اخبار الإقليم والعالم
هجوم انتحاري ببني وليد يعمّق المخاوف من اتساع دائرة الفوضى في ليبيا
تعرضت قوات 'اللواء 444 قتال' لهجوم بسيارة مفخخة يقودها انتحاري في مدينة بني وليد، ما أثار موجة جديدة من القلق حيال تدهور الوضع الأمني في ليبيا، في ظل مؤشرات متزايدة على اتساع رقعة العنف وانعدام الاستقرار. ويأتي هذا الهجوم بينما تواصل الأمم المتحدة جهودها لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تُجنّب العاصمة طرابلس ومحيطها منزلق المواجهات المسلحة من جديد.
ووفق البيان الرسمي الصادر عن اللواء، فقد استهدف الهجوم مساء الثلاثاء أحد المعسكرات التابعة له في مدينة بني وليد عبر مركبة مفخخة انفجرت داخل الموقع، ما أعقبه محاولة اقتحام نفذها مسلحون مجهولون استخدموا أسلحة متوسطة وثقيلة. وبحسب قيادة اللواء، فإن القوات تمكنت من صد الهجوم وفرض السيطرة على الموقع دون تسجيل إصابات في صفوفها، بينما لم تُعلن أي جهة مسؤوليتها عن العملية، ولم تُعرف حتى الآن حصيلة القتلى أو المصابين من المهاجمين.
ويُنظر إلى هذا الهجوم على أنه تطور خطير في المشهد الأمني الليبي، ويأتي بعد أقل من 48 ساعة من انفجار غامض هزّ مستودع أسلحة ضخم في ميناء مصراتة، ما زاد من حدة التوترات بين الميليشيات المسلحة في المنطقة الغربية، وسط صمت رسمي عن الجهات المتورطة في التفجير.
وتزامنت هذه الأحداث مع موجة تعبئة عسكرية محدودة، وتحركات لقوات مسلحة في مناطق متفرقة من طرابلس ومصراتة والزاوية، وهو ما أعاد إلى الأذهان سيناريوهات الانفجار الأمني الذي شهدته العاصمة مرارًا في السنوات الأخيرة.
مصادر محلية وصفت هجوم بني وليد بـ"الإرهابي المعقّد"، مشيرة إلى أنه لم يكن مجرد تفجير عشوائي بل عملية منسقة استهدفت قوة عسكرية محورية في المنطقة الغربية. ويُعد اللواء 444 واحدًا من أبرز التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، ويتمركز في مناطق استراتيجية حول العاصمة.
من جهته، أشار بيان اللواء إلى أن هناك "يدًا خفية تسعى لزعزعة الأمن"، مؤكدًا فتح تحقيق في الحادث ومتوعدًا برد "قاسٍ" على كل من يثبت ضلوعه في العملية، ما يعكس استمرار مناخ الاتهامات المتبادلة بين القوى المتصارعة داخل المشهد الليبي المنقسم سياسيًا وعسكريًا.
في ظل هذا التصعيد، كثفت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحركاتها السياسية والدبلوماسية، في محاولة لاحتواء الانفلات الأمني والضغط باتجاه إعادة إحياء مسار تفاوضي بين الفرقاء.
وأكدت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هانا تيتيه، في لقاء موسع مع وجهاء وممثلين عن مناطق غرب البلاد، على "الدعم الكامل" الذي تقدمه البعثة للمجلس الرئاسي في مساعيه الرامية إلى نزع فتيل التوتر وضمان عدم الانزلاق إلى حرب جديدة في العاصمة.
وقالت تيتيه في تصريح مصوّر عقب اللقاء، الذي حضرته نائبتها ستيفاني خوري، إن الوضع الأمني الراهن يثير "قلقًا بالغًا"، مشيرة إلى أن وفد الوجهاء عبّر عن مخاوف حقيقية من تجدد المواجهات بين الفصائل المسلحة، خاصة مع استمرار مظاهر التعبئة العسكرية في بعض الأحياء.
وأوضحت أن هناك التزامًا أمميًا بدعم أي تسوية سياسية تقوم على مبدأ الحوار وتغليب المصلحة الوطنية، مشددة على أن "تحقيق السلام لا يتطلب إطلاق رصاصة واحدة"، ودعت الأطراف الليبية إلى اتخاذ خطوات ملموسة لمنع تصعيد جديد "قد تكون تبعاته مدمّرة على المدنيين والمؤسسات".
البعثة الأممية كانت قد أصدرت في وقت سابق من هذا الأسبوع بيانًا طالبت فيه كل الأطراف المسلحة بـ"الوقف الفوري لكل أشكال التصعيد" والامتناع عن أي تحركات تؤدي إلى اندلاع مواجهات في مناطق مأهولة، مؤكدة أنها تتابع بقلق بالغ التقارير التي تشير إلى استمرار التوترات والتجييش العسكري، لا سيما في طرابلس ومحيطها.
وفي خضم هذه التطورات، لا تزال العملية السياسية في ليبيا تراوح مكانها، إذ فشلت حتى الآن محاولات إجراء انتخابات وطنية تنهي المرحلة الانتقالية، وسط خلافات عميقة بين الحكومة المتمركزة في طرابلس برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من البرلمان في الشرق بقيادة أسامة حماد، في ظل دعم متباين من القوى الإقليمية والدولية لكل طرف.
ويرى مراقبون أن الانفجارات الأخيرة، سواء في بني وليد أو مصراتة، تُظهر أن البيئة الأمنية في ليبيا لا تزال هشة، وأن غياب التفاهم السياسي يعزز من فرص عودة المواجهات المسلحة، خصوصًا مع استمرار وجود عشرات التشكيلات العسكرية الخارجة عن السيطرة المركزية.
وتؤكد الأمم المتحدة مرارًا أن الاستقرار في ليبيا لن يتحقق إلا من خلال تسوية سياسية شاملة تُنهي الانقسام المؤسساتي وتُمهّد الطريق لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو هدف يبدو حتى الآن بعيد المنال في ظل هشاشة الأوضاع، وانعدام الثقة بين الأطراف.
وبين تفجيرات أمنية ولقاءات سياسية، تمضي ليبيا في مسار محفوف بالمخاطر، تتقاطع فيه الحسابات المحلية مع الضغوط الدولية، بينما لا يزال المواطن الليبي ينتظر استقرارًا غائبًا، وسلطة قادرة على فرض القانون ومحاسبة المتورطين في الفوضى. وفي ظل هذا الواقع، يبقى الأمل معقودًا على دور فعّال للمجتمع الدولي في دعم مسار تفاوضي حقيقي، يُفضي إلى إنهاء الفوضى وإعادة بناء الدولة.