منوعات
لا أرض أخرى.. علامة على حياة مجتمع لم يستسلم أبدا
فيلم "لا أرض أخرى" الحائز على جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الأخير، وحصل أيضا على جائزة الأوسكار هذا العام لأفضل فيلم وثائقي مما أثار غضبا وانتقادات من الجانب الإسرائيلي، يدور حول قرية مسافر يطا وهي منطقة جبلية شبه صحراوية جنوب الخليل في الضفة الغربية، وتتألف من اثنتي عشرة قرية يسكنها بشكل رئيسي مزارعون ورعاة عرب فلسطينيون منذ القرن التاسع عشر. ومن بينهم باسل عدرا المحامي والصحافي الشاب الذي قرر تكريس حياته لتوثيق همجية الاحتلال التي أحاطت به منذ الطفولة.
في الواقع، بعد حرب الأيام الستة عام 1967، أصبحت مسافر يطا هدفا للاحتلال الإسرائيلي حتى تم إعلانها في أوائل الثمانينات منطقة تدريب عسكري – ما يسمى بمنطقة إطلاق النار 918 – وتم إضفاء الشرعية على هذا الاعتداء في عام 2022 بحكم صادر عن المحكمة العليا في إسرائيل، وسبق أن مارسته بشكل منهجي لأكثر من خمسين عاما، من خلال أوامر هدم المباني والسيطرة العسكرية الخانقة على حركة الطرق.
مشاهد دون روتوش
في مثل هذا السياق، ليس من المستغرب أن تتم عرقلة المعلومات أيضا من قبل الجنود، مما يجعل عمل النشطاء والصحافة الدولية أمرا صعبا للغاية. لهذا السبب اختار الصحافي باسل أن يقف كصوت سردي لسكان قرية تستباح بأكملها، ويظهر من الداخل واقعا مقدرا له أن يظل مجهولا.
يقدم فيلم “لا أرض أخرى” نفسه أولا وقبل كل شيء كوثيقة إدانة للعمليات المدمرة التي تقوم بها حكومة نتنياهو. إنه “ريبورتاج” صحفي يتكون من عدد كبير من مقاطع الفيديو تم تصويره بين شتاء 2019 وخريف 2023 بواسطة باسل نفسه وبهاتف أو كاميرا فيديو صغيرة. وسرعان ما توقف باسل عن كونه بطلا وحيدا وانضم إليه يوفال أبراهام الناشط الإسرائيلي والصحافي الاستقصائي الذي جاء إلى الضفة الغربية من مدينة بئر السبع القريبة لتقديم مساهمته في معارضة الاحتلال وفضح وحشيته.
الفيلم يرتقي إلى قمة الشكل الوثائقي في نقل صادق وواقعي للوجع الفلسطيني، بأمانة ودون أي خطاب سياسي عقيم
ينضم إلى باسل ويوافال زميلان آخران هما المصور الفلسطيني حمدان بلال والصحافية الإسرائيلية راشيل زور. وضع المخرجون الأربعة بحكمة وجهات نظرهم ورؤاهم الفنية في خدمة نقل حقيقة ما يجري من تجاوزات من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، وبناء جزء من الهوية في مواجهة العنف الذي يعاني منه سكان مسافر يطا واستغلال الصور بذكاء لإظهار قسوة جيش الاحتلال قبل كل شيء.
تتناوب لقطات أرشيف باسل ويوفال مع صور للحياة اليومية للسكان، الذين يواصلون حياتهم وهم يتنقلون بين الأنقاض الجسدية والنفسية التي خلفتها الشراسة العسكرية الإسرائيلية. ليس ذلك فحسب، فالاعتماد على أرشيف عائلة باسل الفلسطينية يظهر لنا نفاق الحكومة الإسرائيلية التي تعلق مؤقتا عمليات الهدم بعد زيارة توني بلير، والحيل التي ابتكرها السكان ليكونوا قادرين على بناء مدرسة لأطفالهم، وهيكلة نظام الفصل العنصري الذي يناور بلوحات سيارات للتمييز بين اليهود والعرب.
