الدبلوماسية المغربية تتصدى لتحيز تقرير مجلس الأمن حول الصحراء

وكالة أنباء حضرموت

تصدت الدبلوماسية المغربية بقوة لمحاولة فرض رواية متحيزة حول قضية الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة، مؤكدة على ثوابت موقفها ومتمسكة بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي كحل وحيد وذي مصداقية.

وتأتي هذه التطورات في سياق دينامية دولية متنامية تدعم الحل السياسي لهذا النزاع الإقليمي، لكنها تواجه في الوقت ذاته مساعي بعض الأطراف للتشويش على هذا الزخم.

ووجه السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، رسالة إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، معربا فيها عن اندهاش المملكة المغربية البالغ ورفضها القاطع لإدراج فقرة متحيزة حول الصحراء المغربية ضمن التقرير الأخير للمجلس إلى الجمعية العامة.

وتأتي هذه الرسالة عقب اعتماد مجلس الأمن لتقريره الإخباري إلى الجمعية العامة لعام 2024، وما صاحبه من ملاحظات وتحفظات من بعض الأعضاء.

وتكمن جذور الأزمة في اعتماد صيغة "الطرفين" في الفقرة المتعلقة بالصحراء المغربية في هذا التقرير. وهي الصيغة التي يراها المغرب انحرافا صارخا عن التوجه المعتاد للتقارير السنوية السابقة، والذي يهدف إلى تقديم رؤية عامة موجزة ومفيدة لأبرز المستجدات، لا سردًا متحيزًا لمواقف معينة.

ويمثل إدراج فقرة "متحيزة" في تقرير رسمي صادر عن مجلس الأمن تهديدا مباشرا لحيادية الأمم المتحدة ومصداقيتها. فالميثاق الأممي يفرض على هيئاته الحياد التام والموضوعية في تناول القضايا، خاصة تلك التي تتطلب حلولا قائمة على التوافق بين الأطراف.

لكن عندما يتضمن تقرير بهذه الأهمية صياغات تعكس موقفا منحازا أو تتبنى رواية طرف واحد على حساب آخر، فإنه يُقوّض الثقة في الجهود الدبلوماسية المبذولة، ويُعقد مسار التفاوض الذي يهدف إلى بناء حل مقبول للجميع.

وهذا التحريف لا يمس سمعة المجلس فحسب، بل يُعيق التقدم نحو تسوية سلمية للنزاعات، ويُشجع الأطراف على التمسك بمواقفها بدلا من الانخراط في حوار بناء.

وتاريخيا، لم تسلم قضية الصحراء المغربية من الجدل حول حيادية الأمم المتحدة في بعض الفترات، فقد شهدت أروقة المنظمة الدولية أحيانًا محاولات لتمرير صياغات أو مقترحات ترى بعض الأطراف أنها تخرج عن الحياد المطلوب. على سبيل المثال، كانت هناك نقاشات مطولة حول قوائم من يحق لهم التصويت في الاستفتاء المقترح سابقا، حيث اعتبر المغرب أن بعض المحاولات كانت تهدف إلى تغيير التركيبة الديموغرافية للإقليم.

كما أن بعض المبعوثين الشخصيين السابقين للأمين العام واجهوا انتقادات من أطراف النزاع بسبب ما اعتُبر مواقف غير محايدة. هذا يوضح أن التحدي الذي يواجه حيادية الأمم المتحدة في ملف الصحراء ليس جديدا، وأن الرباط تظل يقظة لأي انحراف عن المبادئ المعتمدة.

وأوضح السفير هلال أن الفقرة المعنية تنزاح بشكل صارخ عن الحياد الذي دأبت عليه تقارير مجلس الأمن. فبدلاً من أن تسرد بوفاء موقف مجلس الأمن وجهوده الصادقة من أجل حل سياسي عادل ودائم للنزاع الإقليمي، فإنها "تقدم قراءة متحيزة وغير متوازنة للمواقف المعبر عنها بهذا الشأن داخل المجلس".

