اخبار الإقليم والعالم
عناد نتنياهو يدفع ترامب لوقف التنسيق مع إسرائيل حول النووي الايراني
في تحول لافت يعكس تبايناً في الرؤى بين واشنطن وتل أبيب، قررت الإدارة الأميركية وقف التنسيق العسكري مع إسرائيل بشأن أي عمل محتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية، في خطوة تبرز تفضيلها للمسار التفاوضي وتؤكد استقلالية القرار الأميركي بعيداً عن ضغوط الحلفاء.
ووفق ما أفادت به القناة 12 الإسرائيلية، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجّه أوامر مباشرة إلى وزارة الدفاع بوقف التنسيق العملياتي مع إسرائيل بشأن ضربة عسكرية محتملة ضد إيران، تزامناً مع إحراز تقدم ملحوظ في المحادثات النووية الجارية بين واشنطن وطهران.
هذا القرار يأتي في وقت حساس، إذ يشهد الملف النووي الإيراني حالة من الزخم السياسي بعد عقد خمس جولات تفاوضية بين الجانبين خلال الأسابيع القليلة الماضية، هي الأولى بهذا المستوى منذ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015.
الرئيس الأميركي لم يتردد في الإفصاح عن موقفه، إذ قال في تصريح للصحفيين الأربعاء: "أبلغت نتنياهو أن أي عمل عسكري في الوقت الراهن ليس ملائماً. نحن نقترب من اتفاق، وإذا نجحنا في ذلك، سنمنع اندلاع حرب وننقذ أرواحاً كثيرة."
رسالة ترامب كانت حاسمة: لا مجال لمغامرات عسكرية قد تجهض مسار التفاوض في لحظاته الحاسمة. هذا التوجه يعكس فلسفة الإدارة في تجنب الانجرار إلى صراعات قد تُخرج الأمور عن السيطرة، خصوصاً في ظل مؤشرات على استعداد إيراني أكبر للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وربما حتى قبول زيارات من مفتشين أميركيين في حال إبرام اتفاق.
هذا التطور أعاد تسليط الضوء على التباينات بين واشنطن وتل أبيب، خصوصاً في ما يتعلق بالتعامل مع إيران. فبينما تمضي إسرائيل في حشد قدراتها العسكرية ورفع وتيرة تهديداتها بضربات استباقية، تميل واشنطن إلى استراتيجية الاحتواء السياسي والدبلوماسي، وهو ما يبدو أنه أحدث تصدعاً في لغة التنسيق بين الطرفين.
ويقرأ مراقبون هذه الخطوة كإشارة على فتور غير معلن في العلاقات الثنائية، فالتوقف عن التنسيق في ملف بهذه الحساسية ليس مجرد إجراء فني، بل يحمل في طياته رسائل سياسية تتعدى طهران لتصل إلى تل أبيب نفسها.
قرار وقف التنسيق لم يكن فقط بهدف التهدئة أو دعم المسار التفاوضي، بل أيضاً لإعادة التأكيد على أن الولايات المتحدة لا تتلقى إملاءات في قضايا تمس أمنها القومي، حتى من أقرب حلفائها.
تاريخياً، حافظت واشنطن على التزام أمني وثيق بإسرائيل، إلا أن ذلك لم يكن على حساب أولوياتها الاستراتيجية. ومع تصاعد حدة الخطاب الإسرائيلي، بدا واضحاً أن الإدارة الأميركية تسعى للفصل بين التزامها بأمن إسرائيل وبين تبني خططها العسكرية في التعامل مع إيران.
في جانب آخر، يُنظر إلى قرار واشنطن كنوع من "حسن النية" في سياق التفاوض مع إيران، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى طمأنة طهران بأنها جادة في محاولة التوصل إلى اتفاق جديد، وأنها ليست بصدد استخدام المحادثات كغطاء لتحضير ضربة مفاجئة.
وقد ألمحت إيران، في المقابل، إلى مرونة غير مسبوقة حين أعلنت أنها قد تنظر في السماح لمفتشين أميركيين تابعين للوكالة الدولية للطاقة الذرية بدخول منشآتها، شريطة التوصل إلى اتفاق نهائي.
وإدارة ترامب، وعلى الرغم من خطابها المتشدد في ملفات عدة، بدت أكثر حرصاً في التعامل مع إيران، خصوصاً في مرحلة كانت فيها المحادثات تشهد زخماً دبلوماسياً. وتدرك واشنطن أن أي ضربة إسرائيلية – حتى لو تمت بدعم غير مباشر – قد تفتح الباب أمام ردود فعل عنيفة من طهران، وتهدد بإشعال المنطقة بأكملها.
كما أن استئناف تصدير النفط الإيراني، وضمان أمن الملاحة في الخليج، واستقرار أسواق الطاقة، كلها عناصر حيوية في حسابات الأمن القومي الأميركي، لا يمكن المخاطرة بها من أجل عمل عسكري قد يكون أثره عكسياً.
في الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي" حيال ما تعتبره خطراً وجودياً، تؤكد واشنطن أنها ستواصل دعم أمن إسرائيل، ولكن بطرق لا تعرقل المساعي الدبلوماسية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن إسرائيل تواصل استعداداتها لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ما يزيد من تعقيد المشهد ويضع واشنطن أمام تحدي الحفاظ على توازن صعب بين الحليف القريب والمفاوض الصعب.
ويبقى أن قرار وقف التنسيق مع إسرائيل بشأن إيران ليس مجرد تكتيك مؤقت، بل انعكاس لتحول استراتيجي في نهج الإدارة الأميركية تجاه واحدة من أكثر القضايا حساسية في الشرق الأوسط. فبين ضغوط الحلفاء، وإغراءات الحسم العسكري، تراهن واشنطن على نافذة دبلوماسية قد لا تُفتح مجددًا قريباً، وتحاول أن تصنع السلام بأدوات السياسة لا بالسلاح.