يدعم كل ذلك الموسيقى التصويرية لجوليوس بولوكس روثلاندر المستنبطة من الواقع المأساوي والحزين، وتوزيعها باعتدال من أجل خلق جو من الحنين إلى الماضي، كما لو كان كل شيء معلقا في ديستوبيا مروعة. كل شيء يتدفق أمام أعين المشاهد دون روتوش، في فسيولوجيا الأحداث المؤلمة بشكل متزايد، ومشاهد الفصل العنصري، والاستبدال العرقي، والاختلاس، والإبادة الجماعية. وما تبقى بعد مرور الجرافات الإسرائيلية ليس سوى ظلال جثث تعرضت للضرب من أجل الحفاظ على الحق في الأرض والوطن.
غرباء في بلدنا
في عام 1980 بدأ الجيش الإسرائيلي بطرد سكان مسافر يطا بسبب إنشاء “منطقة إطلاق نار”. لكن الوثائق الرسمية تشهد على السبب الحقيقي لتحويل القرية إلى منطقة تدريب عسكري: الإرادة السياسية لطرد القرويين الفلسطينيين من أراضيهم.
يروي الفيلم قصة عائلات تم طردها بعنف، أو أخذ متعلقاتها على عجل ففي بعض الأحيان لم يكن لديها الوقت أو الإذن لأخذ أي شيء يخصهم. يحكي العمل عن البحث المتواصل عن الرجال والنساء والأطفال وكبار السن الذين يضطرون إلى الاستقرار بشكل دائم في كهوف غير صحية لأنهم لا يملكون أرضا أخرى يذهبون إليها غير أرضهم. ويكشف الهجمات المميتة التي شنها المستوطنون المتطرفون تحت أنظار الجيش الإسرائيلي.
يعكس الفيلم، وهو إنتاج مشترك بين فلسطين والنرويج، قصة الصداقة المعجزة بين مصور الفيديو الفلسطيني باسل عدرا والناشط الإسرائيلي يوفال أبراهام، وكلاهما مؤلفان مشاركان للفيلم الذي وثقاه معا لسنوات لرواية قصة هذه المضايقات التي لا نهاية لها والأمل في أن يريا في يوم من الأيام السلام والعدالة وإعادة الحق إلى أصحابه. هذه المعركة غير المتوازنة بين السكان المحرومين من الوسائل والعدالة الظالمة، ترصد مقارعة بطش جيش الاحتلال الذي يريد سلب تلك الأراضي لجعلها منطقة عسكرية مع تجاهل تام للسكان المحليين، بمن فيهم الأطفال وكبار السن والمعوقون.
كل شيء يتدفق أمام المشاهد دون روتوش، في فسيولوجيا الأحداث المؤلمة بشكل متزايد، ومشاهد الفصل العنصري
منذ أكثر من خمس سنوات، يقوم باسل عدرا، وهو ناشط فلسطيني في الضفة الغربية، بتصوير طرد أهله وشعبه من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي يدمر القرى الفلسطينية تدريجيا ويهجر سكانها. ويتم تجريف القرى والفلسطينيين الذين يجدون أنفسهم يتعرضون للمعاملة الوحشية من قبل الجيش الإسرائيلي وإطلاق النار عليهم. يعرف من يتعامل معه، لأن والديه وأجداده كانوا يقاتلون أيضا ضد المحتل.
ولد باسل عدرا ونشأ في جنوب الضفة الغربية في قرية صغيرة في مسافر يطا، وثق تدمير قريته من قبل الجيش الإسرائيلي من عام 2019 إلى عام 2023، معتمدا على حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بإخلاء سكانها وإنشاء معسكر عسكري. في معركته يتقاطع باسل عدرا مع الصحافي الإسرائيلي يوفال أبراهام الذي سيدعمه في جهوده ويثور على القرارات اللاإنسانية التي تتخذها بلاده.
تصف العديد من المشاهد صمود العائلات في هذه الكهوف الفقيرة، حيث يلعب الأطفال، والأمهات اللواتي فقد بعضهن أبناءهن، ويسعين جاهدات للحفاظ على التعليم والشباب الذين يحلمون بمستقبل آخر أجمل. هذه الصورة الجميلة جدا عن الصمود الفلسطيني، تعيد إلى هذه العائلات التي تعرضت للازدراء ظلما صورة الأشخاص الذين لا يستسلمون للهمجية ولكنهم يحاولون يوما بعد يوم البقاء على قيد الحياة على الرغم من مضايقات الجيش الإسرائيلي.
