الأكراد يقررون حل حزب العمال وإلقاء السلاح.. فكيف ستتجاوب تركيا
أعلن حزب العمال الكردستاني الاثنين حل نفسه وإنهاء التمرد المسلح الذي خاضه منذ أكثر من 40 عاما، في توجه واضح نحو السلام، لكن لا يعرف إلى حد الآن كيف ستتجاوب تركيا مع هذا الخيار، هل ستتعامل معه على أنه فرصة ثمينة لحل الصراع الذي كلف الكثير من الخسائر أم ستستمر في التعاطي معه من منظور تفكيك “كيان إرهابي” والنظر إليه كقضية أمنية.
وقوبل قرار الحزب الكردي – التركي بتفاعلات مختلفة. وفيما وصفه أكراد العراق بأنه خطوة مهمة لتعزيز الاستقرار الإقليمي، إلا أن دمشق تريد استثماره كورقة ضغط على قوات سوريا الديمقراطية للالتزام بالاتفاق الذي وقعته مع حكومة الرئيس أحمد الشرع.
ويرى مراقبون أن الإعلان خطوة مهمة، لكنها مشروطة، فهو يمهد الطريق للاتفاق على إطار قانوني دقيق لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، أي أن الأمر يتعلق بكيفية التفاعل التركي مع القرار، وما إذا كانت أنقرة ستعلن عن إجراءات تتعلق بالعفو عن المسلحين وقياداتهم.
والأمر الأكثر أهمية هو كيف ستتصرف مع القيادات الميدانية التي قادت المعارك والتي تقف وراء مقتل أعداد من الجنود الأتراك، هل ستعفو أنقرة عن هؤلاء وتثير غضب الشارع أم تفعل العكس وتثير مخاوف المسلحين وتبطئ عمليات تسليم السلاح.
ولم تتوفر تفاصيل عن كيفية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وتفكيكه على الصعيد العملي. وقالت تسريبات إنه سيتم وضع نقاط شمال العراق وأخرى داخل تركيا وكذلك شرق سوريا لاستقبال الأسلحة.
وأكد مسؤول في الحزب أن كل العمليات العسكرية ستتوقف “فورا”، وأن تسليم السلاح مشروط باستجابة أنقرة وموقفها من حقوق الأكراد ومصير مقاتلي الجماعة وقياداتها.
ولم يتضح ما إذا كانت أنقرة وافقت على استمرار دور مستقبلي لزعيم الحزب عبدالله أوجلان، وهو ما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه لا يحظى بشعبية بين الأتراك. وسيكون من المفيد للأتراك أن يقود أوجلان عملية الانتقال التي يقوم بها الحزب بالتخلي عن الخيار المسلح وتبني التفاوض طريقا لتحقيق مكاسب لأكراد تركيا كما فعل أكراد العراق وأكراد سوريا.
وعقد حزب العمال الكردستاني مؤتمر التخلي عن الخيار المسلح استجابة لدعوة وجهها أوجلان في فبراير لحل الحزب. وأوجلان مسجون في جزيرة جنوبي إسطنبول منذ عام 1999.
ويعتبر وقف التمرد المسلح نصرا سياسيا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث سيحسب لصالح رغبته في الاستمرار في ولاية رئاسية جديدة.
ومن المقرر أن تنتهي ولاية أردوغان دستوريا في 2028، ولا يمكنه الترشح مرة ثالثة بحسب الدستور التركي، لذلك قد يحتاج إلى تعديل دستوري أو دعوة إلى انتخابات مبكرة. لكن الائتلاف الحكومي يفتقر حاليا إلى الأصوات البرلمانية اللازمة لتفعيل مثل هذه التغييرات، ما يضطره إلى السعي لحشد دعم المعارضة، والاختراق في الملف الكردي قد يساعده في هذه المهمة.
لكن سيظل الانفتاح على الأكراد سيفا ذا حدين، فمثلما أنه قد يصب في صالح أردوغان بالحصول على دعم من أحزاب ونواب أكراد، فقد يدفع إلى خسارة مصداقيته شعبيا كما قد يطيح بتحالفه مع الحركة القومية اليمينية.
