القاعدة، الحوثيون، والشباب: تحالف انتهازي يهدد الأمن الإقليمي
رغم التباين الأيديولوجي بين الحوثيين الشيعة المدعومين من إيران وحركتي الشباب وداعش السنيتين، تتقاطع مصالح هذه الجماعات عند نقطة مركزية: التكتيك العسكري المشترك وتبادل التكنولوجيا والتغلب على الحصار الأمني المفروض عليها.
وتحوّل خليج عدن إلى ممر إستراتيجي لتهريب المسيَّرات والصواريخ، بما يهدد الأمن الإقليمي، خاصة بعد أن بدأت المسيَّرات الحوثية في الوصول إلى الجماعات الصومالية الإرهابية.
ومع استخدام هذه المسيَّرات فعليًا في هجمات على قوات بونتلاند، ومع ثبوت تنقل عناصر من الشباب للتدريب في اليمن، تتأكد طبيعة التحالف المصلحي الجديد بين هذه التنظيمات، وهو تحالف يسمح لإيران ببسط نفوذها على البحر الأحمر من جهة، ويمنح الجماعات الصومالية أدوات قتالية جديدة في معاركها الممتدة مع الحكومة الصومالية وحلفائها.
ويعيد هذا التحالف بعث دور تنظيم القاعدة في جزيرة العرب كلاعب وسيط في تمرير الدعم والتقنيات، ما يبرز الحاجة لإعادة النظر في المقاربات الأمنية الحالية، التي تُغفِل كثيرًا من هذا التشابك العابر للحدود.
واعتمد هذ التحالف، رغم اختلافاته الأيديولوجية، صيغة تنسيق تكتيكي قائم على المصالح المشتركة والتبادل التقني.
التحالف رغم اختلافاته الأيديولوجية اعتمد صيغة تنسيق تكتيكي قائم على المصالح المشتركة والتبادل التقني
وهو أمر يُعيد رسم قواعد الاشتباك في القرن الأفريقي ويضع المنطقة أمام واقع جديد، حيث المسيّرات وصواريخ أرض-جو أصبحت أدوات حرب غير تقليدية وفعالة في أيدي جماعات غير حكومية.
ويحذّر الخبراء من أن تجاهل هذا التحول في بنية العلاقات بين الجماعات المسلحة قد يجعل منطقة شرق أفريقيا منطلقًا لصراعات إقليمية بالوكالة، تتحكم فيها طهران عبر أذرعها غير التقليدية، في وقت يشهد فيه العالم تحوّلًا لافتًا في استخدام الطائرات المسيَّرة كأسلحة منخفضة التكلفة وعالية التأثير في الحروب غير النظامية.
ويرى الدكتور إبراهيم جلال، المحلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن “التحالف التكتيكي بين الحوثيين والجماعات الإرهابية في الصومال يغير قواعد الاشتباك في القرن الأفريقي بشكل جذري، إذ تتيح المسيَّرات المسلحة وصول الجماعات غير الحكومية إلى أسلحة متطورة كانت حكراً على الجيوش التقليدية سابقًا. هذا التحول يستوجب من دول المنطقة إعادة تقييم إستراتيجيات الدفاع الجوي والتنسيق الأمني الإقليمي.”
وتُظهر التقارير الأمنية أن الحوثيين لا يكتفون بنقل الأسلحة فقط، بل يعملون على تدريب عناصر من حركة الشباب على استخدام هذه التقنيات، فيما يقوم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بدور الوسيط اللوجستي، موفرًا شبكة اتصالات وطرق تهريب تمر بين اليمن والصومال، مما يعيد إحياء دوره كلاعب محوري في دعم الجماعات المسلحة في المنطقة.
توسع قدرة الحوثيين على تصنيع ونقل التكنولوجيا العسكرية الحديثة يمثل نقطة تحوّل مهمة تؤثر على توازن القوى الإقليمي
وتشير المحللة غادة سليمان من معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية إلى أن “إيران تستغل الحوثيين كجسر لنقل التكنولوجيا العسكرية المتقدمة إلى الجماعات الإرهابية في شرق أفريقيا، ما يوسع نفوذها الإستراتيجي عبر مضيق باب المندب ويشكل تهديداً مباشراً لممرات الشحن العالمية. هذا النوع من الدعم غير المباشر يشكل تحدياً للأمن البحري الإقليمي ويتطلب رداً دولياً موحداً.”
وتحذر المؤسسات الأمنية الدولية من أن استمرار هذا التحالف وانتشار هذه الأسلحة المتطورة قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق في العمليات الإرهابية، ما يجعل من الضروري تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتوحيد الجهود البرية والبحرية والجوية لتقويض هذه الشبكات، لاسيما مع تنامي قدرات الحوثيين على تطوير مسيَّرات تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، مما يشير إلى سباق تسلح غير تقليدي بين الفاعلين غير الحكوميين في المنطقة.
ويضيف الرائد عبدالرحمن ورسامي، القائد السابق للواء دنب في القوات الخاصة الصومالية، قائلاً: “وجود قواعد تصنيع الصواريخ والمسيَّرات الحوثية في جبال جوليس يشكل نقطة تحول في ديناميكيات الصراع داخل الصومال، فالحوثيون لا يكتفون بنقل الأسلحة بل يثبتون أقدامهم على الأرض بطريقة سرية، متخذين انتحال هوية مقاتلي حركة الشباب لتجنب المواجهة مع السكان المحليين.”
وفي تقرير لمركز بحوث تسليح الصراعات بالمملكة المتحدة، يؤكد الخبراء أن “فهم كيفية حصول الجماعات غير الحكومية على مكونات المسيَّرات المتاحة في الأسواق العالمية، وخطوط التوريد التي تمر بها هذه المواد، أساسي لقطع الإمدادات عن هذه التنظيمات، وللحد من انتشار التكنولوجيا التي تزيد من تعقيد الصراعات الإقليمية.”
وتشير كارين ألن، المحللة في معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا إلى أن “ظهور المسيَّرات المسلحة في ترسانة حركة الشباب، حتى لو بشكل محدود حتى الآن، يشير إلى تصعيد خطير. السلطات المحلية وقوات حفظ السلام يجب أن تعزز أنظمة الدفاع الجوي وتطور تقنيات الكشف والتشويش على المسيَّرات قبل أن تصبح هذه الأسلحة شائعة الاستخدام في هجمات تستهدف المدنيين والبنى التحتية الحيوية.”
وتأتي هذه التطورات في سياق تصاعد الاعتماد العالمي على الطائرات المسيَّرة كأدوات حرب غير تقليدية منخفضة التكلفة وذات تأثير عالٍ، مما أتاح للجماعات المسلحة غير الحكومية تعزيز قدراتها القتالية بشكل غير مسبوق.
وأصبحت منطقة القرن الأفريقي التي تعاني من هشاشة أمنية وانقسامات داخلية بيئة خصبة لتنامي نفوذ هذه الجماعات، خاصة مع تداخل المصالح الإقليمية والدولية التي تستثمر في الصراعات بالوكالة لتعزيز مواقعها الجيوسياسية.
وفي هذا السياق، يمثل توسع قدرة الحوثيين على تصنيع ونقل التكنولوجيا العسكرية الحديثة نقطة تحوّل مهمة تؤثر على توازن القوى الإقليمي وتستدعي تحركاً استباقياً متعدد الأبعاد لمواجهة المخاطر المتزايدة.