بالنسبة لسكان مسافر يطا، وهي مجموعة من 19 قرية فلسطينية في جنوب تلال الخليل يسبق وجودها دولة إسرائيل بأكثر من 60 عاما، أدى احتلال الأخيرة للضفة الغربية إلى عقود من القمع والاستنزاف الذي يستهدف تهجيرهم. في الفيلم صور الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني موجودة في كل مكان. من الأخبار إلى وسائل التواصل الاجتماعي. للوهلة الأولى، لا تبدو الصور التي تشكل “لا أرض أخرى” مختلفة تماما، ومع ذلك فإن أصلها فريد بشكل جذري لأنها تأتي مباشرة من داخل القرى الفلسطينية التي أفرغها الجيش الإسرائيلي ودمرها.
هذه الصور التي تم التقاطها على مدى شهور وسنوات بواسطة الهواتف والكاميرات الخفية إلى حد ما، تم تجميعها هنا من قبل مجموعة من أربعة صانعي أفلام (ثلاثة رجال وامرأة). في الوقت الذي يراقب العالم همجية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحتل، تم تعزيز نظام القمع والهيمنة الممنهجة للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
باسل عدرا ويوفال أبراهام يقدمان فيلمهما كوثيقة إدانة للعمليات المدمرة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي
يعرض هذا الفيلم بطريقة ملموسة انتهاكات حقوق الإنسان التي وثقتها منظمة العفو الدولية. ويكشف بطريقة إنسانية وملموسة تداعيات عمليات الهدم والاستعمار والتمييز والعنف اليومي الذي يتعرض له الفلسطينيون، ويسلط الضوء على نظام الفصل العنصري الذي تمارسه السلطات الإسرائيلية.
الفيلم صرخة من القلب ودعوة إلى المساعدة من المجتمع الدولي، تسمح بتذكير أكبر عدد ممكن من الناس بالعديد من الانتهاكات التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي مع الإفلات من العقاب. إذ يوثق الهدم المنهجي لمساكن الفلسطينيين في الضفة الغربية، المشاهد الرهيبة التي تمر أمام عين المشاهد، من هدم المنازل إلى وفاة أحد السكان الذين قتلوا من مسافة قريبة على يد مستوطن، مشاهد مؤثرة لأنها وثيقة لوصف همجية المحتل.
جنود الاحتلال وبإذن غامض من محكمة لا يكون للفلسطينيين رأي فيها، يدفعون النساء والأطفال المسنين، ويفشلون في الاستجابة لمناشداتهم بالتوقف، ويطردون السكان الذين تعيش عائلاتهم في المنطقة منذ عام 1830. لا يسمح للسكان بالتصويت ولوحات ترخيصهم تميزهم عن الإسرائيليين. نرى نساء ينقذن سجادهن من تحت الأنقاض، “ليس لدينا أرض أخرى”، يقولها أحد السكان، وهي عبارة أصبحت عنوان الفيلم الوثائقي.
“لا أرض أخرى” هي قطعة من المقاومة ولكنها أيضا من صور طيبة وإنسانية الفلسطيني. عندما يكون المخرج باسل عدرا على وشك الاعتقال، تخبره والدته بما تقوله الأمهات في الكثير من الأحيان “ارتد معطفا”، كما تنصح أمهات المناضلين.
يقول أحد القرويين إن عائلته تعيش هنا منذ ثلاثينات القرن التاسع عشر. هذا لا يمنع الجنود الإسرائيليين من تدمير منازل الناس بالأرض. لا يسمح للقرويين بإعادة بنائها، لأن ذلك يتطلب تصريح بناء. وللحصول على رخصة بناء، تحتاج إلى التقدم بطلب إلى محكمة إسرائيلية. لذلك يعيدون بناء منازلهم ليلا قبل أن تعود الجرافات. يضطر الكثير من الناس الآن إلى العيش في الكهوف. ويتم حبس الأطفال أولا في فصولهم الدراسية، ثم يجبرون على الخروج تحت تهديد السلاح.
يروي باسل بفخر قصة كيف تم بناء مدرسته، المدرسة الوحيدة في القرية. في العادة، يتم تعطيل أي أعمال بناء من قبل الجنود الإسرائيليين، لكن والدة الصحافي والمخرج باسل كانت لديها خطة في النهار، كانت النساء والأطفال يعملون في موقع البناء، وفي الليل يقوم الرجال بإنجاز المهمة. والمثير للدهشة أن الخطة نجحت، وسرعان ما تم بناء المدرسة.