وجاء أول تعليق لأردوغان بشأن الخطوة الكردية عامّا وحذرا، حيث قال “نعتبر هذا القرار مهمّا من حيث تعزيز أمن بلادنا وسلام منطقتنا،” وإنه “بخروج الإرهاب والعنف من المعادلة ستُفتح أبواب مرحلة جديدة بكل المجالات في مقدمتها تعزيز القدرات الديمقراطية للعمل السياسي.”
ووصف وزير الخارجية التركي هاكان فيدان قرار حزب العمال الكردستاني بأنه “ذو أهمية تاريخية” وقد يحقق “السلام والاستقرار الدائمين” لجميع شعوب المنطقة.
ورحّب حزب العدالة والتنمية الحاكم الاثنين بما اعتبره “خطوة مهمة نحو جعل تركيا خالية من الإرهاب.”
وقال المتحدث باسم الحزب عمر جليك “يجب تنفيذ هذا القرار وتطبيقه بكل أبعاده،” معتبرا أن “إغلاق كلّ فروع حزب العمال الكردستاني وامتداداته وهياكله غير القانونية سيشكّل نقطة تحول.”
من جهته، قال مدير الإعلام في الرئاسة التركية فخرالدين ألتون إنه “سيتم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان تقدّم العملية بشكل صحي وسلس.”
ومن المتوقع أن يعزز قرار حزب العمال الكردستاني الاستقرار السياسي والاقتصادي في تركيا، ويشجع على اتخاذ خطوات لتخفيف حدة التوتر في العراق وكذلك في سوريا.
وسيزيل إنهاء التمرد بؤرة توتر دائمة في شمال العراق الغني بالنفط، والذي يديره الأكراد، وسيسهّل جهود الإدارة السورية الجديدة لفرض نفوذ أكبر على المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية في شمال سوريا
ويعتبر نجاح الحوار بين حزب العمال وتركيا مكسبا لقادة أكراد العراق، وخاصة الزعيم التاريخي مسعود بارزاني الذي لعب دور لافتا في إنجاح المفاوضات وتشجيع أكراد تركيا على المضي في مسار السلام.
واعتبر رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني الاثنين أن خطوة حزب العمال الكردستاني ستعزّز “الاستقرار” الإقليمي، وهي “تدل على النضج السياسي وتمهد الطريق لحوار حقيقي يعزز التعايش والاستقرار في تركيا وجميع أنحاء المنطقة.”
واعتبر أن هذا القرار يضع “أساسا لسلام دائم وشامل ينهي عقودا من العنف والآلام والمعاناة،” مؤكدا استعداد إقليمه “الكامل للاستمرار في تقديم أيّ نوع من المساعدة والتعاون لإنجاح هذه الفرصة التاريخية.”
ورأت وزارة الخارجية العراقية في بيان أن قرار حزب العمال “خطوة إيجابية ومهمة تُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار في العراق والمنطقة.”
واعتبرت أن “هذا التطور يشكّل مدخلا طبيعيا لإعادة النظر في الذرائع والمبررات التي طالما استُخدمت لتبرير وجود قوات أجنبية على الأراضي العراقية.”
لكن الأمر مختلف في سوريا، حيث يعيش الأكراد تقلبات لا تصب في صالحهم خاصة بعد خيار الانسحاب الأميركي من المناطق الكردية شمال شرق سوريا، وترك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في مواجهة مباشرة مع دمشق وحليفتها أنقرة، وهو وضع سيدفعها إلى القبول بالاتفاق الفضفاض مع دمشق.
وحذّر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الاثنين قسد من أن “المماطلة” في تنفيذ الاتفاق الذي أبرمته مع السلطات في دمشق بشأن دمج مؤسسات الإدارة الكردية في إطار الدولة، من شأنه أن “يطيل أمد الفوضى” في البلاد.