مفاوضات هدنة غزة: لا شيء يلزم الأطراف بتسوية
دخلت مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس أسبوعها الثاني في الدوحة دون اختراق ملموس، مما يعكس هشاشة الوساطة الإقليمية والدولية أمام تعقيدات الواقع الميداني والسياسي، وذلك رغم التصريحات المتفائلة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قال إنه يأمل في التوصل إلى تسوية خلال أيام.
ويقول مراقبون إن المعطيات الميدانية لا تزال تشير إلى استمرار النهج العسكري كخيار مفضل لدى الطرفين في ظل غياب أرضية موثوقة للاتفاق.
وتواجه المفاوضات، التي تجري بوساطة قطرية ومصرية وبحضور غير مباشر لواشنطن، مأزقا جوهريا يتمثل في الفجوة العميقة بين ما تعتبره إسرائيل إعادة انتشار عسكريا، وما تصرّ عليه حماس كشرط أساسي: انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
ويرى محللون أن هذه الفجوة ليست تقنية فحسب، بل تعبّر أيضا عن اختلاف جوهري في تعريف نهاية الحرب وحدود السلطة والسيطرة.
المعطيات الميدانية تشير إلى استمرار النهج العسكري كخيار مفضل لدى الطرفين في ظل غياب أرضية موثوقة للاتفاق
ورغم اللقاءات التشاورية بين حماس وحركة الجهاد الإسلامي، والتي تهدف إلى توحيد الرؤية التفاوضية، لا يبدو أن الفصائل الفلسطينية مستعدة لتقديم تنازلات تتجاوز الحد الأدنى من شروطها، خصوصا في ظل ما تعتبره “صمودا شعبيا” رغم الكلفة الإنسانية الهائلة.
وبالمقابل، توجّه إسرائيل اتهامات لحماس بشن “حرب نفسية” عبر التأخير والمماطلة، ما يعكس درجة انعدام الثقة، حتى في المفاوضات غير المباشرة.
ولا ينفصل الميدان عن طاولة التفاوض، إذ تستمر إسرائيل في تنفيذ غارات مكثفة، خاصة في جنوب قطاع غزة، مستهدفة مناطق النازحين وخيام الإيواء كما حدث في خان يونس، ما أوقع العشرات من الضحايا، بينهم أطفال ونساء.
وتؤكد حماس أن هذه الضربات، التي تصفها إسرائيل بأنها ضد أهداف عسكرية، جزء من سياسة “عقاب جماعي”، وتوظفها لتعزيز موقفها التفاوضي، وتكريس صورة “المقاومة الصامدة”. لكن حجم الكارثة الإنسانية في غزة يفرض نفسه كمحدد ضاغط، داخليا وخارجيا، على جميع الأطراف.
ومع أكثر من 58 ألف قتيل فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة، تزداد الضغوط الشعبية والدولية على إسرائيل لوقف الحرب، وعلى حماس لإيجاد تسوية لقضية الرهائن.
وبدأت الولايات المتحدة، التي لا تزال تقدم دعما سياسيا وعسكريا لحليفتها، تشعر بثقل تكلفة الحرب، خاصة مع قرب الانتخابات النصفية، حيث يسعى ترامب إلى تقديم إنجاز دبلوماسي ملموس في الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه، يتعرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضغط داخلي متزايد، إذ بدأت تتصاعد الانتقادات حتى من داخل المؤسسة الأمنية حول طول أمد الحرب، ومشروع “المدينة الإنسانية” الذي ترفضه الأونروا وتعتبره محاولة لإنشاء منطقة عزل قسري في جنوب القطاع.
ويزيد هذا المشروع، الذي يثير تحفظات حتى داخل الحكومة، من تعقيد المفاوضات، ويعمّق المخاوف من توجه إسرائيلي نحو حل أحادي مفروض على الأرض.
وسياسيا، لا تزال السلطة الفلسطينية مغيبة فعليا عن مسار المفاوضات، رغم مشاركتها الرمزية في لقاءات دولية مثل اجتماع بروكسل الأخير.
ولم يكن حضور وزيرة الخارجية الفلسطينية إلى جانب نظيرها الإسرائيلي مؤشرا على تقارب، بقدر ما عكس ضغطا دوليا لاحتواء آثار الحرب دون معالجة جذورها السياسية.
ولا يبدو أن المفاوضات الحالية تسير نحو اختراق قريب. فالأطراف لا تزال أسيرة شروط قصوى، في وقت تتآكل فيه الأرضية الإنسانية والاقتصادية في غزة بشكل متسارع.
وفي ظل استمرار النزيف الميداني، وتضارب المصالح الإقليمية، قد تكون الهدنة المؤقتة، إن تحققت، مجرد استراحة في حرب أطول لم تنته فصولها بعد.