في معظم الأوقات، لا يعرف باسل الكلل أو الملل، لكنه يشعر أحيانا بالهزيمة. في مرحلة ما، يقول إنه لا يريد أن ينتهي به الأمر مثل والده، ليس لأنه ليس فخورا بنشاط والديه، ولكن لأنه غير متأكد مما إذا كانت لديه قوة وصمود والده. يفكر في التراجع عن النشاط، لأنه متعب، وبعد اعتقال والده، يجب على شخص ما أن يتولى إدارة محطة الوقود الخاصة به (في الحقيقة، مضخة واحدة) لضمان إعالة الأسرة للبقاء على قيد الحياة.
في أحد المشاهد، يصرخ باسل قائلا إن لديه بطاقة هوية صحفية، لكن هذا لا يحميه من الضرب الوحشي. ومع ذلك، مهما بدا الأمر غير مجد، كما يقول باسل، فإن حقيقة ثبات أهالي القرية وكفاحهم دليل على قدرتهم على الصمود. وجودهم في حد ذاته هو مقاومة وصمود بطولي. أصبح الاستحمام في المنزل أمرا صعبا بشكل متزايد. لا يدمر الجنود الإسرائيليون المنازل فحسب، بل كل مصادر المياه أيضا. يتم سكب الخرسانة في البئر الرئيسي، ويتم تقطيع الخراطيم، ومهاجمة الأنابيب وأي مصدر مائي آخر.
ولم تكن الاعتداءات المستمرة من قبل الجنود وحدها، بل يضاف لها ما يتعرضون له من المستوطنين الإسرائيليين المسلحين بالبنادق ومضارب البيسبول. على عكس الفلسطينيين المحتجين، لا يتعرض المستوطنون للهجوم من قبل الجيش، بل نرى جنودا يرافقونهم ويحمونهم عند اعتداءاتهم المتكررة. في أحد المشاهد الأخيرة، نراهم يطلقون النار على أحد الفلسطينيين من المدنيين، مما يؤدي إلى استشهاده على الفور. جندي يراقب الجريمة بتساهل. علمنا لاحقا أن الضحية كان ابن عم المخرج باسل عدرا.
الصحافة مفتاح الرواية
ولد باسل في عائلة مناضلة، ولهذا السبب فهو من ناحية متحمس لتنفيذ أفكاره، ولكنه قلق باستمرار على عائلته وخاصة والده، الناشط وصاحب مضخة الوقود، الذي اعتقل عدة مرات، بما في ذلك أثناء التصوير. المخرج/ بطل الرواية هو جزء من واقع يكون فيه هدم المنازل أمرا يوميا، ولوحات ترخيص الإسرائيليين والفلسطينيين مقسمة حسب الألوان (الأصفر والأخضر)، لأن الأول لديه تصريح بالانتشار بحرية، في حين أن الثاني محدود جدا.
من ناحية أخرى لا يواجه يوفال مشكلة في زيارة والدته، ثم العودة، بينما يخضع السكان الفلسطينيون لفحوصات متكررة. يحظر على امرأة زيارة ابنها في المستشفى، وهو شاب أطلق عليه جنود إسرائيليون النار، وأصيب بالشلل، لمحاولته استعادة بعض الأدوات.
ولدت فكرة إظهار ما كان يحدث في قرية مسافر يطا منذ سنوات من لقاء يوفال إبراهام مع باسل عدرا. هدفهما هو أن يصبحا شهودا ووسطاء في الحاضر على همجية جيش الاحتلال الصهيوني. التقى يوفال مع باسل عندما وصل إلى قريته لكتابة مقال عن الإخلاء القسري للقرى الفلسطينية. يواصل العودة يوما بعد يوم، ويتمكن من بناء علاقة شخصية وثيقة معه بشكل متزايد، من الاحترام المتبادل، والتعامل الإنساني والمهني، مما يسمح لكليهما بمواجهة بعضهما البعض حتى في أصعب القضايا.
على الرغم من أن يوفال لديه الشجاعة ليزأر، أمام الكاميرات، ضد جنود الجيش الإسرائيلي، إلا أنه في نهاية المطاف لم يتأثر حقا بما يسميه هو نفسه الفصل العنصري. يمكنه الدخول والخروج من القرية دون أي سيطرة، فهو يقود السيارة بلوحة اللون المناسب للتحرك بحرية، ويمكنه التمتع بحقوقه وعدم الخوف من أن يجره الجنود من منزله، على عكس الصحافي والمخرج الفلسطيني باسل، هذا هو الصدع الذي يقسم تجارب المخرجين إلى عالمين لن يكونا قادرين أبدا على التواصل بطريقة كاملة، لكنهما، يكتفيان بمشاركة نفس فكرة رفض هذا التميز، يحاولان استخدام شهادة الصور، قوة التقارير الصحفية، كأداة للاستفادة من الرأي العام.
