محادثات إسطنبول.. قضايا شائكة وانعقادها «أكبر إنجاز»
قد يكون الإنجاز الأكبر لمحادثات إسطنبول المباشرة بين روسيا وأوكرانيا هو انعقادها.
فبعد طول انتظار، من المنتظر أن يلتقى ممثلو روسيا وأوكرانيا في محادثات مباشرة تعيد إلى الأذهان جولة المحادثات التي استضافتها تركيا أيضا في أبريل/نيسان 2022 عندما كان الجانبان على وشك التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب.
لكن محادثات 2022 انهارت وسط مزاعم بأن الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، شجعت أوكرانيا على مواصلة القتال، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
وأشار الموقع إلى أن الظروف تغيرت اليوم حيث لم يعد الدعم الغربي لأوكرانيا ماليًا واقتصاديًا قويًا كما كان في 2022، فلم تحصل كييف على أي مساعدات اقتصادية كبيرة منذ اتفاق مجموعة السبع على حزمة قروض بقيمة 50 مليار دولار، في يونيو/حزيران 2024.
وفي حين قدّمت الدول الأوروبية مساعدات اقتصادية جديدة لأوكرانيا في أبريل/نيسان الماضي، فإن هذا لا يعوض انخفاض الدعم الأمريكي.
ومن حيث السيطرة الإقليمية، انسحبت روسيا من كييف كتنازل خلال محادثات إسطنبول الأولى في 2022، لكنها ومنذ 2023 واصلت فرض سيطرتها على المزيد من الأراضي في دونباس شرقي أوكرانيا.
«لا أوراق للعب»
رغم أن كلا الجانبين يحقق مكاسب على الأرض، تحتفظ روسيا الآن باليد العليا عسكريًا في ساحة المعركة، وهو أمر لن يتغير على ما يبدو.
وبالتالي فإن تقدم روسيا عسكريا وتراجع الدعم الغربي لأوكرانيا كانا العاملين اللذين استند إليهما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين قال في فبراير/شباط الماضي إن كييف لا تملك أوراقًا للعب.
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن القضية المحورية المتفق عليها في محادثات 2022 واليوم هي حياد أوكرانيا وعدم عضويتها في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
ويبدو أن أوكرانيا لا سبيل لها للتراجع عن ذلك، نظرًا لضعف موقفها التفاوضي الحالي، وتصريح ترامب بأن عضويتها في الناتو غير عملية، كما أن معظم دول الغرب اتفقت سرا وعلنًا على أن انضمامها إلى الحلف محفوف بالمخاطر، إن لم يكن مستحيلًا.
أكبر إنجاز
حاليا، يُعدّ مجرد إجراء المحادثات إنجازًا كبيرًا لم يكن ليحدث لولا ضغط إدارة ترامب الشديد، فمنذ أبريل/نيسان 2022، أصبحت أوكرانيا متمسكة بموقفها، ليس فقط بعدم التفاوض مع روسيا، بل باستبعادها من جميع مناقشات السلام.
وخلال مؤتمر سويسرا في 15 يونيو/حزيران 2024، تمسك الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بموقفه الرافض لأي انخراط مع روسيا حتى الانسحاب الكامل لقواتها من أوكرانيا.
وكان ذلك اقتراح غير واقعي على الإطلاق وحتى بعد انتخاب ترامب، تشبث القادة الأوروبيون بمبدأ أن "أوكرانيا وحدها هي من تقرر معنى السلام".
وتبدو العقبة الرئيسية الآن في المحادثات هي القضايا الإقليمية وهو ما أشار إليه ستيف ويتكوف مبعوث ترامب في مقابلته مع تاكر كارلسون في مارس/آذار الماضي.
وتغيرت الحسابات منذ قرار روسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2022 بضمّ 4 مقاطعات رسميًا هي خيرسون، وزابوريجيا، ودونيتسك، ولوغانسك، ومع ذلك، لا تملك روسيا سيطرة إقليمية كاملة على أيٍّ من هذه المقاطعات، التي يفصلها خط جبهة محتدم.
ويُعد خط السيطرة عند انتهاء الحرب التحدي الأكثر إشكالية حيث سيرفض الحلفاء الأوروبيون أي تنازلات كبيرة لروسيا، كما فعلوا عند طرح فكرة أن الولايات المتحدة قد تعترف قانونًا بسيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم.
وقد تكون التسوية الأوضح هي الاعتراف الفعلي بسيطرة روسيا دون أن يعيق ذلك انضمام أوكرانيا مستقبلاً إلى الاتحاد الأوروبي، لكن الأمر يتطلب اتفاقاً مفصلاً حول قضايا نزع السلاح من خط السيطرة وتطبيق أي وقف لإطلاق النار.
وقد تكون العقوبات قضية شائكة أخرى، لكنها قابلة للحل أيضاً من خلال خطة تسمح بالرفع الفوري لمعظم التدابير عديمة الأثر، والتخلص التدريجي من الباقي عند نقاط يتفق عليها الجانبان.
وتظل القضية الأصعب هي الأصول الروسية المجمدة البالغة 300 مليار دولار، ومعظمها في بلجيكا وأبدت موسكو استعدادها للتنازل عنها لدعم إعادة الإعمار في أوكرانيا، بما في ذلك تلك الأجزاء التي تسيطر عليها.
لكن ثمة غموض في هذا الأمر لأن تحرير هذه الأموال لإعادة الإعمار سيُلغى فورًا مصدر مدفوعات الفوائد التي تُغطي التزامات أوكرانيا بشأن ديونها لمجموعة السبع البالغة 50 مليار دولار، والمتفق عليها في يونيو/حزيران 2024.
ضمان استمرار المحادثات
أخيرا، يتعين على الولايات المتحدة مواصلة الضغط لضمان استمرار المحادثات في مسارها الصحيح وسيكون الوجود الأمريكي في إسطنبول أمرًا ضروريا لمنع أوكرانيا تحديدًا من الانسحاب من المحادثات.
ولذلك، يُعد إرسال ستيف ويتكوف ومبعوث ترامب لأوكرانيا كيث كيلوج أمرًا منطقيًا، فالأول يحظى بثقة موسكو بينما بنى الأخير علاقات في كييف ويساهم وجودهما في استمرار العملية حتى يتم التوصل إلى اتفاق ووقف القتال.
وربما سيرغب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في عقد لقاء خاص مع ترامب وفق شروط يستطيع الجانب الروسي تنسيقها بشكل أفضل.
وقد يكون ذلك مكافأة لانخراط موسكو في المحادثات نظرًا لرغبتها في إعادة ضبط شاملة للعلاقات مع الولايات المتحدة.