اخبار الإقليم والعالم
قانون التعبئة العامة يمهد لوضع سياسي وأمني استثنائي في الجزائر
تضاربت التأويلات في الجزائر بشأن مصادقة مجلس الوزراء على قانون التعبئة العامة، بين من يراها استعدادا لأخطار محدقة بالبلاد على الحدود في ضوء الوضع بمالي، وبين من يعتبر أن القانون هو وجه من أوجه التجاذب بين أجنحة السلطة، وأن تفعيله يقطع الطريق على أيّ محاولة للتغيير من الداخل.
ويقلل مراقبون للشأن الجزائري من أن يكون المعطى الخارجي وراء الدفع بقانون يضع الصلاحيات كلها بيد الرئيس عبدالمجيد تبون، مشيرين إلى أن المخاوف من الوضع في مالي ما تزال محدودة لأن المواجهات بين المجلس العسكري الحاكم والمجموعات الانفصالية تتم داخل الأراضي المالية إلا إذا كانت لدى الجيش الجزائري نية التدخل بشكل مباشر في الصراع لدعم الحركات الأزوادية، وهو أمر مستبعد.
وإذا كان الحث على التعبئة في ما يتعلق بالوضع في مالي، فلن يتجاوز الهدف من الاستعراض إظهار أن المؤسسة العسكرية قوية وجاهزة لأيّ تحديات وأن النظام متماسك في رسالة موجهة بالدرجة الأولى إلى الداخل، حيث بدأت دائرة التساؤلات تتسع بشأن قدرة الجزائر على مواجهة التحديات الإقليمية في تراجع الدبلوماسية الجزائرية والتوتر مع المحيط الإقليمي.
تخويف الجزائريين من خطورة الوضع للقبول بالتغييرات التي تتلاءم مع توازنات داخل السلطة دون أي احتجاجات
ويعزو المراقبون التوجه إلى التعبئة العسكرية والشعبية إلى مسعى من السلطة لفرض وضع سياسي وأمني استثنائي في البلاد، ما يسمح لها بفرض التغييرات التي تتلاءم مع توازناتها الداخلية دون أيّ ضجيج سياسي أو اجتماعي، سواء كان من القوى الحزبية والسياسية، أو من الشارع.
وتتحدث أوساط جزائرية قريبة من دوائر النظام عن أن المغزى من إصدار قانون التعبئة هو قطع الطريق على كل محاولات التغيير من داخل السلطة، الذي تطالب به عناصر من داخلها تعتقد بضرورة القيام بإصلاحات لامتصاص غضب الشارع.
وتم الإعلان عن تعيين قائد جديد لسلاح الدرك الوطني، الواقع تحت وصاية وزارة الدفاع، ويتعلق الأمر بالعميد سيد أحمد برمانة، خلفا للواء يحي علي والحاج، إلى جانب عدد من الضباط المساعدين له، كما تمت تنحية المستشار السياسي المكلف بالعلاقات مع الأحزاب والمجتمع المدني، العقيد شفيق مصباح، ولا تستبعد تغييرات نوعية أخرى في المدى القريب ضمن مسار يستهدف إجراء ترتيبات داخلية للحفاظ على تماسك المؤسسة العسكرية والسياسية.
وأوحت جملة من الخطوات المسجلة في أعلى الهرم السياسي للبلاد بأن السلطة بصدد الذهاب إلى إعلان حالة التعبئة العامة. وبعد المصادقة على القانون التنظيمي للتعبئة العامة من مجلس الوزراء، تم انعقاد المجلس الأعلى للأمن، ولم تبق إلا استشارة رئيس الجمهورية لرئيسي غرفتي البرلمان.
وتعترض خطوات السلطة مشكلة إجرائية تتعلق بوضعية الغرفة الثانية للبرلمان، باعتبار أن الثلث الذي يعينه رئيس الجمهورية، لم يتم إلى حد الآن، رغم إجراء الانتخابات الجزئية منذ عدة أسابيع، فضلا عن عدم استخلاف رئيس الغرفة صالح قوجيل، الذي انتهت مهلته منذ شهرين برئيس جديد.
ورغم أن الآلة الدعائية تسعى بإيعاز من دوائر السلطة إلى إقناع الشارع الجزائري بأن المسألة تتعلق بنص تنظيمي، لتجسيد محتوى البند التاسع والتسعين من دستور البلاد، وليس بإعلان حالة تعبئة، إلا أن الخطاب الرسمي السائد في البلاد، يشي إلى أن الحالة باتت قريبة، في ظل استحضار الوزير المنتدب للدفاع ورئيس أركان الجيش لمناخ المؤامرات والأخطار المحدقة، وتعبئة الإمكانيات والموارد الأمنية والعسكرية تحسبا لأيّ سيناريو.
وأثنى كل من رئيس الغرفة الأولى (المجلس الشعبي الوطني) إبراهيم بوغالي، ورئيس حركة البناء الوطني عبدالقالدر بن قرينة على الخطوة المتخذة من طرف مجلس الوزراء، فضلا عن حملة افتراضية على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو إلى عدم سفر الرئيس تبون إلى العراق للمشاركة في القمة العربية، بدعوى الأخطار التي تستهدف البلاد وشخصه، وكل هذا يوحي بأن التمهيد جار لاستقبال الشارع الجزائري للقرار.
وعرفت الجزائر منذ استقلالها في 1962 حالة وحيدة للتعبئة العامة، أعلنت بعد حرب 1967، وما عدا ذلك لم تعرف أيّ حالة أخرى، حتى في ذروة ما يعرف بحرب الرمال العام 1963، أو أثناء الأزمة الأمنية (1990 – 2000)، واكتفت القيادة العسكرية بإعلان حالة الحصار العام 1992، ثم خفضتها إلى حالة الطوارئ في 1996، وهي الحالة التي لم ترفع إلا في عام 2011.
وتباينت التأويلات في البلاد حول خلفيات ودلالات حرص السلطة على تجسيد البند الدستوري في نص تنظيمي، بالموازاة مع تطورات متسارعة داخليا وخارجيا، غير أن الراجح هو استغلال السلطة للمناخ الجيوسياسي السائد في المنطقة لرسم مسار جديد يتحكم في الوضع الداخلي بشكل تطبق فيه مقتضيات الحالة على حساب النصوص التنظيمية العادية، وهو المسار الذي يكون ليّنا بهذه الوضعية بدلا من إعلان وضع أمني أو سياسي استثنائي تديره المؤسسة العسكرية.
ويرى متابعون للشأن المحلي أن حالة التعبئة العامة، التي تحشد كل الإمكانيات والموارد لصالح السلطة المركزية، تنطوي على إجراءات مرافقة لمختلف القطاعات المدنية، وهو ما ينهي جميع أشكال الاحتجاج أو النقد أو النشاط السياسي، مما يسمح للسلطة بتمرير أجندتها دون إزعاج، وحتى إبعاد الاستحقاقات السياسية والانتخابية بدعوى الوضع القائم، وحتى الدستور قد يتم تعطيله.
ويلفت المتابعون إلى أن حالة التعبئة العامة تغني السلطة عن الحالات الاستثنائية التي يعلنها في الغالب الجيش، وهي وضعية تكون مرفوضة ومثيرة للجدل الداخلي والخارجي، ولذلك فإن الحالة الأولى هي غطاء مدني يأخذ شكله وطبيعته من الأوضاع والمناخ السائد في المحيط.