سلام بأسلوب ترامب: واشنطن تتحرك لجمع البرهان وحميدتي في سويسرا
تبحث الولايات المتحدة عن وسيلة لإخراج الأزمة في السودان من جمودها، وجربت التحرك بشكل جماعي ولم تتمكن من تحقيق اختراق إيجابي، والآن تتحرك بشكل فردي لتجنب أيّ تأثيرات متباينة لقوى لديها علاقات مع الطرفين المتصارعين، قوات الجيش والدعم السريع، ما يفسر لقاء المبعوث الأميركي لأفريقيا والشرق الأوسط مسعد بولس قائد الجيش عبدالفتاح البرهان في سويسرا، كما أن هناك لقاء منتظرا مع محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد الدعم السريع.
وتستمد واشنطن عزمها على ترتيب لقاء بين البرهان وحميدتي من مقاربة شخصية للرئيس دونالد ترامب، الذي يعتقد أن بمقدوره النجاح بأسلوبه الخاص في رعاية اتفاق سلام سوداني – سوداني كما حصل مع أرمينيا وأذربيجان، والهند وباكستان، وكذلك تحركه للتوصل إلى سلام بين روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل وحماس.
وحاولت واشنطن والخرطوم أن يكون الاجتماع بين البرهان وبولس سريا إلى حين استكشاف أبعاده، لكن أطرافا أرادت الإيحاء بأن الأزمة في السودان تنتقل إلى مربع إيجابي، سربت معلومات حوله، وأخرى سعت إلى التشويش عليه، فسربت بدورها معلومات مضادة.
واشنطن تتحرك بشكل فردي لتجنب أي تأثيرات متباينة لقوى لديها علاقات مع الطرفين المتصارعين، الجيش والدعم السريع
وكشفت تقارير محلية، الأربعاء، عن وصول وفد من الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى سويسرا، لإجراء مشاورات مع مسعد بولس أيضا.
وأكد المبعوث الأميركي على منصة إكس حرص بلاده على بناء علاقات مباشرة مع السودان، وأهمية التحول الديمقراطي بقيادة مدنية، وإطلاق عملية شاملة تضم جميع الأطراف المدنية، ورغبة واشنطن استعادة التعاون مع السودان في ملف مكافحة الإرهاب وتعزيز الأمن الإقليمي في منطقة البحر الأحمر.
وذكرت تقارير سودانية أن اللقاء استغرق ثلاث ساعات، يوم الاثنين، وتم بحث مقترح أميركي لوقف إطلاق نار شامل في السودان، وإيصال المساعدات الإنسانية.
ويشير تعليق مسعد بولس على منصة إكس حول اجتماعه مع البرهان إلى أن الإدارة الأميركية قررت المضي قدما في البحث عن تسوية بطريقتها، خوفا من أن تعرقل انقسامات بعض القوى الإقليمية رؤيتها، فهناك من يتبنون رؤية الجيش، ومن يدعمون توجهات الدعم السريع، وهو ما انعكس على عدم التئام اجتماع واشنطن.
وكانت للولايات المتحدة محاولة لجمع دول اللجنة الرباعية، التي ينظر إليها على أنها الأكثر تأثيرا لدى الطرفين، وتتكون من السعودية ومصر والإمارات إلى جانب الولايات المتحدة، إلا أنها أخفقت، بسبب خلاف حول دور الجيش في أيّ عملية سلام محتملة، وتأجل اجتماع كان مقررا في واشنطن قبيل نهاية يوليو الماضي، إلى أجل غير مسمّى.
وثمة تباين داخلي حيال طبيعة دور قوات الدعم السريع، فالبرهان يرى أن لا دور سياسيا لها، بينما ترى قوى مدنية ضرورة أن يكون الحل شاملا، ويحوي جميع الأطياف السودانية، بما فيها الدعم السريع وقيادتها.
وتمثل هذه المسألة نقطة خلاف جوهرية بين الطرفين المتصارعين وقوى محلية وإقليمية ودولية عدة، وأدت إلى تعثر مفاوضات رعتها الولايات المتحدة في جنيف منذ نحو عام، وحالت دون التئام اجتماع واشنطن أخيرا.
