كيف يحصل المتطرفون في أفريقيا على الأموال التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة

وكالة أنباء حضرموت

منذ تسعينات القرن الماضي تشهد منطقة غرب أفريقيا ومنطقة الساحل انتشارا متزايدا للجماعات الإسلامية المتشددة، التي باتت تشكل تحديا أمنيا معقدا يتداخل مع عوامل سياسية واجتماعية واقتصادية متشابكة.

وفي قلب هذا المشهد المضطرب برزت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كأحد أخطر التنظيمات المسلحة التي تنشط في هذه المنطقة، ليس فقط بسبب عملياتها الإرهابية، بل أيضا بسبب قدرتها على استغلال الأوضاع المحلية وإعادة تنظيم نفسها بشكل مستمر لتعزيز نفوذها.

وظهرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين رسميا عام 2017 في مناطق تمتد بين الجزائر ومالي، لكنها لم تكن ظاهرة جديدة بالمعنى الكامل، بل نتيجة لتلاحم عدة فصائل متشددة سبق لها أن نشطت في المنطقة، وتوحيد جهودها تحت راية واحدة.

وجاءت هذه الخطوة استجابة لرغبة هذه الفصائل في توسيع نطاق عملياتها وتعزيز قدرتها على فرض سيطرتها في مناطق واسعة من الساحل، مستفيدة من البيئة الأمنية الهشة، حيث تعاني حكومات المنطقة من ضعف المؤسسات، وعدم القدرة على تأمين أراضيها ومواطنيها.

وفي عام 2018 أدخلت الأمم المتحدة هذه الجماعة ضمن تنظيم القاعدة، في مؤشر على ارتباطها بشبكة إرهابية دولية، لكن الواقع يشير إلى أن هذه الجماعة تتبع نهجا أكثر تعقيدا، إذ تجمع بين العنف والتكتيكات السياسية والدبلوماسية في الوقت نفسه.

ولفهم أسباب صعود جماعة نصرة الإسلام والمسلمين يجب النظر إلى السياق السياسي والاجتماعي في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، حيث تتركز الدول الأكثر تأثرا بانتشار الجماعات الإسلامية المتشددة، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

وتشهد هذه الدول توترات عميقة تنبع من النزاعات العرقية، خصوصا بين قبائل الفولاني والطوارق، إضافة إلى النزاعات بين الرعاة الرحل والمجتمعات الزراعية المستقرة.

وفي ظل هذا المناخ المتوتر تلعب الجماعة دورا مزدوجا، فهي تستغل هذه الخلافات لتجنيد مقاتلين، كما تقدم نفسها كبديل عن الحكومات التي يعاني سكان المناطق النائية من ضعف خدماتها وغياب الأمن، ما يزيد من شعور التهميش والاستبعاد. ولا يعتبر التمرد الجهادي في المنطقة ظاهرة عسكرية فقط، بل هو انعكاس لصراعات أعمق تتعلق بالهوية والعدالة الاجتماعية والحقوق الاقتصادية.

وتعتمد الجماعة على خطاب ديني متشدد، لكنها في الوقت ذاته تمارس أنشطة غير تقليدية مثل فرض رسوم على السكان المحليين، وإدارة مناطق نفوذها وفق قوانينها الخاصة التي تستند إلى تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية. ويخلق هذا الوضع واقعا موازيا يتحدى سلطة الدولة ويضع السكان المدنيين تحت ضغوط متعددة.

التعاون الإقليمي والدولي يظل ركيزة أساسية في مجابهة مثل هذه الجماعات، حيث يساعد على توحيد الجهود الأمنية والاستخباراتية وتبادل المعلومات

ومن الناحية العسكرية، لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين سجل طويل في شن هجمات ضد القوات الأمنية، لكن ما يميزها هو استهدافها المتكرر للمدنيين، بالإضافة إلى إقامة نقاط تفتيش تفرض من خلالها ضرائب غير رسمية على السكان.

وفي بوركينا فاسو على سبيل المثال أثرت عمليات الجماعة بشكل مباشر على حياة السكان، إذ أغلقت المدارس في مناطق واسعة، ما أثر على تعليم الأطفال وأدى إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات.

وبالرغم من حملات مكافحة التشدد التي تقودها جيوش محلية وإقليمية ودولية، تظل الجماعة قادرة على إعادة تجميع صفوفها بسبب شبكة علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية. وتتمحور قوة الجماعة المالية حول شبكة معقدة من الأنشطة غير المشروعة، التي تمثل العمود الفقري لاستمراريتها.

