العاهل المغربي يتخذ من دعم المزارعين وتعزيز السيادة الغذائية أولوية

وكالة أنباء حضرموت

أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس، خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء مساء الاثنين، توجيهات بأن تكون عملية إعادة تكوين القطيع الوطني للماشية ناجحة على جميع المستويات، ووفقا لمعايير موضوعية. وشدد العاهل المغربي أن يوكل تدبير الدعم إلى لجان تشرف عليها السلطات المحلية.

ويولي الملك محمد السادس عناية خاصة بالقطاع الفلاحي، ولاسيما بالثروة الحيوانية التي سجلت تراجعا خطيرا في السنوات الأخيرة في المملكة نتيجة الجفاف والتغيرات المناخية. وكان الملك محمد السادس أعلن في فبراير الماضي عن إلغاء ذبح الأضحية العام الحالي في محاولة لوقف نزيف “التراجع الكبير في أعداد الماشية”.

وبحسب بلاغ من الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، فإن الملك محمد السادس استفسر من وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات أحمد البواري، في بداية أشغال المجلس الوزاري، عن تأثير التساقطات المطرية على الموسم الفلاحي، وعلى الوضع الحالي للقطيع الوطني للماشية، وكذلك الإجراءات التي أعدتها الحكومة من أجل إعادة تكوين القطيع بشكل مستدام، وتحسين أوضاع مربي الماشية.

وأجاب وزير الفلاحة والصيد البحري بأن التساقطات التي عرفتها البلاد كان لها أثر جد إيجابي، لاسيما على إنتاج الحبوب وعلى الزراعات الخريفية والربيعية والأشجار المثمرة، كما كان لها أيضا أثر إيجابي على الغطاء النباتي والماشية بمختلف مناطق المملكة.


وأكد رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، أن توجيهات الملك محمد السادس بإعادة تشكيل قطيع الماشية خطوة إستراتيجية بالغة الأهمية لمساعدة المزارع الصغير وتعزيز السيادة الغذائية، من خلال إسناد عملية تدبير الدعم إلى لجان تحت إشراف السلطات المحلية، وهو ما يمثل نهجا حكيما لضمان الشفافية والعدالة في توزيع الموارد، ويحول دون استغلال النظام من قبل فئات محدودة.

وأضاف لزرق في تصريحات لـ”العرب” أن هذه المقاربة تراعي خصوصيات كل منطقة وتحدياتها الخاصة، وتضمن وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، مما يسهم في تقوية القطاع الزراعي واستدامته، ويعزز الاكتفاء الذاتي، ويخلق توازنا اقتصاديا واجتماعيا يخدم مصالح الفلاحين الصغار والمتوسطين، ويدعم المنظومة الغذائية الوطنية بشكل شامل.

وكان وزير الزراعة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أعلن في جلسة الأسئلة الشفوية الأسبوعية بمجلس النواب، عن انخراط وزارته في إعداد برنامج طموح ومتكامل لموسم 2025 – 2026 لمواكبة “الكساب” والرفع من إنتاجية القطيع الوطني، وهو ما أنعش آمال الكثير من المزارعين الصغار بتعويض أي خسائر بعد قرار إلغاء نحر أضحية عيد الأضحى، وبأن هذا الدعم سيعطي فرصة لتكاثر القطيع والعودة تدريجيا إلى مستويات جيدة، مبرزا أن “الفلاحة التضامنية تمثل محورا في هذا الجانب عبر مشاريع الإنتاج الحيواني الذي تتحمل فيه الدولة إجمالي كلفة الاستثمار.”

واعتبر رشيد ساري، المحلل الاقتصادي، ورئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، في تصريحات لـ”العرب”، أن دعم مربي الماشية (الكسابة) المتضررين من انخفاض القطيع وإلغاء شعيرة الأضحية إجراء ضروري للحفاظ على استقرار هذه الفئة، لكن بمقاربة مبتكرة تركز على إنتاج أعلاف منخفضة التكلفة وقليلة استهلاك المياه، مع زيادة الإنتاج المحلي لهذه المواد، لافتا إلى أن “هذا الإجراء سيخفف الضغط على الموارد الطبيعية ويعزز استدامة تربية المواشي، مما يساهم في تعافي القطاع على المدى المتوسط.”

وتراهن الدولة على أن تساعد التساقطات المطرية الأخيرة على تطبيق الدورية المشتركة التي جرى إصدارها بتنسيق مع وزارة الداخلية، التي تخص منع ذبح إناث الأغنام والماعز لمدة سنة كاملة وفق شروط محددة، إذ توجه عدد من مربي الماشية (الكسابة) للاحتفاظ بماشيتهم، خصوصا الإناث منها. ومن أجل دعم القطيع الوطني من الماشية اتخذت الحكومة المغربية جملة إجراءات، أبرزها دعم استيراد الأغنام قبيل عيد الأضحى في السنتين الأخيرتين ومواصلة دعم الأعلاف.


ووفق معطيات وزارة الزراعة، فإن تعليق الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة لم يكن له أي أثر مالي على ميزانية الدولة، لأن هذه الرسوم، التي بلغت نسبتها 200 في المئة في السنوات الماضية، كانت تهدف إلى حماية القطيع الوطني ولم تكن تحقق إيرادات لخزينة الدولة.

في الإطار ذاته دعا رشيد ساري إلى تقوية نسيج مربي الماشية (الكسابة) في المناطق القروية التي شهدت تراجعا كبيرا في أعدادهم، من خلال إنشاء تعاونيات قوية تدعم هؤلاء المنتجين، مبرزا أهمية هذا الإجراء في إعادة تنشيط الاقتصاد القروي، معتبرا أن تعزيز هذه الشبكة “سيضمن استمرارية الإنتاج الحيواني ويقلل من الاعتماد على الحلول الخارجية.”

وخلال الاجتماع الوزاري الذي عقد بالقصر الملكي بالرباط، استفسر العاهل المغربي وزير التجهيز والماء نزار بركة حول نسبة ملء السدود وأثر ذلك على الوضعية المائية بالبلاد، حيث أبرز بركة أن معدل ملء السدود يصل حاليا إلى 40.3 في المئة، وأن هذا الارتفاع يتيح تعبئة ستة مليارات وسبعمئة مليون متر مكعب من المياه، أي ما يساوي استهلاك سنة ونصف من الماء الصالح للشرب.

وكشف تقرير حديث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عن تفاعلات سلبية مقلقة بين قطاعات الماء والطاقة والغذاء والنظم البيئية، مسلطا الضوء على استنزاف الفلاحة السقوية للموارد المائية وخطورة ذلك على ارتفاع أسعار الطاقة على الأمن الغذائي، محذرا من أن الزراعة السقوية تستهلك نحو 87 في المئة من الموارد المائية القابلة للتعبئة، مما يشكل ضغطا هائلا على هذه الموارد الحيوية.

وأبرز البنك الدولي في تقرير جديد أن الآلاف من المزارعين في منطقة شتوكة، الواقعة على الساحل الأطلسي، يستفيدون من مشروع “المياه القادرة على الصمود والمستدامة في الزراعة”، الذي يجمع بين تحديث شبكات الري، تركيب عدادات للآبار، وتقديم خدمات استشارية حول تقنيات الري الحديثة، موضحا أن هذا النموذج يهدف إلى تعزيز الاعتماد على مصادر مياه أكثر أمانا.