منذ عرضه الأول في مهرجان برلين فاز الفيلم في عام واحد بجميع جوائز الأفلام الكبرى التي تم ترشيحها لها، ليصبح أحد أكثر الأفلام تتويجا لعام 2024. في مهرجان برلين (حيث حصل الفيلم على جائزتين) أثار الفيلم اتهامات بمعاداة السامية من السياسيين الألمان وتهديدات بالقتل في إسرائيل.
في مساء الرابع والعشرين من مارس 2025، تعرض المخرج والمصور الفلسطيني حمدان بلال أحد صناع الفيلم الحائز على جائزة الأوسكار، لاعتداء عنيف من قبل مستوطنين قرب بلدة سوسيا، حيث يقطن، ليس بعيدا عن مسافر يطا محور الفيلم الذي فضح انتهاك قوات الاحتلال والمستوطنين، قبل أن يعتقله جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذين أفرجوا عنه في اليوم التالي، ليتوجه إلى مستشفى بمدينة الخليل وملابسه ملطخة بالدماء.
يجدر بنا أن نتذكر خطاب وكلمات يوفال إبراهيم “نحن هنا الآن أمامكم، أنا وباسل، ونحن في نفس العمر. أنا إسرائيلي، وباسل فلسطيني. وفي غضون يومين سنعود إلى أرض لا نعتبر فيها متساوين. على عكس باسل، أنا لا أعيش بموجب قانون عسكري. نحن نعيش على بعد 30 دقيقة، لكن لدي الحق في التصويت، باسل لا يفعل ذلك. أنا حر في التنقل أينما أريد في هذه الأرض، بينما باسل، مثل ملايين الفلسطينيين، عالق في الضفة الغربية المحتلة. يجب أن ينتهي وضع الفصل العنصري، هذا الظلم.”
يخلط الفيلم صور الهواتف المحمولة المحطمة للمشاجرات العسكرية مع لقطات أرشيفية ونشرات إخبارية تلفزيونية ولقطات حالمة ضعيفة لقرى ليلية مغبرة مضاءة بمصابيح كهربائية. في بعض الأحيان، تندمج صور اليوم مع صور جيل مضى، عندما نرى في الأفلام المنزلية والد باسل عدرا يحتج على نفس المظالم، وهي دورة لا نهاية لها. ذكرياته الأولى هي أول اعتقال لوالده.
تكشف الصور الأحداث التي وقعت بقوة. يغزو الجنود الإسرائيليون القرى ويدمرون المنازل والمباني، بما في ذلك مدرسة ابتدائية بداخلها أطفال. يعيد السكان البناء، غالبا في الليل، لكن القوات تعود وتهدمها مرة أخرى، وتصادر مواد البناء أيضا. وتشمل الإجراءات الأخرى المتخذة قطع الكهرباء والمياه وحظر استخدام السيارات. تصل الأمور إلى ذروتها عندما أطلقت الشرطة النار على قروي يدعى هارون أبوعرم، مما جعله مشلولا، وأثار ذلك مظاهرات تتعرض بدورها للهجوم من قبل الحكومة. وفي الوقت نفسه، ينتهي الأمر بالعديد من العائلات للعيش في الكهوف، حيث ليس لديهم مكان للعيش فيه بعد انهيار منازلهم.
في الختام “لا أرض أخرى” ليس مجرد فيلم وثائقي، لكنه علامة على حياة مجتمع لم يستسلم أبدا مع ميزة كبيرة تتمثل في إجبار المشاهد على التعاطف من دون ابتزازه. لا يحتاج إلى زخرفة غير ضرورية لإبراز لغته، لأن الواقع بالفعل بليغ بما فيه الكفاية في حد ذاته. عمل قادر على الارتقاء إلى قمة الشكل الوثائقي في نقل صادق وواقعي للوجع الفلسطيني، بأمانة ودون أي خطاب سياسي عقيم. يجسد هذا الفيلم الوثائقي قصة نضال قرية في الضفة الغربية على مدى عدة سنوات ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي يدمر القرى تدريجيا ويطرد سكانها.