المعارضة المصرية تتجاهل الحكومة وترفع مطالبها للرئيس السيسي
وجهت المعارضة المصرية عدة نداءات ومناشدات إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن عدد من القضايا السياسية الملحة داخليا في مقدمتها وقف التصديق على مشروع الإجراءات الجنائية الذي أقره البرلمان أخيرا، والعفو عن المحبوسين احتياطا، وفتح المجال أمام عودة معارضي الخارجي ممّن لم يتورطوا في العنف أو التحريض عليه، وبدا لافتا أن المعارضة لم تضع في اعتباراتها الجهات التنفيذية والتشريعية مع فقدان الثقة بالاستجابة لها.
قدمت الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة تضم عددا من الأحزاب والشخصيات العامة) ما وصفته بأنه “نداء الفرصة الأخيرة” إلى الرئيس السيسي بعدم التصديق على مشروع قانون الإجراءات الجنائية بعد أن أقره البرلمان، واعتبرته يشكل خطورة على الحريات واستقلال جهات التحقيق القضائية، وهي مطالب تضامن معها عدد من الحقوقيين والسياسيين.
ووجه عضو مجلس أمناء الحوار الوطني نجاد البرعي نداء للسيسي طالب فيه بتدشين مبادرة مصرية تدعو إلى عودة معارضي الخارج وإسقاط أيّ اتهامات وجهت إليهم ومشاركتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأضاف في بيانه الذي أصدره، الجمعة، على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) “مصر في حاجة إلى كل صاحب رأي لم يحمل سلاحا أو يدعو إلى العنف، وأرجو أن يتبني الرئيس تلك المبادرة. أظن الآن هو الوقت المناسب لمصالحة وطنية كبرى. وأظن أن التأخر فيها لا موجب له. وأظن أن الرئيس قادر على أن يبادر بها“.
يشير التوجه مباشرة إلى الرئيس السيسي أن المعارضة مقتنعة أن القرار السياسي ليس بيد الحكومة، والكثير من اللقاءات والحوارات التي جرت بين المعارضة ودوائر تنفيذية، عبر الحوار الوطني أو في البرلمان، لم تنتج عنها استجابة لرؤيتها، ما يجعل محورية القرار تتجه نحو الرئيس، الذي تدخل في وقائع سابقة حظيت بمعارضة واسعة من مواطنين وأحزاب سياسية.
ويشبه الوضع الحالي ما حدث سابقاً، إذ أن قانون الإجراءات الجنائية يواجه معارضة قوية من منظمات حقوقية، واعتراضات من المجتمع المدني، ونقابتي المحامين والصحافيين، نهاية بأحزاب معارضة صعدت مطالبها بضرورة إعادة النقاش حوله. وقد يكون الفارق أن الضغوط الخارجية على مصر لتحسين السجل الحقوقي تراجعت في الوقت الحالي، وفقا لمتغيرات عديدة بعضها يتعلق بإجراءات إيجابية اتخذتها الحكومة وتطورات خارجية جعلت قضايا حقوق الإنسان تغيب عن المشهد.
وهناك قناعة لدى دوائر معارضة بأن القرار السياسي المصري أكثر ارتباطا بطبيعة التهديدات الخارجية التي تتعرض لها البلاد، في ظل ضغوط تهجير الفلسطينيين وتهديدات البحر الأحمر وقناة السويس، وتطورات عسكرية في السودان، ما يدعم التوجه نحو الرئيس، فالمواطنون والأحزاب، بما فيها المعارضة، يؤيدون الموقف الرسمي في القضايا الإقليمية، ويمكن أن يحصلوا على رد إيجابي على مواقفهم.
وقال نجاد البرعي في تصريح لـ”العرب” إن مناشدات الحركة المدنية للرئيس السيسي لأنه لديه صلاحية دستورية يستطيع من خلالها عدم التصديق على القانون، أو إعادته مرة أخرى إلى البرلمان للمزيد من الدراسة، ومناشدته للتدخل في عودة معارضي الخارج ترتبط بالمواءمة السياسية التي تقتضي أن يتدخل لتعديل هذا الوضع الذي لا يتفق عليه جميع المعارضين.
