تدهور حماس يفتح المجال لاحتجاجات مستقبلية في غزة

وكالة أنباء حضرموت

 شهدت غزة في مارس 2025 احتجاجات ضد حركة حماس، استغل فيها السكان لحظة ضعف مؤقت في قدرة الحركة على قمع المعارضة بسبب خسائرها في الحرب. فقد أضعف تدهور كتائب القسام، التي يعمل العديد من عناصرها أيضًا في أدوار أمن داخلي، قدرة الحركة على إحكام السيطرة، ما أتاح المجال لتصاعد الغضب الشعبي بسبب المعاناة الناتجة عن الحرب.

وأظهرت هذه الاحتجاجات اعتماد حماس على الإكراه والقوة أكثر من اعتمادها على الشرعية الشعبية للحفاظ على سلطتها. كما بيّن القمع الانتقائي اللاحق أن اندلاع أي اضطرابات مستقبلية سيتوقف بشكل أقل على الرأي العام وأكثر على قدرة حماس المتذبذبة على كبحها.

وفي 25 مارس، خرج آلاف المواطنين في جميع أنحاء قطاع غزة للتظاهر ضد حماس، الحركة الإسلامية المسلحة التي تحكم القطاع منذ عام 2007.

وكانت المظاهرات غير مسبوقة من حيث الحجم والحدة، وارتفعت فيها شعارات مثل: ارحلوا يا حماس!”** من بيت لاهيا شمالاً حتى رفح جنوباً.

و يقول الباحث إيثان كوفمان في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون إن  اللافت أن المحتجين لم يطالبوا بالسلام أو يرفضوا إستراتيجية “المقاومة” التي تتبناها حماس، بل عبّروا عن غضبهم من فشل الحركة في حماية السكان من العواقب الكارثية للحرب التي بدأتها في 7 أكتوبر 2023.

وعادةً ما تلجأ حماس إلى استخدام القوة لقمع المعارضة. لكن بعد مقتل الآلاف من مقاتليها بدا أنها افتقرت مؤقتًا إلى القدرة على قمع الاضطرابات، ما أتاح للناس فرصة نادرة للتظاهر العلني.

اندلاع أي اضطرابات مستقبلية سيتوقف بشكل أقل على الرأي العام وأكثر على قدرة حماس المتذبذبة على كبحها

ومع ذلك، منعت حماس تطور الاحتجاجات إلى حركة ثورية فعالة باستخدام القمع الانتقائي، مما يؤكد أن الخوف من العنف هو الركيزة الأساسية لاستمرار سيطرتها على غزة.

ونشأت حماس من شبكة جمعيات خيرية مرتبطة بالإخوان المسلمين، وقدمت خدمات اجتماعية موسعة مع تبني أيديولوجيا متشددة.

وبعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، سيطرت حماس على القطاع في 2007 بعد صراع مسلح مع حركة فتح. ومنذ ذلك الحين، تحكم غزة بحكم الأمر الواقع.

وتعتمد شرعية حماس على العمل العسكري وليس على تقديم الخدمات. ويتجلى ذلك في استخدامها المتكرر للبنية التحتية المدنية لأغراض عسكرية، وتنسيق وظائفها الاجتماعية والسياسية لتعزيز قدرة المجتمع على مواصلة التمرد مستقبلاً.

وغالبًا ما يخدم أفراد القسام كقوة شرطة داخلية، مستفيدين من تدريبهم العسكري في تنفيذ القمع الداخلي.

من المهم عدم تفسير الغضب الشعبي على أنه تأييد لإسرائيل أو رفض للمقاومة المسلحة، بل رفض للمعاناة الناتجة عن الحرب

وتتضمن كتائب القسام جهازًا أمنيًا سريًا يُدعى “المجد”، يُعد الأداة الأساسية لقمع المعارضة الداخلية.

ويُعتقد أنه يضم أكثر العناصر ولاءً وتشدداً أيديولوجيًا. ومع تقلص عدد المقاتلين الذكور المؤهلين، تضطر حماس للاعتماد على موارد بشرية محدودة، ما يقلل من قدرتها على ضبط الأوضاع الداخلية، كما اتضح في مارس.

وقبل الحرب، قُدر عدد مقاتلي القسام بين 25,000 و30,000. حتى مايو 2025، أفادت وزارة الصحة في غزة بمقتل 53,655 شخصًا.

وبعد مراجعات للبيانات، تبين أن حوالي 38,600 من القتلى كانوا رجالاً بين 13 و55 عامًا، بينهم 30,000 رجل بالغ.

وإذا افترضنا أن نصفهم مقاتلون، فهذا يعادل مقتل حوالي 15,000 مقاتل – قريب من تقدير الجيش الإسرائيلي البالغ 17,000، منهم على الأقل 10,000 من كتائب القسام، أي حوالي ثلث القوة القتالية قبل الحرب.

وبدأت الاحتجاجات بعد أيام من استئناف القتال عقب انتهاء الهدنة، وسط تدهور كبير في الوضع الإنساني، خاصة في ما يتعلق بالغذاء.

غالبًا ما يخدم أفراد القسام كقوة شرطة داخلية، مستفيدين من تدريبهم العسكري في تنفيذ القمع الداخلي

واتهمت حماس المحتجين بأنهم “عملاء لإسرائيل”. وبدلاً من استخدام الرصاص ضد الحشود كما في السابق، لجأت إلى عمليات اعتقال واغتيال تستهدف الناشطين الشباب.

وأحد الأمثلة هو عدي رُبَعي، الذي اختُطف وعُذّب وقُتل، ثم تم إلقاء جثته في مكان عام لتخويف المتظاهرين.

وفي حادثة منفصلة، قامت عائلة عبدالرحمن أبو سمرة، الشاب الذي قُتل على يد شرطي من حماس أثناء انتظاره للمساعدات، بقتل الشرطي انتقامًا في ما يُعرف بـ”القصاص”. كما تم كشف هوية سعدي كحيل، أحد المشاركين في قتل عدي ربعي، ما أدى إلى استهدافه وتصفيته من قِبل إسرائيل.

ورغم أن الاحتجاجات لم تتحول إلى تمرد شامل، فإنها استمرت على شكل بؤر متفرقة.

وهذا يشير إلى أن استمرار سيطرة حماس بات يعتمد على القوة، وأن حجم المعارضة مرتبط بقدرة الحركة على القمع، لا برغبة الجمهور.

وحتى الآن، لم تتبلور الاحتجاجات في حركة منظمة ذات قيادة أو مطالب واضحة.

ولم تُظهر حماس أي رغبة في المصالحة أو معالجة شكاوى المحتجين، ولم تتردد في استخدام العنف لكبحهم.

ولا يعكس اختفاء الاحتجاجات تحسن شعبية حماس، بل التزامها بتخصيص موارد أكبر للقمع الداخلي.

ومن المهم عدم تفسير الغضب الشعبي على أنه تأييد لإسرائيل أو رفض للمقاومة المسلحة، بل رفض للمعاناة الناتجة عن الحرب، وتفضيل قيادة تركز على الاستقرار والتنمية الاقتصادية.

ورغم أن هذه الاحتجاجات قد لا تسقط حكم حماس، إلا أن الحركة ستضطر إلى مواصلة إنفاق موارد نادرة لقمع المعارضة والحفاظ على السيطرة في ظل استمرار الحرب.