اخبار الإقليم والعالم
بعد سنوات من الخمول..
القاعدة تستعيد نشاطها بهجوم في المحفد بدعم وتنسيق مع الحوثيين
بعد سنوات من التراجع وانحسار النشاط الميداني الواسع، يعود تنظيم القاعدة بعملية هجومية كبرى، جنوبي البلاد، في مؤشر على محاولته "استعادة حضوره الميداني، مستفيداً من تحالفات جديدة وظروف أمنية معقّدة"، وفقاً لخبراء ومحللين.
وفي صبيحة الثلاثاء الماضي، شنّ التنظيم عملية انتقامية جريئة، بواسطة سيارتين مفخختين وعدد من الأفراد الانغماسيين المزوّدين بأحزمة ناسفة، على مقرّ حكومي وعسكري تابع لـ"القوات المسلحة الجنوبية"، بمديرية المحفد، شمال شرقي محافظة أبين، وسط مسرح العمليات التي تخوضها القوات الجنوبية منذ أغسطس/ آب من العام 2022، ضد عناصر وأوكار القاعدة ومراكزه التدريبية العتيقة.
ورغم عدم النجاح الكامل للهجوم في تحقيق هدفه المتمثّل في إحداث اختراق يمكّن المهاجمين من الوصول إلى قلب المقرّ الإداري والعسكري، بعد مقتلهم على أسواره، إلا أنه يُبرز قدرة القاعدة المُستعادة على تنفيذ العمليات المركّبة والمعقّدة، بعد سلسلة من العمليات المقتصرة على زرع العبوات الناسفة وتفجيرها عن بُعد وضربات الطائرات المسيّرة، والهجمات الانفرادية.
استعادة الزخم
ويقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، عاصم الصبري، إن الدعم الذي يتلقاه القاعدة من ميليشيات الحوثي خلال الفترة الأخيرة، ساهم بشكل كبير في استعادة زخم عملياته الواسعة وهو الدعم اللوجستي الذي يعتمد عليه التنظيم في تطوير قدراته وإمكانياته العسكرية، سواء على مستوى المتفجرات ومستلزماتها المختلفة أو الطيران المسيّر، وغير ذلك من المعدات العسكرية".
وذكر الصبري في حديثه لـ"إرم نيوز"، أن القاعدة رغم استمراره في إظهار قوته وقدرته على التخطيط للعمليات الواسعة، إلا أنه واجه خلال الفترة الماضية، بعض العقبات المتعلقة بأزمته المالية وانتشاره العسكري وقدرته على التجنيد.
وأضاف أن التنظيم رغم هذه التحديات، ظل متماسك وقوي، وقادر على تنفيذ بعض العمليات، وتمكّن من إحداث بعض الاختراقات التي تعدّ شواهد على استمرار حضوره في أبين، لكن هذا الحضور يبقى ضئيلاً مقارنة بنشاطه المتزايد في اليمن خلال العقود الماضية.
وبيّن الصبري أن نجاح عملية التنظيم الأخيرة في مديرية المحفد، لم تكن كبيرة، "لأن مثل هذه العمليات التي تُنفذ بالمفخخات والانتحاريين، تهدف إلى إيقاع أكبر قدر من الضحايا في صفوف المستهدفين، بينما لم يُخلّف هذا الهجوم سوى 4 قتلى من الجنود وعدد من الجرحى، وبالتالي يُصبح قياسها نسبة إلى الخسائر غير ناجحة، لكن الوصول إلى مدخل الموقع المستهدف يعدّ اختراقاً أمنياً".
تنسيق مباشر
وتشير تقارير أممية وأخرى دولية إلى تنامي العلاقة بين القاعدة والحوثيين في المجالين الأمني والاستخباراتي وتوفير ملاذات آمنة لعناصر الطرفين، وتعزيز معاقلهما وتنسيق الجهود لاستهداف القوات الحكومية، بعد اتفاق الجانبين على عدم استهداف بعضمها ووقف الأعمال العدائية وتبادل الأسرى، طبقا لتقرير صادر، أواخر العام 2024، لخبراء مجلس الأمن الدولي في اليمن.
وأضاف التقرير، أن التنسيق المباشر بين الطرفين يتضمن تزويد الحوثيين للقاعدة "بطائرات مسيّرة وصواريخ حرارية وأجهزة متفجرّة، وتوفير التدريب"، كما ناقشا إمكانية "تقديم القاعدة دعما في الهجمات التي يشنها الحوثيون على أهداف بحرية".