وتحاول الولايات المتحدة إيجاد حل لهذه المشكلة، التي زادت حدتها عقب استعادة قوات الجيش السيطرة على الخرطوم، وانتقال المعارك إلى شمال دارفور وكردفان، وإعلان تحالف “تأسيس” وتقوده الدعم السريع عن تشكيل حكومة موازية، مقرها في نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، بما أوجد استقطابا سياسيا كبيرا، وعزز الحديث عن إمكانية تقسيم السودان.
ورحّب تحالف “صمود” بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك بمبادرة الولايات المتحدة لوقف الحرب في السودان، مثمّنا في بيان رسمي اللقاء الذي جرى بين البرهان ومسعد بولس، كخطوة مهمة نحو إطلاق عملية سياسية جادة، داعيًا للعمل على عقد لقاء مباشر بين البرهان وحميدتي في أقرب وقت ممكن.
ونقل موقع “سودان تربيون” عن مصادر أميركية قولها “من خلال قنوات دبلوماسية متعددة، نواصل التواصل مع الأطراف وممثليهم. لن أخوض في تفاصيل تلك المحادثات.. نحن ملتزمون بدعم الحوار الذي يؤدي إلى السلام“.
واشنطن تستمد عزمها على ترتيب اللقاء من مقاربة شخصية للرئيس ترامب، الذي يعتقد أن بمقدوره النجاح بأسلوبه الخاص في رعاية اتفاق سلام سوداني – سوداني
ويأتي توجه الولايات المتحدة نحو إجراء محادثات مع جهات سودانية رئيسية ضمن محاولات إدارة الرئيس ترامب تهدئة بعض الأزمات الإقليمية والدولية، ولا يقتصر الاهتمام على أزمة بعينها، حيث يتوزع الاهتمام على أزمات تنتشر في قارات مختلفة، وجزء منه دعائي خاص بصورة ذهنية يريد الرئيس ترامب ترويجها، قد تمكنه من نيل جائزة نوبل للسلام، ولا يعبّر بالضرورة عن رغبة لتحقيق السلام فعلا.
ويقول مراقبون إن الأزمة في السودان معقدة، ولن تستطيع الولايات المتحدة تفكيكها بسهولة، وتتداخل فيها أطراف محلية مع أخرى خارجية، ما يستلزم مقاربة متكاملة ترضي كل الجبهات، وهي عملية صعبة، فقد جربت واشنطن سياسة العصا من خلال فرض عقوبات على قيادات في الجيش والدعم السريع ولم تساعد في الضغط عليهم وتليين مواقفهم، كما أن معالم الجزرة غير واضحة حتى الآن.
ويضيف هؤلاء المراقبون أن الولايات المتحدة قد تقدم مقاربة سياسية، لكن لا تملك ضمانات لتنفيذها على الأرض، لأنها تفتقر إلى الإرادة، وسوف تجد عراقيل من قوى إقليمية إذا جاءت مقاربتها على غير هوى تلك القوى.
وتشير التحركات الأميركية إلى بزوغ عملية سياسية، وهذا لا يعني توافر ضمانات للنجاح، لكنها تملأ فراغا في المشهد السوداني، في ظل خمول عام في المبادرات، وخلافات لا تسمح بالبناء على أيّ مبادرة قديمة، وكأن هناك حالة من الاستسلام، أو انتظار ما تتمخض عنه الحرب الفاصلة بين قوات الجيش والدعم السريع في الفاشر، عاصمة إقليم شمال دارفور، والتي شهدت أخيرا معارك ضارية.
ويؤكد احتدام المعارك في الفاشر وكردفان أن أي مقاربة أميركية عليها أن توقف الحرب أولا، قبل أن تتحول اجتماعات مسعد بولس مع قوى سودانية في سويسرا أو غيرها إلى دعاية صاخبة للرئيس ترامب وإدارته، ولا تبارح الأزمة مكانها، أو ترى بصيصا من أمل يفضي إلى تسويتها سياسيا.