اخبار الإقليم والعالم
«فوضى» أم رؤية شاملة؟.. 4 مشروعات تحدد أجندة ترامب
منذ عودته للبيت الأبيض، تحرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته بسرعة كبيرة في سلوك وصف بأنه «مليء بالتناقضات المتكررة، وكسر الأعراف، والتسرع الواضح»، مما يُعطي انطباعًا بعدم وجود خطة شاملة.
لكن الواقع يشير إلى سعي ترامب وفريقه إلى تحقيق رؤية متماسكة نسبيًا، تمثل مزيجا من 4 مشروعات رئيسية مترابطة وهي مشروع اجتماعي ثقافي، ومشروع اقتصادي، ومشروع سياسي، ومشروع للسياسة الخارجية، وفقا لما ذكرته مجلة "فورين بوليسي" في تقرير لها.
وأوضح التقرير أنه لفهم الوجهة التي يسعى ترامب إلى إيصال الولايات المتحدة إليها، من الضروري فهم كل مشروع من هذه المشروعات على حدة، فجمعها معًا يهدف إلى إعادة صياغة القيم والمعايير والأهداف الجوهرية للهوية الوطنية للولايات المتحدة، وإعادة توجيه البلاد نحو مسار أكثر محافظةً وانغلاقًا
1- مجتمع محافظ
يسعى مشروع ترامب الاجتماعي والثقافي لجعل المجتمع الأمريكي أكثر محافظةً بشكل جذري في جوانب متعددة.
وتعرف إدارة ترامب "المحافظ" بطرق مألوفة وجديدة فهي تتبنى أولويات راسخة في حرب الثقافة، بما في ذلك القانون والنظام، وما يُسمى بالقيم الاجتماعية التقليدية، وإعطاء الدين مكانة أكبر في الحياة العامة لكنها تُضيف معاداة واضحة للنخبوية.
ويشكل هذا التوجه القضايا التي تتصدر الأجندة الاجتماعية والثقافية لإدارة ترامبت، فسياسات الهجرة "الأرض المحروقة" تهدف إلى تعزيز القانون والنظام، والحد من قلق البيض، وتقليل المنافسة الوظيفية للأمريكيين من الطبقة العاملة.
بينما تعكس محاولات القضاء على مبادرات التنوع والمساواة والشمول في المؤسسات العامة والخاصة رغبة الإدارة في التراجع عما تعتبره إعادة هندسة تقدمية للمجتمع استمرت لعقود.
كما تسعى الإدارة إلى تغييرات اجتماعية إضافية تستند إلى رؤى الحرب الثقافية التقليدية أو شعبوية "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" بما يشمل تخفيف لوائح ضبط الأسلحة، وتقييد الوصول إلى الإجهاض وتنظيم النسل، وإعطاء الأولوية للقيم المسيحية في الحياة العامة، وزيادة خيارات التعليم، وتقليص صلاحيات وزارة التعليم، وإعادة صياغة السياسات المتعلقة بالمتحولين جنسيًا، ومهاجمة الإجماع الطبي بشأن لقاحات الأطفال.
2- اقتصاد يُعاد تشكيله
يسعى ترامب وفريقه -أيضًا- إلى إعادة صياغة الاقتصاد الأمريكي ويؤكدون على العناصر الرئيسية للأجندة الاقتصادية المحافظة التقليدية بما يتضمن خفض الضرائب، وتخفيف اللوائح، وزيادة إنتاج الطاقة باستخدام الوقود الأحفوري.
وتشبه هذه التغييرات نهج الإدارات الجمهورية السابقة، لكن فريق ترامب يذهب بها إلى أبعد من ذلك بكثير ليس فقط من خلال تقليص اللوائح، بل أيضًا من خلال محاولة تفكيك الدولة التنظيمية جذريًا، وليس فقط من خلال تجاهل أزمة المناخ، بل من خلال العمل على عكس الجهود المبذولة لمعالجتها.
كما أضافت الإدارة هدفًا أكثر ترامبية مثل إعادة تشكيل الاقتصاد نحو تصنيع محلي أكبر من خلال فرض التعريفات الجمركية التي تمثل أيضا وسيلة لعقاب الدول الأخرى، وهناك إجراءات تنطوي على التعامل المالي الذاتي للرئيس وعائلته ومستشاريه وأنصاره.
3- نظام سياسي جديد
يسعى ترامب وفريقه -أيضًا- إلى إعادة هيكلة النظام السياسي الأمريكي بحيث يسيطر الرئيس على جميع أجزاء السلطة التنفيذية ويكون قادرًا على قمع الانتقادات والتحديات الداخلية، أو على الأقل الحد منها بشكل كبير.
