رفض التحالف مع حزب النور يُقصي السلفيين من البرلمان المصري

وكالة أنباء حضرموت

وجهت أحزاب سياسية كبرى قريبة من الحكومة في مصر ضربة موجعة للتيار السلفي بعد أن استبعدت حزب النور، الذراع السياسية للسلفيين، من خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة لمجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) ضمن القائمة الوطنية التي ستخوض الانتخابات من خلال تحالف يضم مجموعة أحزاب بغرض الفوز بأغلبية أصوات الناخبين.

وترى دوائر سياسية أن رفض التحالف مع حزب النور يمهد لإقصاء تام للسلفيين من البرلمان بغرفتيه، الشيوخ والنواب، لأن خوض الانتخابات بشكل منفرد بعيدا عن الدخول في تحالف مع أحزاب كبرى مهمة تبدو مستحيلة وفق الطريقة التي تُدار بها العملية الانتخابية، ما يعني أن حزب النور سوف يخرج من المعادلة بلا مقاعد.

ويؤشر هذا الوضع على تمسك دوائر فاعلة داخل النظام الحاكم بإقصاء كل ما يرتبط بالإسلام السياسي من المشهد، رغم مساعي السلفيين على مدار سنوات مضت للتقارب مع أحزاب كبيرة موالية للسلطة في مصر أو قريبة منها، والسير على هوى الحكومة ودعم تصوراتها بهدف جني مكاسب سياسية مستقبلية في الانتخابات البرلمانية، لكن تلك المحاولات لم تشفع للسلفيين للبقاء في المشهد.

ولم يستوعب حزب النور أن النظام المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي يتمسك بإفشال أيّ انتصار سياسي للسلفيين كجزء من تثبيت أركان الدولة المدنية، وهناك رفض تام لمنع تكرار وجود مظاهر إسلامية في المشهد السياسي أو الاجتماعي، ومهما كان السلفيون يدعمون السلطة هم في النهاية تيار ديني يحمل أفكارا متشددة.

ولم يستوعب حزب النور أن النظام المصري بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي يتمسك بإفشال أيّ انتصار سياسي للسلفيين كجزء من تثبيت أركان الدولة المدنية

وعلى فترات متقاربة، كان السلفيون يسعون لانتزع أيّ موافقة من السلطة لوجود ملامح للدولة الدينية للإيحاء لأنصارهم بأنهم لا يدعمون المدنية ويتمسكون بتطبيق الدستور الذي ينص على أن الإسلام مصدر التشريعات، بلا اكتراث بأن النظام لديه مواقف صارمة تجاه العبث بمدنية الدولة وتوظيف الدين لتحقيق مآرب سياسية.

وترتبط صدمة حزب النور بأنه حاول التقارب بشتى السبل مع أحزاب كبرى قريبة من الحكومة حرصا على الحفاظ على الحد الأدنى من الحضور وتجنب الإقصاء الكلي من المشهد السياسي بالانخراط في تكتلات حزبية مرشحة لمجلس النواب المقبل، وسبق أن قام بمباركة إنشاء حزب الجبهة الوطنية الجديد المقرب من السلطة وأصبح رقما مهما في المعادلة السياسية.

وحاول محمد إبراهيم منصور رئيس حزب النور التقارب مع حزب الجبهة الوطنية الصاعد بقوة سياسيا والتلويح بأن السلفيين يرحبون بالتعاون معه للخروج بالعملية الانتخابية بشكل مشرف لتمثل كل الفئات، لكن جاءت الضربة قوية باستبعاد حزب النور من التحالف الذي يخوض الانتخابات برفقة 13 حزبا، على رأسهم “مستقبل وطن”، “الجبهة الوطنية”، “حماة الوطن”، “الشعب الجمهوري”.

