اخبار الإقليم والعالم
الاقتصاد الأمريكي وصدمة الرسوم.. مراحل التفاعل والاستجابة
قدم الاقتصادي المصري العالمي البارز محمد العريان تحليلاً حول الرسوم الجمركية وأسباب عدم ارتفاع الأسعار كما كان متوقعاً.
وفي مقال نشره موقع "سبستاك"، كتب محمد العريان إنه عندما أعلنت الولايات المتحدة عن فرض حزمة جديدة من الرسوم الجمركية، توقع كثير من الاقتصاديين أن ترتفع أسعار السلع الاستهلاكية بشكل سريع وواضح. فالفكرة بسيطة: إذا زادت كلفة استيراد السلع، فستنتقل هذه الزيادة إلى المستهلك. ولكن المفاجأة كانت أن الأسعار لم ترتفع كما توقع الخبراء، على الأقل في البداية. فما الذي حدث؟ ولماذا لم نشهد موجة تضخم كبيرة رغم الرسوم الجديدة؟
الإجابة، كما تشير أحدث البيانات الاقتصادية وتقارير أرباح الشركات، تكمن في مزيج من الاستراتيجيات الذكية، وردود الفعل السريعة من المصدرين الأجانب والشركات الأمريكية المستوردة، إضافة إلى دور المخزونات المتراكمة من البضائع.
"امتصاص الصدمة"
وأضاف العريان إنه عندما تم الإعلان عن الرسوم الجديدة، لم تكن ملامح السياسة التجارية واضحة تمامًا. فقد شاب الغموض مدى استمرار الرسوم وحدتها، مما جعل الكثير من الشركات تتريث قبل أن تعكس هذه التكاليف الجديدة على الأسعار النهائية للمستهلك.
وبدلًا من المخاطرة بفقدان ولاء العملاء عبر رفع الأسعار بشكل فوري، قررت العديد من الشركات -سواء كانت مصدرين من الخارج أو مستوردين محليين- أن تمتص الكلفة الإضافية داخل هوامش أرباحها. وكان هذا القرار استراتيجياً، وقام على الرهان بأن الرسوم قد تكون مؤقتة، وبالتالي فإن التضحية المؤقتة بالأرباح أفضل من فقدان حصة في السوق. وبالفعل، هذا النهج سمح بحماية المستهلك من التأثير المباشر للرسوم الجمركية لفترة من الزمن. لكنه لم يكن العامل الوحيد وراء ثبات الأسعار.
وقبل دخول الرسوم الجديدة حيز التنفيذ، قامت العديد من الشركات الأمريكية بزيادة مخزوناتها من السلع المستوردة. وهذا "الاحتياط الاستراتيجي" منحها مرونة إضافية، حيث استطاعت الاستمرار في بيع السلع بأسعار ما قبل الرسوم لفترة، دون الحاجة إلى رفع الأسعار فورًا.
وبذلك، وجد الاقتصاد الأمريكي نفسه في حالة مؤقتة من التوازن، إذ تم احتواء التأثيرات التضخمية للرسوم عبر مزيج من امتصاص التكاليف والمخزونات السابقة.
مرحلة جديدة
لكن هذه المرحلة المؤقتة بدأت تقترب من نهايتها، بحسب العريان. فمع مرور الوقت، بدأت المخزونات تتناقص، وأصبحت الرسوم الجديدة أكثر وضوحًا واستقرارًا من حيث السياسات. وبدأت الشركات تواجه تحديات جديدة تتعلق بسبل الحفاظ على أرباحها في ظل ارتفاع التكاليف.
وفي ضوء ذلك، تتجه الشركات إلى إعادة تقييم استراتيجيات التسعير، خاصة مع تلاشي الخيارات السابقة. فإما أن تبدأ بتمرير جزء من التكاليف إلى المستهلك، أو أن تستمر في تقليص هوامش أرباحها، وهو أمر يصعب استمراره على مدى طويل.
وأشار العريان إلى أن التأثير المستقبلي للرسوم لن يكون موحدًا على جميع السلع والخدمات. وأوضح إن هناك عوامل مهمة تحدد مدى قدرة الشركات على تمرير التكاليف إلى المستهلك، أبرزها مرونة الطلب.
فعلى سبيل المثال، المنتجات التي يشتريها المستهلكون حتى عند ارتفاع أسعارها (طلب ثابت وغير مرن)، مثل بعض السلع التكنولوجية أو السلع الأساسية، من المرجح أن تشهد زيادة في الأسعار تعكس الرسوم الجمركية الجديدة. أما السلع التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة أو التي تتوفر لها بدائل أرخص، فستجد الشركات صعوبة أكبر في رفع أسعارها دون التأثير سلبًا على حجم المبيعات.
وإلى جانب مرونة الطلب، تلعب عوامل أخرى دورًا كبيرًا مثل قوة العلامة التجارية، ودرجة التمايز بين المنتجات، والمنافسة في السوق. فقد تستطيع شركات معينة تمرير الرسوم على منتج فاخر دون خسارة عملائها، في حين تضطر شركات أخرى لامتصاص الرسوم كي لا تفقد زبائنها ذوي الدخل المحدود.
وتُظهر هذه التجربة كيف أن السياسات التجارية، ورغم آثارها الاقتصادية المتوقعة، يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير تقليدية عند تفاعلها مع سلوكيات الشركات وتفضيلات المستهلكين. وصحيح أن الأسعار لم تقفز فورًا كما كان متوقعًا، لكن من المرجح أن تبدأ بعض السلع برفع أسعارها تدريجيًا مع نفاد المخزونات وازدياد وضوح السياسات الجمركية.
وختم العريان بالتأكيد على أنه لن يكون التأثير موحدًا أو شاملاً، بل متنوعًا ومجزأً، حيث تختلف القدرة على تمرير التكاليف باختلاف طبيعة المنتج، وسلوك السوق، وموقف كل شركة على حدة.