اخبار الإقليم والعالم

إخوان فرنسا و«الإسلاموفوبيا».. توظيف سياسي يعمق الانقسام

وكالة أنباء حضرموت

مع اقتراب الانتخابات البلدية في مارس 2026، تعود جماعة الإخوان إلى قلب الجدل السياسي في فرنسا، وسط تحذيرات متصاعدة من استغلالها للأحزاب السياسية كقنوات للاستقطاب الانتخابي على أساس الهوية الدينية.

تحذيرات تأتي في سياق سياسي بالغ الحساسية، يتزامن مع صدور نتائج تقرير لجنة التحقيق البرلمانية حول تأثير الإخوان، وما أثاره من نقاش واسع بشأن علاقة بعض قوى اليسار، وعلى رأسها حزب «فرنسا الأبية»، بتيارات الإسلام السياسي، في لحظة تتقدم فيها مسألة توظيف الدين إلى صدارة النقاش العام قبيل الاستحقاق المحلي.

تطورات تتقاطع مع سياق سياسي مشحون تشهده البلاد منذ إحالة تقرير حكومي سابق من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى مجلس الدفاع، حذّر فيه من نشاط منظم للإخوان يهدد القيم الجمهورية، الأمر الذي جعل ملف توظيف الدين في السياسة والاستقطاب الانتخابي عبر الهويات الدينية أحد أبرز القضايا المثيرة للجدل في النقاش العام الفرنسي قبيل الانتخابات.

فكيف يستغل الإخوان الدين كأداة سياسية؟
أكد خبراء سياسيون فرنسيون، في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، أن جماعة الإخوان المسلمين استغلت الأحزاب السياسية في فرنسا على مدار السنوات الماضية، من خلال استراتيجية تهدف إلى استمالة «الصوت المسلم» خلال الانتخابات المحلية.

وأوضح الخبراء أن هذا التوظيف الانتخابي للهويات الدينية يتجاوز حدود الحريات الدينية والتعبير المشروع، ويشكّل تهديداً للمبادئ العلمانية والقيم الجمهورية التي تقوم عليها الدولة الفرنسية.

وعلى مدار السنوات الأخيرة، وخصوصاً خلال الانتخابات الأوروبية والمحلية، واجه حزب «فرنسا الأبية»، موجات متكررة من الهجوم الإعلامي، وسط اتهامات تلاحقه بالسعي وراء «صوت المسلمين» في الأحياء الشعبية، وتربط نشاطاته بقضايا فلسطينية من أجل تحقيق مكاسب انتخابية.

وسلط تقرير اللجنة البرلمانية الفرنسية حول تأثير الإخوان، الضوء على العلاقات بين حزب اليسار «فرنسا الأبية» والإخوان في فرنسا.

من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية في معهد الدراسات السياسية في إكس‑أون‑بروفانس والمتخصص في قضايا الإسلام السياسي في فرنسا فرانك فريجوسي لـ«العين الإخبارية»، إن الإخوان يستغلون الأحزاب السياسية منذ سنوات، معتبراً أن تقرير اللجنة البرلمانية بشان تورط حزب فرنسا الأبية اليسار في التواطؤ مع الإخوان لم يكن وليد اللحظة، بل أصبح استراتيجية متكررة في إطار السعي وراء «صوت المسلم» خلال الانتخابات المحلية.

وأوضح فريجوسي، أن الإخوان المسلمين يمثلون «أحد أشكال الفكر السياسي الذي قد يشكل خطراً على وحدة المجتمع الفرنسي وقيم الجمهورية، إذا لم يراقب بشكل نقدي»، محذراً من المخاطر الموضوعية التي تحيط بالإسلام السياسي ذاته.

وأضاف أن جماعة الإخوان تستغل مصطلح «الإسلاموفوبيا» كغطاء سياسي للدفاع عن أنشطتها وأيديولوجيتها وتحجيم النقد تجاه ما يسميه التوظيف السياسي للدين.

