مواجهات عسكرية بين الجيش السوري وقسد تنذر بتقويض اتفاق الدمج
أحبط الجيش السوري فجر اليوم الأربعاء محاولة تسلل لمجموعة تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف الرقة الشرقي، مما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوفها.
ويأتي هذا التصعيد الأخير في سياق توترات متزايدة بين الطرفين في شمال وشرق سوريا، ويُسلّط الضوء على هشاشة الأوضاع الأمنية رغم توقيع اتفاقات سابقة.
وذكرت قناة "الإخبارية" أن الجيش العربي السوري تصدى لمحاولة تسلل نفذها عناصر من قوات سوريا الديمقراطية 'قسد' عبر نهر الفرات في منطقة المغلة بريف الرقة الشرقي".
وأكدت المصادر أن الاشتباكات أسفرت عن "سقوط عدد من عناصر قسد بين قتيل وجريح".
وتناقلت منصات التواصل الاجتماعي فيديوهات توثق الاشتباكات ووصول تعزيزات للجيش السوري.
وهذا الحادث ليس الأول من نوعه، فقبل أيام قليلة، وبالتحديد يوم الأحد، ذكرت وكالة "سانا" الرسمية أن الجيش السوري نصب كمينا محكما لمجموعة من "قسد" حاولت التسلل إلى نقاطه في قرية تل ماعز شرق حلب، مما أوقع أفرادها في الفخ.
ونقلت في حينه عن مصدر حكومي لم تسمه، قوله إن "عناصر آخرين لقسد يتمركزون في قرية أم تينة، ومدينة دير حافر، بريف حلب، استهدفوا نقاط الجيش بـ(منطقة) تل ماعز، في محاولة لسحب عناصرهم الذين وقعوا بالكمين".
وأوضح المصدر أن "الاشتباك الأولي كان بالأسلحة الخفيفة، ومع استمرار القصف من جهة عناصر قسد، تم الرد على مصادر النيران بالسلاح الثقيل، واستقدام مجموعات مؤازرة لنقاط الجيش في تل ماعز".
ونفت "قسد" وقوع الاشتباكات وأكدت في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك أن هذه “المزاعم مختلقة بالكامل، ومجرد تضليل إعلامي".
وأشار البيان إلى أن قوات سوريا الديمقراطية لم تنفذ أي هجوم، ولم تدخل في أي اشتباك خلال الأيام الماضية، موضحا أن “ما جرى لا يعدو كونه مشكلات داخلية مكررة على النفوذ بين بعض الفصائل التابعة لحكومة دمشق نفسها، جرى تضخيمها وتحويرها إعلاميًا لتصويرها على أنها اشتباكات مع قواتنا".
وتتجاوز التوترات الاشتباكات الميدانية لتشمل محاولات تهريب الأسلحة، فقد أعلنت وزارة الداخلية السورية الثلاثاء عن ضبط شحنة أسلحة وذخائر متنوعة في ريف دمشق، كانت معدة للتهريب إلى مناطق سيطرة "قسد".
وقالت في بيان "نفذت قيادة الأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق كمينا محكما، تمكنت خلاله من ضبط ومصادرة شحنة أسلحة وذخائر متنوعة تضمنت قواذف آر بي جي وأسلحة متوسطة وخفيفة، كانت معدة للتهريب إلى مناطق سيطرة قسد، إضافة إلى القبض على السائق".
وأضافت أن "الجهات المختصة باشرت تحقيقاتها لكشف جميع المتورطين، تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم".
وأكدت الوزارة "جاهزية الأجهزة الأمنية في التصدي لمحاولات زعزعة الاستقرار، ومواصلة العمل لحماية المواطنين والحفاظ على سيادة الدولة".
ويثير هذا الكشف تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين "قسد" وجهات داخلية وخارجية تسعى لزعزعة استقرار البلاد، ويؤكد المخاوف الحكومية بشأن استمرار التوترات.
وتأتي هذه التطورات في ظل تصاعد التوترات بين الجيش السوري و"قسد" في عدة مناطق شمال وشرق البلاد، وسط حالة من الترقب الشعبي والأمني لتداعيات التصعيد.
وتعود هذه التوترات إلى التحديات الكبيرة التي تواجه تطبيق الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي في 10 مارس الماضي، الذي نص الاتفاق على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة، بما في ذلك المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية. كما شمل الاتفاق دمج القوات عسكريا وإداريا في الجيش السوري.
لكن تطبيق هذا الاتفاق يواجه صعوبات جمة بسبب التباينات بين الطرفين، حيث ترفض قوات سوريا الديمقراطية حل نفسها وتسليم المناطق التي تسيطر عليها دون الحصول على ضمانات واضحة لحقوقها، وهو ما تراه دمشق غير واقعي.
وتواصل وزارة الدفاع السورية التأكيد على ضرورة التزام "قسد" بالاتفاقات الموقعة والتوقف عن عمليات التسلل والقصف والاستفزاز، محذرةً من "عواقب جديدة" في حال استمرار هذه الأفعال.
ويزيد من تعقيد المشهد الأمني وجود تنظيم "الدولة الإسلامية"، الذي لا يزال يشكل تهديداً في بعض المناطق. ففي الوقت الذي تدور فيه اشتباكات بين "قسد" والجيش السوري، أعلنت "قسد" أنها تصدت لهجوم انتحاري نفذته خلية يشتبه بانتمائها للتنظيم في الريف الشمالي لمدينة الرقة.
وقد أسفر الهجوم عن إصابة ثلاثة من عناصر "قسد" بجروح. هذا التطور يوضح أن المنطقة تواجه تحديات أمنية متعددة الأوجه، تتطلب تضافر الجهود بدلاً من التصعيد بين الأطراف.
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، تبذل الحكومة السورية الجديدة جهوداً حثيثة لضبط الأمن وإعادة الاستقرار في البلاد. لكن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، من أبرزها التوترات مع "قسد" التي تسيطر على مناطق حيوية في شمال وشرق سوريا.
وعلى الرغم من اتفاق 10 مارس الذي كان من المفترض أن يحل العديد من هذه القضايا، فإن الأحداث الأخيرة تؤكد أن الطريق إلى الاستقرار الشامل لا يزال طويلا ومليئا بالعقبات، وأن النزاعات الداخلية قد تعيق جهود إعادة بناء الدولة الموحدة.
وتؤكد هذه الأحداث أن المسار نحو الاستقرار في سوريا لا يزال معقدا، وأن التوترات بين الجيش السوري و"قسد" تمثل تحديا رئيسيا أمام جهود توحيد البلاد وضمان وحدة الأراضي السورية.