من المدار إلى الميدان.. الثورة اللوجستية القادمة في ساحات القتال

وكالة أنباء حضرموت

في تطور يبدو وكأنه مقتطف من أفلام الخيال العلمي، تعمل شركة "إنفرجن سبيس" الأمريكية الناشئة على تطوير نظام لوجستي ثوري قادر على نقل الإمدادات العسكرية من الفضاء إلى أي نقطة على الأرض في غضون ساعة واحدة فقط.

يأتي هذا المشروع، حسب موقع "تايم وور زون"، في إطار سعي البنتاغون إلى إيجاد وسائل جديدة وسريعة لإيصال الإمدادات الحيوية إلى الوحدات القتالية المنتشرة في مناطق يصعب الوصول إليها، دون الحاجة إلى قواعد قريبة أو دعم جوي مباشر.

يتمثل الابتكار في كبسولة فضائية صغيرة أُطلقت عليها تسمية "آرك"، مصممة خصيصًا لنقل الإمدادات الحيوية إلى الوحدات القتالية في المناطق ذات الصعوبة اللوجستية. ويعتمد المشروع، وفقًا لتقارير متخصصة، على رؤية البنتاغون لإيجاد حلول لوجستية تتجاوز القيود الجغرافية والتقليدية

تبدأ الرحلة بإطلاق الكبسولة إلى مدار أرضي منخفض، محملة ببضائع صغيرة الحجم لكنها عالية الأهمية مثل الذخائر والمعدات الطبية. وعند الطلب، تقوم الكبسولة بمناورة دقيقة للعودة إلى الغلاف الجوي بسرعات عالية، مستخدمة نظام توجيه متطورًا يعتمد على زعانف تحكم ذكية.

وفي المرحلة الأخيرة، تبطئ الكبسولة سرعتها عبر مظلة ذكية قابلة للتوجيه، تضمن هبوطًا دقيقًا ضمن دائرة نصف قطرها 15 مترًا من الهدف المحدد، مع إمكانية إعادة استخدام الكبسولة في مهمات لاحقة.

جذور الفكرة وتطورها
تعود جذور هذه التقنية إلى عام 2020، عندما طرح الجنرال ستيفن ليونز، قائد قيادة النقل الأمريكية، رؤية طموحة لنقل حمولة طائرة نقل استراتيجية إلى أي مكان في العالم خلال ساعة. وقد تطورت هذه الرؤية عبر شراكات مع شركات رائدة في مجال الفضاء، لتصبح اليوم حقيقة قابلة للتطبيق.

مواصفات تقنية متطورة
تبلغ أبعاد الكبسولة 2.5 متر في الطول و1.2 متر في العرض، مع قدرة استيعابية تصل إلى 225 كغم. ورغم محدودية الحمولة مقارنة بالطائرات التقليدية، إلا أن الشركة تؤكد أن معظم الاحتياجات الحرجة في الميدان يمكن تلبيتها بقطع لا يتجاوز وزنها 20 كغم.

أهمية استراتيجية في السيناريوهات المستقبلية

تكتسب هذه التقنية أهمية خاصة في ظل التحديات اللوجستية المتوقعة في مناطق مثل المحيطين الهادئ والهندي، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز قدراتها في مسارح عمليات محتملة.

وفي حال تمكّنت واشنطن من وضع عدد من كبسولات "آرك" في المدار مسبقًا، يمكن استدعاؤها في أي لحظة لتوصيل الذخائر أو الإمدادات إلى قواتها أو حلفائها المنتشرة في الجزر النائية أو الأراضي المتنازع عليها.

ونظرا لقدرة كل كبسولة على البقاء في المدار لمدة تصل إلى خمس سنوات، فإن الفكرة تشبه إنشاء "كوكبة إمداد فضائية" جاهزة للاستخدام عند الطوارئ.

وقد أجرت الشركة سلسلة من الاختبارات الدقيقة لأنظمة الهبوط الموجه، وتخطط لإطلاق المهمة التجريبية الكاملة في العام المقبل. وتبنى المشروع على الخبرات المتراكمة من تطوير مركبة "راي" الاختبارية التي أُطلقت سابقًا ضمن بعثة فضائية.

آفاق مستقبلية واسعة
ورغم تركيز التطوير الحالي على التطبيقات العسكرية، تلوح في الأفق إمكانيات واسعة للاستخدام المدني، وخاصة في مجال الإغاثة الإنسانية والاستجابة للكوارث. ورغم التحديات المتعلقة بالتكلفة، فإن إعادة الاستخدام المتكرر للكبسولات قد يجعل النظام مجديًا اقتصاديًا مع مرور الوقت.

يُعتبر هذا المشروع خطوة نحو إعادة تعريف مفاهيم النقل اللوجستي، حيث قد يصبح "التوصيل من الفضاء" أداة حاسمة في الحروب المستقبلية والعمليات الإنسانية على حد سواء، مجسدًا تقاربًا متزايدًا بين تكنولوجيا الفضاء والحاجات الأرضية الملحة.