ولاحظ هلال أن هذه الفقرة "تجسد بشكل انتقائي مجرد من أي سياق الموقف الوطني للشخص الذي صاغ المقدمة وللعضو غير الدائم بمجلس الأمن، وتغيب الإسهامات والمواقف التي عبر عنها باقي الأعضاء، لتبتعد بذلك عن الإجماع داخل هذه الهيئة".

على النقيض مما تدعيه الفقرة المُثيرة للجدل، أبرز السفير أن مجلس الأمن قد كرس مبدأ "الأطراف الأربعة"، وهم المغرب والجزائر وموريتانيا وبوليساريو. وقد ورد ذكرهم في خمس مناسبات بكافة تقارير المجلس منذ عام 2018.

وشدد على أنه لم يتم في أي تقرير للأمين العام، أو قرار للجمعية العامة، حصر الأطراف المعنية بالعملية السياسية في طرفين على حساب الأطراف الأربعة، مؤكدا أن "المقاربة المتحيزة للمحرر" تدحضها الدينامية الدولية الراهنة التي تتميز بدعم واسع لتسوية هذا النزاع الإقليمي على أساس وحيد وأوحد يتمثل في المبادرة المغربية للحكم الذاتي في احترام لسيادة المملكة ووحدتها الترابية.

وأبرز هلال أن هذه المبادرة "الجادة وذات المصداقية تحظى بدعم قوي وصريح يعبر عنه 116 بلدًا"، اثنان منهم عضوان دائمان بمجلس الأمن (المملكة المتحدة انضمت مؤخرًا)، إلى جانب ثلاثة أعضاء غير دائمين شغلوا مقاعد بالمجلس خلال عام 2024، وستة ضمن الأعضاء غير الدائمين خلال السنة الجارية. هذا الدعم الواسع يعكس قناعة المجتمع الدولي بجدية وواقعية الحل الذي يقترحه المغرب.

وحذر السفير هلال من أن الانزياح عن الممارسة الراسخة في تدقيق الوقائع والحياد في تقارير مجلس الأمن إلى الجمعية العامة ينقض مصداقية مجلس الأمن إزاء الجمعية العامة. بل إنها، أكثر من ذلك، "تساءل ثقة الجمعية العامة في نزاهة التقارير التي ترد عليها من مجلس الأمن".

وأكد السفير أنه عوض محاولة تضليل الجمعية العامة من خلال الإشارة إلى موقف شخصي أو موقف عضو غير دائم بالمجلس وهو طرف رئيسي في النزاع، (في إشارة إلى الجزائر) كان يتعين على محرر هذا القسم التحلي بالحياد والموضوعية. كان عليه إطلاع الجمعية العامة على ثوابت وأسس العملية السياسية التي رسخها مجلس الأمن، والتي تشمل معايير الحل السياسي، والأطراف المعنية الأربعة، ووجاهة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، من أجل التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي.

لكل هذه الأسباب، أكد السفير أن المملكة المغربية تدين بشدة هذا الإخلال برسوخ الدقة وعدم التحيز والنزاهة في هذا الجزء من التقرير. كما ترفض الرباط "التحريف السياسي الذي تضمنته هذه الفقرة، الذي لا يعدو أن يكون مجرد محاولة يائسة للتشويش على الزخم الدولي الداعم للعملية السياسية الجارية تحت الإشراف الحصري للأمم المتحدة".

وقد تم توجيه رسالة السفير هلال إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، وإلى رئيس الجمعية العامة والأمين العام، وسيتم نشرها بمثابة وثيقة رسمية لمجلس الأمن وللجمعية العامة. هذا التحرك المغربي يؤكد على تصميم الرباط على الدفاع عن مصالحها الوطنية وحماية مسار الحل السياسي لقضية الصحراء من أي محاولات للتشويه أو الانحراف.

ويصر المغرب على أن النزاع إقليمي ويجب أن يشمل أربع أطراف أساسية في العملية السياسية وهي المغرب، وجبهة بوليساريو، وموريتانيا، والجزائر. ويرى المغرب أن الجزائر طرف رئيسي في النزاع بسبب دعمها العسكري واللوجستي والسياسي لبوليساريو واستضافتها لمخيمات تندوف على أراضيها.