تقارير وحوارات
أزمة نظام الرعاية الصحية في إيران: 80% من مقاعد طب الطوارئ شاغرة والأطباء يهاجرون أو ينتحرون
كشفت اعترافات رسمية صادرة عن مسؤولين في نظام الحكم الإيراني عن عمق الانهيار الذي يواجهه قطاع الرعاية الصحية في البلاد، حيث وصلت أزمة نقص الكوادر الطبية المتخصصة إلى مستويات غير مسبوقة. ففي تصريح صادم، أعلن علي جعفريان، مساعد وزير الصحة في حكومة النظام، أن أكثر من 80% من المقاعد المخصصة لبرامج طب الطوارئ، وثلث المقاعد في تخصص التخدير بالجامعات الإيرانية، بقيت شاغرة لعدم وجود متقدمين. لا يعكس هذا الرقم مجرد مشكلة إدارية، بل هو عرض لمرض عضال أصاب هيكل النظام الصحي، تجلى في هجرة جماعية للكفاءات، ويأس متزايد في أوساط الطواقم الطبية، مما ينذر بعواقب وخيمة على مستقبل الخدمات الصحية المقدمة لملايين الإيرانيين. شواغر مقلقة: اعتراف رسمي بالانهيار في حديثه لوكالة أنباء “إيسنا” الحكومية، أقر علي جعفريان بأن وزارة الصحة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، حاولت زيادة عدد المقاعد في التخصصات الطبية بنسبة 12% سنوياً، لكن هذه السياسة أدت فقط إلى زيادة عدد المقاعد الشاغرة بسبب عزوف الأطباء عن الالتحاق بهذه التخصصات. الأرقام التي قدمها ترسم صورة قاتمة؛ ففي عام 2024 وحده، بقي حوالي 1600 مقعد في برامج الإقامة الطبية شاغراً. وفي تخصص حيوي مثل طب الطوارئ، تم قبول 38 طالباً فقط لملء 400 مقعد متاح. أما في تخصص التخدير، فلم يتم قبول سوى 110 أطباء مقيمين من أصل 440 مقعداً متاحاً، مما ترك أكثر من 300 مقعد فارغاً. وأكد جعفريان أن هذا الوضع الكارثي ينسحب على تخصصات أخرى لا تقل أهمية، مثل الأمراض المعدية، والطب الباطني، وأمراض النساء والتوليد. الأسباب الجذرية: لماذا يهرب الأطباء؟ إن عزوف الأطباء عن التخصص في فروع حيوية ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام التي دفعت القطاع الصحي إلى حافة الهاوية. فوفقاً لتقارير إعلامية حكومية، مثل موقع “نور نيوز”، فإن “الصعوبات الاقتصادية، وعبء العمل الثقيل، وانعدام الأمن الوظيفي، والشكوك حول المستقبل المهني” هي الأسباب الرئيسية التي تدفع الأطباء الشباب بشكل خاص إلى الهجرة نحو الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية، أو ترك ممارسة المهنة بالكامل. وتكشف الإحصاءات الرسمية للمجلس الطبي الإيراني أن حوالي 29% من الأطباء العامين المسجلين في إيران لا يمارسون الطب حالياً. تتفاقم هذه الأزمة بسبب “المركزية الشديدة” و”التوزيع غير العادل للمتخصصين”، حيث يتركز 42% من الأطباء المتخصصين في خمس مدن كبرى فقط، وفي بعض التخصصات، يعمل ما يصل إلى 60% من الأطباء في طهران وحدها. هذا التفاوت الجغرافي يخلق ظروف عمل طاردة في المحافظات والمناطق النائية. والأخطر من ذلك هو هجرة العقول النيرة؛ حيث كشف شاهين آخوند زاده، مساعد وزير الصحة، أن “معظم المئة الأوائل في امتحانات القبول الجامعية في العلوم الطبية يهاجرون بسبب عدم توفر ظروف عمل مناسبة في البلاد”. التكلفة البشرية: يأس وانتحار إن الضغط الهائل على الكوادر الطبية لم يؤدِ إلى هجرتهم فحسب، بل وصل إلى حد المأساة. ففي مايو 2024، حذر إيراج خسرونيا، رئيس الجمعية الإيرانية لأخصائيي الطب الباطني، السلطات الصحية من عواقب الضغوط المفروضة على الطواقم الطبية، مشيراً إلى “حالات انتحار متكررة” وهجرة الأطباء والممرضين. وأكد خسرونيا أن المجتمع الطبي يعيش حالة من “الكرب والاضطراب الشديد”، مضيفاً أن المسؤولين الحكوميين وأعضاء البرلمان “لم يكتفوا بنسيان دور هذه الفئة، بل استمروا في تقييد العاملين في مجال الرعاية الصحية من خلال تشريعات مرهقة، مما أجبرهم إما على ترك المجال الطبي أو الهجرة”. في المحصلة، فإن أزمة المقاعد الشاغرة في كليات الطب ليست سوى قمة جبل الجليد لنظام صحي ينهار تحت وطأة الفشل الاقتصادي، وسوء الإدارة السياسية، والاستخفاف بكوادره ونخبه، مما يعرض حياة المواطنين الإيرانيين لخطر مباشر.