ولتحقيق هذا، عزز ترامب سلطته على الوكالات المستقلة، واتخذ خطوات لكسب سيطرة سياسية أكبر على الخدمة المدنية، ومنح وزير العدل صلاحية قيادة عملية إضعاف واستنزاف البيروقراطية الفيدرالية كما يُعزز التحزب في العلاقات المدنية العسكرية.
ويسعى ترامب أيضا إلى تشديد السيطرة على رؤساء الوكالات الفيدرالية، بتعيين أشخاصٍ غير مؤهلين وغير مهنيين ووضع "مستشارين" سياسيين حول رؤساء الوكالات لضمان تنفيذهم لأوامره.
وسعى ترامب للحد من قدرة المحاكم والكونغرس على تقييد سلطته حيث ينتقد الرئيس وفريقه القضاة الذين يصدرون أحكامًا مخالفة لسياساته ويشككون في سلطة المحاكم ويتجاهلون الأحكام القضائية التي لا تعجبهم، أو يطيعونها جزئيًا وببطء.
وتتحدى الإدارة الدور المالي للكونغرس من خلال مصادرة الأموال المخصصة، وتفكيك الوكالات الفيدرالية وغيرها من المؤسسات دون إذنه والسعي إلى تقليص أو تجاهل رقابته.
وتسعى الإدارة إلى تقييد سلطة حكومات الولايات عبر التهديد بحجب التمويل لإجبارها على التوافق مع السياسات الفيدرالية، مثل سياسة الهجرة.
وتعمل الإدارة على كبح جماح المعارضة من خلال الطعون القانونية والتهديدات المالية والهجمات الخطابية والانتقام من المحامين المرتبطين بإجراءات قانونية سابقة ضد ترامب، والهجوم على وسائل الإعلام المستقلة والجامعات والمؤسسات المدنية الأخرى.
4- دور متغير في العالم
انطلاقا من شعار "أمريكا أولا" يُغيّر ترامب وفريقه السياسة الخارجية الأمريكية استنادا لقناعة الرئيس بأن الولايات المتحدة وضعت دائما مصالح الدول الأخرى فوق مصالحها، وعانت من الاستغلال وسوء المعاملة.
جوهر هذا المشروع هو انسحاب واشنطن من دورها كضامن للأمن الدولي القائم على القواعد والنظام الاقتصادي، والسعي بدلاً من ذلك إلى صفقات تجارية تعود بالنفع المباشر على الولايات المتحدة، والتركيز على الإكراه أكثر من التعاون، وعلى المصالح الوطنية المباشرة بدلاً من القيم الدولية الأوسع.
ويعني هذا تقليص مشاركة الولايات المتحدة في المحافل الدولية وتقليص الضمانات والالتزامات الأمنية الأمريكية، ونقل أعباء الدفاع إلى الشركاء وهو ما يتجلى في السعي لصفقة مع إيران واتفاق بين روسيا وأوكرانيا، وهي المساعي التي تهدف أيضا لتحقيق طموح ترامب في أن يكون صانع سلام عالمي.
كما تشمل هذه الرؤية إنهاء أو تجنب الالتزامات القانونية التي قد تقيد قوة الولايات المتحدة إلى جانب التوسع الإقليمي الذي تجلى في سياساته تجاه كندا وغزة وغرينلاند وقناة بنما.
وتستخدم إدارة ترامب التعريفات الجمركية وغيرها من أشكال الضغط الاقتصادي أو الدبلوماسي لإجبار الدول الأخرى على خفض التعريفات الجمركية على السلع الأمريكية وشراء المزيد منها.
فيما تتضمن الأجندة الاقتصادية تعظيم وصول الولايات المتحدة إلى الاحتياطيات العالمية من المعادن الاستراتيجية، والتوقف إلى حد كبير عن تقديم مساعدات التنمية الاقتصادية للدول الأخرى.
وفي توجه أيديولوجي، يبني ترامب شبكة من الأصدقاء الشعبويين اليمينيين ويسعى إلى تعزيز ثرواتهم السياسية.
ورغم التوترات الواضحة بين هذه المشروعات الأربعة مثل صعوبة التوفيق بين دعوات تقليص دور الحكومة الفيدرالية وتدخلات الإدارة في مجالات معينة، إلا أن إدارة ترامب تنظر إلى هذه المشروعات على أنها تعزز بعضها البعض.
ويسير تحويل الاقتصاد جنبًا إلى جنب مع إعادة ضبط الوضع الاقتصادي الدولي للولايات المتحدة، كما أن إرساء سلطة تنفيذية مطلقة الصلاحيات وغير مقيدة ليس مجرد هدف شخصي لترامب، بل هو أيضًا أمر أساسي لفرض تغييرات اجتماعية وثقافية صارمة، والسعي إلى سياسة خارجية شديدة التمحور حول شخصه والتي يعتقد من خلالها أنه قادر على "إدارة البلاد والعالم".