وثمة صدمة أخرى للسلفيين ترتبط بأن القائمة الانتخابية الجديدة تضم ما يعرف بـ”تحالف 30 يونيو”، أي الأحزاب والقوى السياسية التي تضم شخصيات حزبية شاركت في إقصاء حكم الإخوان إبان ثورة 30 يونيو 2013، وهي الشماعة التي طالما تاجر بها حزب النور، باعتباره كان ضمن التحالف السياسي الواسع الذي شارك في الثورة على تنظيم الإخوان، ودعّم الجيش في عملية إقصاء التنظيم.

وحمل الخروج من القائمة الانتخابية رسالة أخرى للتيار السلفي مفادها أن القوى المدنية بما فيها الأحزاب الكبرى غير راغبة في عودة الإسلام السياسي أو الحصول على أيّ مكاسب، وهي صدمة موجعة للسلفيين، فهم على قناعة بأن خوض الانتخابات تحت عباءة الدولة السبيل الوحيد للبقاء في المشهد ودون ذلك سوف يخرجون من السباق دون مقعد برلماني واحد.

وأكد الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي سامح عيد أن استبعاد حزب النور من القائمة الوطنية أمر منطقي، لكنه لم يستوعب الرسالة مبكرا بأن الدولة المصرية قوية ومستقرة ولديها توجهات واضحة بأنها لن تقدم تنازلات لأيّ تيار ديني، وترتبط صدمة السلفيين بأن بقاءهم في المشهد يعني الانخراط تحت عباءة أحزاب قوية.

وأضاف لـ”العرب” أن السلفيين حاولوا تحقيق مواءمات سياسية لتحقيق مكاسب، لكن قوة واستقرار الدولة بمؤسساتها المختلفة أكبر دافع لعدم السماح بأيّ انتصار معنوي لحزب قائم على أساس ديني، كما أن حزب النور بلا شعبية حتى يحقق نجاحات انتخابية، والمزاج العام بمصر لا يميل لدعمهم وإن حاولوا اللعب على العاطفة الدينية.

كما أن حزب النور، وإن بدا متمسكا بإسلامية الدولة، يستخدم هذا الشعار للدعاية السياسية لا أكثر، ويرغب في الإمساك بشعرة معاوية مع النظام للحفاظ على ماء الوجه أمام الجمهور الإسلامي كي لا يصبح بلا سند، ويُدرك أن القواعد الشعبية تآكلت وغير قابلة للترميم، ولم يعد أمامه سوى اللعب على المتاجرة بإسلامية الدولة والتقارب مع أحزاب كبرى تتمسك بالمدنية.

ويغيب عن السلفيين أن الحكومة المصرية، وإن تقبّلت على مضض استمرار حزب النور ككيان سياسي له أذرع إسلامية دون أن تحله نهائيا تطبيقا للدستور الذي يحظر تكوين الأحزاب على أساس ديني، فإن ذلك لا يعني أنها ستتحالف معه بشكل غير مباشر وإدخاله في القائمة الوطنية للانتخابات ومساعدته على تحقيق مكاسب سياسية.

ولا يخرج تعاطي السلطة في مصر مع التيار السلفي عن كونه نوعا من الاحتواء المطلوب، لأن البلد تعيش تحديات متراكمة تتطلب وحدة الصف الداخلي ومنع حدوث استقطاب سياسي أو ديني يشتت المجتمع ويثير منغصات، لكن هذا لن يترتب عليه إقدام السلطة على تقديم هدايا مجانية لحزب النور ليظل رقما في المعادلة السياسية.

كما أن الأغلبية المجتمعية نفسها ترفض فكرة إعادة إحياء تيارات سياسية لها مرجعية دينية باعتبارها أكثر خطورة على استقرار الدولة، مهما حاول حزب النور وأنصاره من السلفيين تقديم كل مظاهر الولاء السياسي، لأنهم لا يفعلون ذلك عن قناعة بقدر ما يرتبط النفاق بضعف يعيشه التيار السلفي وهو ناجم عن تذمر شعبي ممّا هو ديني/سياسي.