وأبرز هذه الأنشطة تعدين الذهب الحرفي غير النظامي، الذي يشكل مصدر دخل رئيسيا للجماعة. فبفضل سيطرتها على مناطق التعدين وطرق النقل، تحصل على عوائد مالية ضخمة تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات سنويًا.

ويتم تهريب الذهب إلى أسواق دولية، ما يصعب مهمة تتبع التمويل. وليس الذهب فقط ما يشكل مصدر دخل، بل إن الجماعة تعتمد كذلك على عمليات الاختطاف التي تستهدف الأجانب والمحليين على حد السواء، حيث تحصد أموالًا طائلة عبر دفع فديات ضخمة.

وتعد سرقة الماشية من الوسائل الاقتصادية المهمة التي تستخدمها الجماعة، وهي تعكس أيضا الصراعات الاجتماعية بين الرعاة والمزارعين، إذ تسرق الماشية ممن لا يتبع أجندة الجماعة، ثم تُباع في أسواق في مالي وموريتانيا والسنغال.

وتستخدم هذه الأموال لتمويل عمليات الشراء للأسلحة والآليات التي تحتاجها الجماعة لتنفيذ عملياتها. ولا يقتصر نشاطها على هذه الطرق، بل تلجأ إلى غسيل الأموال من خلال استثماراتها في المشروعات التجارية والبنوك المحلية، وكذلك عبر إقراض التجار.

وتغذي هذه الممارسات الاقتصاد غير الرسمي، وتمنح الجماعة سيولة مستمرة لتوسيع نشاطاتها. وقد أظهرت استعدادا لاستخدام العنف ضد كل من يعارض استثماراتها، ما يدل على مدى تغلغلها الاقتصادي في بعض المناطق.

وتتداخل هذه الديناميكيات مع التحولات الإقليمية والدولية، إذ يعد الساحل منطقة نفوذ محل صراع بين قوى عالمية مختلفة.

وشهدت السنوات الأخيرة انقلابات عسكرية متكررة في مالي وبوركينا فاسو، ما زاد من هشاشة الأنظمة وفتح الباب أمام تدخلات خارجية من جهات مثل روسيا، التي يقال إنها تدعم بعض الميليشيات عبر مجموعة فاغنر. ويعقد هذا الوضع الجهود الأمنية لمكافحة الجماعات المسلحة ويجعل من الصعب تحقيق استقرار طويل الأمد.

علاوة على التحديات الأمنية تعاني المنطقة من أزمات إنسانية متفاقمة، حيث تؤدي النزاعات المستمرة إلى نزوح داخلي واسع النطاق، وتدمير البنية التحتية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة

وعلاوة على التحديات الأمنية تعاني المنطقة من أزمات إنسانية متفاقمة، حيث تؤدي النزاعات المستمرة إلى نزوح داخلي واسع النطاق، وتدمير البنية التحتية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.

وفي ظل هذه الظروف تجد الجماعة بيئة خصبة لتجنيد المزيد من الأفراد الذين يبحثون عن بدائل للحياة في ظل غياب الدولة.

وللتصدي لهذه التحديات يقتضي الأمر اعتماد إستراتيجية شاملة تتجاوز الحلول العسكرية. ويجب أن تركز الجهود على تجفيف منابع التمويل، من خلال تنظيم عمليات التعدين الحرفي، وتعزيز المراقبة على تدفقات الأموال المشبوهة، وتحسين التعاون بين الأجهزة الأمنية وميليشيات الدفاع الذاتي المحلية.

ويجب أيضا تطوير أجهزة العدالة، وإنشاء محاكم متخصصة في قضايا الإرهاب وغسيل الأموال لتوجيه ضربات قوية لشبكات الدعم المالي.

ومن جانب آخر لا بد من الاستثمار في برامج تنموية تسهم في توفير فرص العمل وتحسين الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، لإعادة بناء الثقة بين السكان والحكومات، وقطع الطريق أمام استغلال الجماعات المتشددة للمجتمعات المحلية.

ويظل التعاون الإقليمي والدولي ركيزة أساسية في هذه المعركة، حيث يساعد على توحيد الجهود الأمنية والاستخباراتية وتبادل المعلومات وتتبع التدفقات المالية عبر الحدود.

وفي النهاية، فإن مواجهة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين تتطلب إدراكا عميقا لطبيعة النزاع المركبة في الساحل وغرب أفريقيا، وتعاونا متعدد الأبعاد يجمع بين الأمن والتنمية والعدالة الاجتماعية. فدون معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، لن يكون من الممكن تحقيق استقرار مستدام أو الحد من التهديدات التي تمثلها هذه الجماعة للمنطقة بأسرها.