وبحسب تقرير مرصد الأزمات التابع لمركز "P.T.O.C Yemen" للأبحاث والدراسات المتخصصة، فإن ميليشيا الحوثي نجحت في إزالة التباينات الأيديولوجية مع تنظيم القاعدة، من خلال الترويج لمفاهيم دينية وجهادية، تُبرر لهذا التنسيق باعتباره "تحالف الضرورة لمواجهة العدو المشترك".
وذكر أن الحوثيين يعملون، منذ العام 2021، على إعادة تدوير عناصر القاعدة وداعش المعتقلين في سجون الدولة التي تمكنت الميليشيا من السيطرة عليها، وحولتها إلى معامل مغلقة لتجهيز العناصر كأذرع أمنية ميدانية لأجهزتها الاستخبارية ثم الإفراج عنهم، بمن فيهم مئات المعتقلين المتورطين في قضايا إرهابية.
مخاطر واسعة
ويرى المتحدث الرسمي باسم "القوات المسلحة الجنوبية" المقدم محمد النقيب، أن تصاعد الدعم الحوثي لتنظيم القاعدة "تترتب عليه مخاطر عديدة ليست على الجنوب وحده، بل تشمل المنطقة والعالم، وهو ما سبق أن كشفنا عنه وحذّرنا منه في وقت مبكّر".
وقال النقيب في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن القاعدة في اليمن، معروف بتصنيفه كأخطر فروع التنظيم على المستوى الدولي، فيما تمثّل ميليشيا الحوثي أكثر الأذرع الإيرانية خطورة على الأمن الإقليمي والدولي، واستهدافها الإرهابي لممرات الملاحة الدولية خير دليل "وعطفاً على ذلك، فإن هذا الدعم بمختلف أشكاله يأتي ترجمة لتحالف إستراتيجي بين تنظيمين إرهابيين".
موضحاً أن "القوات المسلحة الجنوبية" تخوض، منذ سنوات، حرباً ضد الإرهاب، ببعدها الوطني والدولي، وتحقق انتصارات وإنجازات كبيرة، "شكّلت في المحصلة إضافة لانتصارات الحرب الدولية على الإرهاب، وكان لها أثرها في تعزيز أمن واستقرار المنطقة".
وشدد على أهمية دعم جهود القوات الجنوبية في مكافحة الإرهاب، وتعزيز قدراتها من قبل الشركاء الإقليميين والدوليين، باعتبار ذلك "ضرورة إستراتيجية لحماية الأمن الإقليمي والدولي من خطر هذا التحالف الإرهابي الذي بات يُعلن ويعبّر عن نفسه بوضوح وجرأة غير مسبوقة".
إعادة تموضع
من جهته، يعتقد محلل الشؤون الأمنية، عاصم المجاهد، أن هجوم المحفد "لم يكن مجرد هجوم تكتيكي، بل هو إشارة واضحة إلى أن التنظيم يحاول اختبار البيئة الأمنية، ومعرفة حدود رد الفعل، ومدى قدرته على الحركة والتنقل، بعد فترة طويلة من الخمول النسبي".
مضيفاً أن ما يحدث في محافظة أبين، "يُعيدنا إلى مشهد مألوف، عرفناه جيداً في فترات سابقة، عندما كان التنظيم يتحرك في مساحات الفراغ الأمني، ويستثمر في الاضطرابات المحلية للتوسّع من جديد".
وأشار المجاهد إلى وجود عوامل عدّة "تشجّع هذا التحرك، أهمها حالة التراخي الأمني في بعض المناطق الجنوبية، وتعدد مراكز القوة وتضارب المصالح بين القوى المحلية، فضلاً عن البيئة المثالية التي يوفرها الحوثيون بشكل غير مباشر لعودة التنظيم، "من خلال إبقاء الجبهات مجمّدة، وعدم السماح بتوحيد الجهد العسكري ضد الإرهاب".
مؤكداً أن هناك مؤشرات على "تقاطع مصالح ظرفي بين الحوثيين والقاعدة"؛ إذ يحاول كل طرف الاستفادة من بقاء الآخر كفزاعة أو ورقة ضغط في التوازنات الأمنية والسياسية الحالية.
وبرأي المحلل الأمني، فإن تنظيم القاعدة لا يعود بنفس الشكل القديم، "لكنه يحاول التكيّف مع الواقع الجديد، مستفيداً من خبرته السابقة، ومن شبكاته القبلية في بعض المناطق".
لافتاً إلى أن المرحلة الحالية مختلفة، وتأتي تحت عنوان "إعادة التموضع أكثر من السيطرة الميدانية، لكن هذا وحده كافٍ لنقول إن خطر التنظيم لم ينتهِ بعد، بل أعاد ترتيب نفسه بهدوء، وينتظر اللحظة المناسبة ليتحرك من جديد".