الأمنية في إيران، أن ما يظهر للعلن ليس إلا جزءاً صغيراً من الحقيقة. فخلف ستار الرقابة المشددة، تتشكّل مافيا ضخمة تُدير تجارة سوداء تُقدّر بعشرات آلاف المليارات من التومانات، تتغذّى عليها مؤسسات أمنية ومالية ترتبط مباشرة بالقوات الحرس ومؤسسة «المستضعفين».
هذه المافيا لا تكتفي بفرض الحجب الصارم على الفضاء الافتراضي، بل تتولّى في الوقت نفسه ضخّ برامج كسر الحجب في السوق وتحصيل أرباح خيالية منها. المفارقة أن أجهزة الدولة التي تفرض الجدار الحديدي للرقابة، هي ذاتها التي تبيع مفاتيح تجاوزه.
ووسائل الإعلام الحكومية ـ رغم خضوعها للرقابة نفسها ـ باتت تعترف بأن وراء «الأبارتايد الإلكتروني» مصالح مالية هائلة لا يمكن تجاهلها.
خلال الأسابيع الأخيرة، كشفت تقارير حكومية “بعشرات آلاف المليارات من التومانات” لشبكات بيع برامج كسر الحجب. بل إن مسؤولين سابقين في النظام الإيراني أكّدوا أن الجهات المستفيدة معروفة، وأن معظم الشركات العاملة في هذا المجال تمتلك صلات مباشرة بمؤسسة «المستضعفين» وقوات الحرس، عبر شركات مثل «تجارت إلكترونيك كارا قشم» وغيرها من الكيانات المسجّلة في المناطق الحرة.
أرقام فلكية جرى تداولها خلال الأعوام الماضية:
20 ألف مليار تومان كحجم رسمي معلن لهذه التجارة العام الماضي، مقابل تقديرات تصل إلى 100 ألف مليار تومان في الواقع.
بل إن أعضاء في البرلمان الإيراني تحدثوا عن “أكثر من 50 ألف مليار تومان سنوياً” دون دفع أي ضرائب، محذّرين من نفوذ «تجّار الحجب» داخل مؤسسات الدولة نفسها.
هذا التضارب الفاضح ـ بين التشديد الأمني وبيع أدوات الاختراق ـ يكشف نموذجاً واضحاً لاقتصاد مافيوي يتغذّى على القمع. فالحجب لم يعد وسيلة رقابية فحسب، بل تحول إلى مصدر دخل أساسي لتكتلات نافذة ذات طابع أمني وسياسي.
الرقابة في إيران، إذن، ليست قراراً تقنياً أو سياسياً عابراً. إنها منظومة مصالح متشابكة يتداخل فيها الأمن بالاقتصاد، وتستحيل معها أي وعود رسمية حول «رفع الحجب» أو «توسيع الحريات الرقمية» مجرّد شعارات للاستهلاك.
والحقيقة أن كسر قبضة هذه المنظومة لا يمكن أن يتحقق في ظل استمرار السلطة القائمة، التي حولت الإنترنت إلى ساحة قمع وجباية، وأبقت المواطن الإيراني أسيراً بين جدار الرقابة الرسمية وسوق سوداء فتحت أبوابها بإشراف تلك الرقابة نفسها.