الملك محمد السادس: إحياء البناء المغاربي ضرورة اقتصادية وإستراتيجية

وكالة أنباء حضرموت

عبر العاهل المغربي الملك محمد السادس عن تشبثه بإحياء البناء المغاربي الذي لم يعد مجرد خيار سياسي، بل أصبح ضرورة اقتصادية وإستراتيجية في ظل التحولات العالمية، والتحديات المتعددة التي تواجه الشعوب العربية، خصوصاً على مستوى الأمن الغذائي وأزمة الطاقة، وندرة المياه والآثار السلبية للتغيرات المناخية.

وارتباطا بحرصه على استقرار وتنمية المنطقة المغاربية، أكد العاهل المغربي في كلمته إلى القمة العربية أن غياب اتحاد المغرب العربي عن أداء دوره الطبيعي يفرّط في فرص التنمية ويُعيق بناء تكامل اقتصادي حقيقي في المنطقة، التي تظل الأقل اندماجاً من الناحية الاقتصادية على مستوى العالم العربي، رغم ما تزخر به من موارد طبيعية وإمكانات بشرية كبيرة.

وأكد محمد الطيار، رئيس المرصد المغربي للدراسات الإستراتيجية، لـ”العرب”، أن الخطاب الملكي يعكس تمسك المغرب باتحاد المغرب العربي كإطار إقليمي رغم جموده منذ أكثر من عقدين بسبب الجزائر.

ودعا العاهل المغربي في 2018 إلى مراجعة إطار العمل العربي المشترك، حين وجّه الملك محمد السادس دعوة إلى الجزائر للحوار الثنائي المباشر من أجل فك هذا الجمود وطرح كل الملفات أمام الحوار الثنائي، غير أن الجزائر لم تلب الدعوة، وسعت إلى إقامة اتحاد مغاربي يستثني المغرب، غير أن المحاولة فشلت لأن الإطار الموازي لا يعبّر عن مشروع وحدوي تشاركي ولكن يصب في خدمة أجندة الجزائر.

وفي تجاهل واضح للاتحاد المغاربي الذي أسس عام 1989، ويجمع خمس دول، أعلن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، في مارس من العام الماضي، عن تكتل مغاربي جديد يضم الجزائر وتونس وليبيا، وعقد رؤساء الدول الثلاث اجتماعا تدارسوا فيه “الأوضاع السائدة في المنطقة المغاربية،” وأكدوا على “ضرورة تكثيف الجهود وتوحيدها لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية بما يعود على شعوب البلدان الثلاثة بالإيجاب“.

وحذر العاهل المغربي من أن “ضعف التجارة البينية، وتجميد حرية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال بين دول الاتحاد المغاربي الخمس، يضعف الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، كما شدّد الملك على أن احترام السيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية، يُعد شرطاً أساسياً لبناء مناخ إقليمي سليم ومتين، يمكّن من استئناف مسار الاندماج والتكامل الذي لا يزال رهين الخلافات السياسية وتغذية النزعات الانفصالية.

وكرسالة ملكية تكرس عدم جدوى أيّ محاولة إقامة اتحاد مغاربي يستثني المغرب في ظل الجمود الحالي، أكد الطيارلـ”العرب” أنه مقابل تمسك المملكة بتكتل مغاربي يحمي السيادة وينبذ أيّ تدخل في الشؤون الداخلية، فإن أيّ محاولة لاستبعاد المغرب تضعف أيّ تكتل مغاربي بحكم أن المغرب يشكل قوة اقتصادية وإستراتيجية يصعب تجاوزها مغاربيًا، كما أن غياب المغرب يُفرغ أيّ اتحاد مغاربي من مضمونه الحقيقي، ويجعله مجرد تكتل ظرفي محكوم عليه بالفشل.
 

وأكد عبدالنبي صبري أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية بكلية الحقوق السويسي بالرباط في تصريحه لـ”العرب” أن “العقبة التي وقفت حائلا دون تطوير الاتحاد المغاربي هي الجزائر، بإيوائها لبوليساريو،” لافتا إلى أنه “لا يمكن الحديث عن أيّ تكتل مغاربي، وحتى إن كان بالإمكان الحديث عن تكتل ما، فإن غياب المغرب عنه لا يمكن أن يكون بأيّ حال من الأحوال”.

وبموازاة تشبث المملكة باتحاد مغاربي منتج وبعيد عن التشنجات والحسابات السياسية غير المجدية، شدد خطاب العاهل المغربي الذي تلاه وزير الخارجية ناصر بوريطة، على انخراط المملكة المغربية في دعم الشعوب في تطلعاتها، والحفاظ على سيادة الدول ووحدتها الترابية.

وخص الملك محمد السادس في خطابه سوريا عندما أكد أن “المملكة المغربية قررت إعادة فتح سفارتها بدمشق، التي تم إغلاقها سنة 2012، ما سيساهم في فتح آفاق أوسع للعلاقات الثنائية التاريخية بين بلدينا وشعبينا الشقيقين، ودعم ومساندة الشعب السوري الأبي لتحقيق تطلعاته إلى الحرية والأمن والاستقرار، والحفاظ على الوحدة الترابية لسوريا وسيادتها الوطنية.”

وضمن الدعوات المتتالية للرجوع إلى المسار المغاربي من خلاله تجاوز جميع المشاكل والقضايا المفتعلة في المنطقة، أكدت المنظمة الأفريقية لحقوق الإنسان أن الخلافات السياسية والدبلوماسية بين الدول المغاربية شكلت عائقًا رئيسيًا أمام تقدم مشروع الاتحاد المغاربي، ما حال دون تحقيق التكامل الاقتصادي والتنموي الذي تطمح إليه شعوب المنطقة.

واعتبرت المنظمة أن إحياء مشروع الاتحاد المغاربي هو خيار إستراتيجي لا بديل عنه، خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية التي تفرض على الدول المغاربية العمل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة وضمان الاستقرار.