ميليشيات الدبيبة تعرقل المصالحة الليبية باقتحام مسلح مقر اللجان بالخمس
اقتحمت مجموعات مسلحة ليل الجمعة/السبت مقر الملتقى الأول للمصالحة الوطنية في مدينة الخمس شرق طرابلس المقرر انعقاده اليوم السبت، مما أسفر عن مقتل عنصر أمن وإصابة آخرين، في خطوة تقوض جهود المصالحة الوطنية ولمّ الشمل الليبي.
ويكشف هذا الهجوم بوضوح عن أجندة خفية لمجموعات مسلحة لا ترغب في رؤية ليبيا موحدة ومستقرة، فهذه الأطراف تستغل حالة الانقسام الأمني لبسط نفوذها والسيطرة على الموارد، وتعتبر أي جهد للمصالحة الوطنية تهديدا لمصالحها.
ويمثل استهداف ملتقى للمصالحة رسالة واضحة مفادها أن هذه المجموعات مصممة على إبقاء ليبيا في حالة من الصراع والانقسام، وتفضل منطق القوة على الحوار والتوافق الوطني.
ففي الوقت الذي كان فيه شباب وأهالي مدينة الخمس يستعدون لاستضافة هذا الحدث الهام، فوجئوا بدخول أرتال مسلحة قوامها نحو 60 سيارة تتبع ميليشيات التدخل والسيطرة واللواء 112 قادمة من مصراتة.
ودار اشتباك مسلح مع مجموعة يعتقد أنها تابعة للكتيبة 112، وسط صمت رسمي مطبق حول ملابسات الحادث وهوية المتورطين.
وأعرب المجلس البلدي الخمس عن إدانته الشديدة لهذا الاعتداء، محملا جهات مسلحة مسؤولية استهداف لجان كانت تعمل على الإعداد لملتقى المصالحة تحتضنه المدينة.
وطالب المجلس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة بالتدخل العاجل لمعاقبة المتورطين وإنصاف الأهالي، كما دعا مديرية أمن الخمس إلى التحرك السريع لكشف الجناة وطلب الدعم من وزارة الداخلية لتسهيل المهمة.
وبالمثل، حمّل المجلس الاجتماعي للمنطقة الغربية في بيان "حكومة الدبيبة مسؤولية هذا الاعتداء، نتيجة تقاعسها عن ردع الميليشيات الإرهابية التي اقتحمت خيمة المصالحة الوطنية في الخمس في عمل مدبر هدفه اجهاض كل جهد مخلص يبذل في سبيل استقرار الوطن ووحدة أبنائه".
وأعلن المجلس عن "انطلاق انتفاضة شعبية في المنطقة الغربية تتصدرها الفعاليات الاجتماعية من مشايخ وأعيان وحكماء وشباب للوقوف صفا واحدا ضد هذا العبث، واستعادة حق شعبنا في الأمن والكرامة والعيش الكريم".
وطالب المجلس النائب العام بالتدخل العاجل لوقف هذا التسيب الأمني ومحاسبة المتورطين في هذا الاعتداء، مشيراً إلى أن مثل هذه الأفعال تعرقل جهود السلام والمصالحة الوطنية وتزيد من حدة التوتر في البلاد.
ومن جهتها، أكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا في بيان أنها تابعت بقلق بالغ هذه الأحداث المؤسفة، محملة حكومة الوحدة الوطنية ووزير الداخلية المسؤولية القانونية الكاملة حيال هذه التطورات الخطيرة التي أسفرت عن ضحايا من أفراد الأمن وإصابات أخرى.
وطالبت المؤسسة بفتح تحقيق شامل في ملابسات الواقعة وملاحقة المسؤولين عنها وتقديمهم إلى العدالة، وإنهاء حالة الإفلات من العقاب. كما طالبت بإخلاء مدينة الخمس من جميع المظاهر والتشكيلات المسلحة المتمركزة بالمدينة وفتح تحقيق شامل في جميع الجرائم والانتهاكات التي تنسب إليها.
ويذكر أن مدن الخمس وزليتن ومسلاتة تعاني من حالة فوضى أمنية كبيرة وغير مسبوقة جراء سيطرة مجموعات مسلحة غير منضبطة وخارجة عن القانون تحمل مسمى (الكتيبة 112) التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، والتي ارتكبت عددا كبيرا من الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والاعتداء على الممتلكات والمرافق العامة والأمنية وزعزعة الأمن والاستقرار وتقويض سيادة القانون وتعريض أمن وسلامة السكان للخطر.
وتعيش ليبيا في خضم عدم استقرار وفوضى متصاعدة منذ الإطاحة بالقذافي عام 2011، حيث تنامى نفوذ الميليشيات المسلحة المتنافسة وانقسمت البلاد بين حكومات متناحرة، ما جعل المصالحة الوطنية ضرورة ملحة لم يكتب لها النجاح رغم المحاولات الليبية والدولية السابقة التي اصطدمت بتحديات جمة.
فالميليشيات المتعددة الولاءات والمصالح الاقتصادية والسياسية تشكل عائقا رئيسيًا أمام أي حل سياسي أو مصالحة تهدد نفوذها ومواردها، بل إن بعضها يمتلك أجندات إقليمية خارجية تستفيد من حالة الانقسام.
وتفاقم هذه المعضلة الأوضاع الأمنية المتردية والفوضى التي تعم مناطق واسعة، خاصة غرب البلاد، مما يجعل أي مبادرة للسلام عرضة للاستهداف.
ويدفع المدنيون الليبيون ثمن هذا الانقسام المستمر صراعا وتدهورا اقتصاديا وإنسانيا وانتشارا للجريمة وعرقلة للخدمات الأساسية، مما يضاعف من الحاجة إلى مصالحة حقيقية.
وعلى الصعيد الدولي، يدعو المجتمع الدولي والأمم المتحدة مرارا لوقف الاقتتال وتوحيد المؤسسات الليبية، ويدين أي عنف يستهدف المدنيين أو جهود السلام المتعثرة.