منوعات
أوزبكستان ريادة عالمية في الاقتصاد الإبداعي للتنمية المستدامة
في عالم يتسارع فيه التغيير، تبرز أوزبكستان كنموذج رائد في تبني الاقتصاد الإبداعي كمحرك للنمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. بفضل رؤيتها الطموحة، تجمع البلاد بين الثقافة، التكنولوجيا، وريادة الأعمال لتعزيز التنمية المستدامة، مؤكدة التزامها بتحويل الإبداع إلى قوة اقتصادية واجتماعية. من خلال مبادرات تشريعية مبتكرة ودور فعال على الساحة الدولية، تضع أوزبكستان نموذجاً ملهماً للدول الطامحة إلى مستقبل مزدهر.
يُعد الاقتصاد الإبداعي ركيزة أساسية للتنمية المستدامة، حيث يسهم في النمو الاقتصادي، خلق فرص العمل، وتعزيز الشمولية الاجتماعية. وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، يُشكل هذا القطاع ما يصل إلى 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول، ويوفر 12.5% من الوظائف. عالمياً، تُدر الصناعات الثقافية والإبداعية حوالي 2.3 تريليون دولار سنوياً، أي 3.1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتُوظف 6.2% من القوى العاملة. يقول خوان خوسيه باديلو، مدير مكتب أونكتاد في نيويورك
في هذا السياق، تتقدم أوزبكستان بخطوات واثقة. في 14 فبراير 2025، أكد الرئيس شوكت ميرضيائيف خلال لقاء مع الشباب: "98% من العاملين في الاقتصاد الإبداعي هم من الشباب." هذا التركيز على الشباب يعكس إدراك أوزبكستان لإمكاناتهم الابتكارية، حيث يشكلون العمود الفقري لقطاعات مثل التصميم الرقمي، الإنتاج الإعلامي، والتكنولوجيا الإبداعية.
وفي خطوة غير مسبوقة في آسيا الوسطى، اعتمدت أوزبكستان قانوناً خاصاً بالاقتصاد الإبداعي في 3 أكتوبر 2024، بعد إقراره الأولي في 2023. يهدف هذا القانون إلى تهيئة بيئة داعمة للصناعات الإبداعية التي تجمع بين الفن، التكنولوجيا، وريادة الأعمال. يُعرف القانون الاقتصاد الإبداعي بأنه قطاع يركز على خلق السلع والخدمات ذات القيمة الاقتصادية من خلال الإبداع والابتكار. يشمل 15 قطاعاً متنوعاً، من الفنون التطبيقية والحرف اليدوية إلى التقنيات الرقمية والإعلان.
يرسي القانون خمسة مبادئ أساسية: الشرعية، الانفتاح، حرية الإبداع، المساواة، وحماية الملكية الفكرية. كما يوفر دعماً شاملاً يشمل:
- إعفاءات ضريبية حتى عام 2030 للشركات الإبداعية.
- منح مالية وإعانات حكومية.
- تسهيلات في استخدام البنية التحتية الحكومية.
- حماية الملكية الفكرية وتوفير المعلومات.
لتعزيز هذا القطاع، أعلن الرئيس شوكت ميرضيائيف عن إنشاء مجمعات صناعية إبداعية في المناطق، تُعد بمثابة حاضنات لريادة الأعمال الإبداعية. هذه المجمعات توفر مساحات عمل مشتركة، مراكز تدريب، ومنصات لتبادل المعرفة، مع نظام ضريبي تفضيلي حتى 2030 للشركات التي يشكل النشاط الإبداعي 80% من دخلها. كما يتم إنشاء تجمعات إبداعية لتسهيل التعاون وتسويق المنتجات محلياً وعالمياً، إلى جانب صناديق خاصة لتمويل المشاريع الإبداعية.
يُشرف على هذه الجهود مجلس جمهوري لتنمية الاقتصاد الإبداعي، يضم ممثلين عن الحكومة، المجتمع المدني، ورواد الأعمال. يعمل المجلس على تطوير استراتيجيات التنمية وتحديد المجالات الواعدة، مما يعزز مكانة أوزبكستان كمركز إبداعي إقليمي.
على الصعيد الدولي، تؤكد أوزبكستان ريادتها من خلال استضافة فعاليات بارزة. في عام 2023، استضافت حدثاً في الأمم المتحدة لدعم الاقتصاد الإبداعي، حيث أكد أولوغبيك لاباسوف، الممثل الدائم لأوزبكستان"الثقافة والاقتصاد الإبداعي يمتلكان إمكانات تحويلية لتعزيز النمو الاقتصادي، التعليم، السلام، والاستدامة البيئية." كما تستعد سمرقند لاستضافة الدورة الثالثة والأربعين للمؤتمر العام لليونسكو، وهي المرة الأولى منذ 1985 التي يُعقد فيها خارج باريس. يعكس هذا الحدث تراث سمرقند كمركز لطريق الحرير، ويعزز من جاذبيتها كوجهة ثقافية عالمية.
في أوزبكستان، تساهم الصناعات الإبداعية في تمكين الفئات المهمشة، خاصة النساء في المناطق الريفية. برامج تدريبية مكنت أكثر من 10,000 امرأة من الانخراط في الحرف التقليدية مثل الخزف والنسيج بحلول 2024، وفقاً لوزارة الثقافة الأوزبكية. كما يعزز مشروع "السجاد الرقمي" تصدير الحرف التقليدية عبر منصات التجارة الإلكترونية، مما يفتح أسواقاً جديدة.
رغم التقدم، تواجه أوزبكستان تحديات مثل نقص التمويل الأولي للشركات الناشئة وضعف البنية التحتية الرقمية في بعض المناطق. لكن الشراكات الدولية، مثل التعاون مع البنك الدولي، يمكن أن تعزز هذه الجهود. وفقاً لمركز نيستا للأبحاث، فإن 15% فقط من الوظائف الإبداعية معرضة للأتمتة، مما يجعل هذا القطاع مرناً في مواجهة التحولات التكنولوجية.
من خلال دمج الفنون، التكنولوجيا، وريادة الأعمال، تسعى أوزبكستان لتقليل الاعتماد على الموارد التقليدية وفتح أسواق جديدة. إن استثمارها في الثقافة، كما تؤكد، ليس تكلفة بل استثمار بعوائد مرتفعة. بفضل مبادراتها التشريعية، دعمها للشباب، ودورها الدولي، تضع أوزبكستان نموذجاً ملهماً لبناء مستقبل شامل ومبتكر، مؤكدة أن الثقافة ليست مجرد تراث، بل محرك للابتكار والازدهار.