وأضاف المحامي والناشط الحقوقي البارز أن الرئيس السيسي لا ينتمي إلى حزب بعينه، ويملك الكثير من الصلاحيات كرئيس للسلطة التنفيذية ويشارك في صنع السياسات العامة، وقد تخضع المطالب الأخيرة لتقديرات تدفعه للاستجابة والاستماع إلى ما تطرحه المعارضة من رؤى للمشكلات الراهنة، وهناك نداءات وجهها معارضون في الخارج يسعون للعودة، وبينهم صحافيون ونشطاء، حينما سافروا كانت الظروف مختلفة والآن الوضع أكثر استقرارا.
وأشار إلى أن الآمال معقودة على أن تسبق الانتخابات البرلمانية التي تبدأ في أغسطس المقبل، حالة انفراجة سياسية، فمصر في قلب منطقة تعج باضطرابات وتحتاج إلى المزيد من الحريات العامة والاستقرار الداخلي، ما يجعلها أكثر قدرة على التعامل مع التهديدات الخارجية. وما دفع للتحرك نحو المطالبة بالعفو عن معارضي الخارج ممن لم يرتكبوا عنفا أو يتورطوا في إرهاب، إطلاق سراح العشرات من المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا مختلفة الأيام الماضية، وسط توقعات بإجراءات جديدة الفترة المقبلة، وهو أيضا يدخل ضمن اختصاصات رئيس الدولة، وفقا لقرارات العفو الرئاسي.
◙ المعارضة المصرية تقدم نداء إلى السيسي لعدم التصديق على قانون الإجراءات الجنائية الذي أقره البرلمان
وحسب المفوضية المصرية للحقوق والحريات (حقوقية)، فإن نيابة أمن الدولة العليا في مصر قررت، الخميس، إخلاء سبيل 54 متهما على ذمة قضايا سياسية بعد فترات حبس متفاوتة. وكشف وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، وعضو لجنة العفو الرئاسي، محمد عبدالعزيز أنه منذ تفعيل اللجنة حتى خرج 1118 سجينًا، ومن المتوقع خروج مجموعة أخرى قريبًا.
قال عضو المكتب السياسي لحزب المحافظين (معارض وأحد أحزاب الحركة المدنية) مجدي حمدان إن المناشدات الموجهة إلى الرئيس السيسي تنبع من أهمية القضايا المطروحة، والتي تتعلق بإمكانية الانتقاص من عدالة القضاء بفعل قانون الإجراءات الجنائية، وهو الأمر ذاته الذي يرتبط بالحبس الاحتياطي، إذ جرى توجيه مناشدات للرئيس نحو إطلاق سراحهم، خاصة وأن البعض منهم محبوس على ذمة قضايا تبنتها الدولة بالفعل مثلما الوضع بالنسبة إلى المحبوسين على ذمة مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المطالب تنبع من وجود نقاط التقاء مشتركة بين المعارضة والدولة، تتمثل في التوافق على التعامل مع التهديدات الخارجية، ما يتطلب الانتقال إلى مرحلة اتخاذ قرارات تدعم الاستقرار الداخلي والمجتمعي، وتتطلب قرارات سياسية، منها تهدئة الآلاف من الأسر التي تطالب بالإفراج عن ذويها، إذ أن الحركة المدنية قدمت قائمة بأسماء محبوسين احتياطيا، مطلوب الإفراج عنهم.
وشدد على أن المعارضة تنتابها حالة من عدم الثقة بالسلطة التنفيذية والبرلمان، والأمر ينطبق على الحوار الوطني، وليس هناك سوى مخاطبة الرئيس السيسي مباشرة، وسوف تشهد الفترة المقبلة تحركات من جانب المعارضة لمناقشة قضايا أخرى، وتقديم مطالب للتعامل معها، في مقدمتها قانون الإيجارات القديم.
وأعلنت الحركة المدنية الديمقراطية في أبريل الماضي تأسيس أمانة شباب الحركة، من مجموعة من شباب الأحزاب والمستقلين، وجاء ظهورها إلى النور في ظل تحديات تواجه الدولة المصرية، وانطلاقًا من الإيمان العميق بأهمية الدور الذي يلعبه الشباب في صياغة المستقبل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للوطن.