وشدد على أن هذه الاستراتيجية قد تحول النقاش حول الإسلام السياسي إلى موضوع محظور أو منيع ضد النقد، مما يعرقل التحليل العلمي والمنطقي لهذه الظاهرة ويهدد وحدة المجتمع الفرنسي وتعدديته.

ولفت الباحث السياسي الفرنسي إلى أن «الإخوان يستخدمون تهمة الإسلاموفوبيا، لإسكات النقاش الحر والنقد الموضوعي لأيديولوجيتهم، بدل مواجهة الأسئلة حول ما إذا كانت برامجهم وعلاقاتهم تتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية».

أداة سياسية
هذه الاستراتيجية «لا تهدف فقط إلى حماية المسلمين من التمييز، بل باتت أداة سياسية تستخدم لمنع أي تحليل علمي أو فكري لظواهر الإسلام السياسي في فرنسا»، بحسب الباحث السياسي.

وشدد على ضرورة الفصل بين الدين كممارسة شخصية وحق للمواطنين وبين التنظيمات التي تسعى لفرض رؤاها الأيديولوجية على الفضاء العام والسياسي، معتبرًا أن خلطهما يؤدي إلى توتير العلاقات الاجتماعية وتغذية الانقسامات.

وحذر فريجوسي من تحول جماعة الإخوان من حركة اجتماعية فكرية إلى مشروع سياسي يعيد تشكيل المشهد الداخلي الفرنسي بطرق تتعارض مع قيم العلمانية والمساواة، معتبراً أن النقد الموضوعي لهذا المشروع ليس فقط مقبولاً، بل ضروريًا لحماية الجمهورية الفرنسية.

تهديد خطير
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأوروبية المتخصص في الإسلام السياسي، أوليفييه روي لـ«العين الإخبارية»، إن هذا النوع من الاستراتيجيات يشكل تهديدًا للمبدأ الجمهوري الفرنسي الذي يرتكز على المواطنة والحرية والمساواة بين جميع المواطنين بغضّ النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية.

وأضاف روي أنه «عندما يصبح الدين أداة فعّالة داخل الحملات الانتخابية، فإن ذلك ليس فقط استغلالًا للمشاعر الدينية، بل تحويلًا للهويات الشخصية إلى عوامل تُستخدم في تحديد الخيارات السياسية، وهو ما يناقض المبادئ العلمانية للمجتمع الفرنسي».

كيف يتأثر المجتمع الفرنسي؟
الباحث الفرنسي أكد أن الربط بين الإسلام السياسي والتوجهات الانتخابية قد يسهم في تغذية الانقسامات الاجتماعية وتوتر العلاقات بين الجماعات المختلفة داخل فرنسا.

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأوروبية المتخصص في الإسلام السياسي أنه بدلاً من أن تشمل البرامج الانتخابية للمرشحين التركيز على القضايا الاقتصادية والاجتماعية المشتركة، يتم توظيف الدين كوسيلة للتقسيم والتحريض، ما يزيد الشرخ بين المواطنين ويضعف اللحمة الوطنية.

ورأى أستاذ العلوم السياسية الفرنسي أن الإسلام السياسي والجماعات المرتبطة فكرياً بالإخوان المسلمين لا يبذلون جهودًا فقط للدفاع عن حقوق دينية وثقافية، بل يسعون إلى استغلال موقع الدين في الاستقطاب الانتخابي، خصوصاً في الانتخابات المحلية، عبر توظيف الهوية الدينية كأداة سياسية مؤثرة.

وأشار روي إلى أن هذا السيناريو يتجاوز إطار الحريات الدينية والتعبير المشروع ويدخل في حقل المناورة السياسية التي يمكن أن تضعف أسس العلمانية والمواطنة المتساوية في فرنسا.

وأظهر تقرير حكومي أحاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مايو/أيار الماضي، إلى مجلس الدفاع، أن جماعة الإخوان المسلمين تمارس نشاطاً منظماً للتأثير في المجتمع والسياسة الفرنسية، مما يشكل تهديداً للقيم الجمهورية.

وفق التقرير الحكومي الذي كلف بإعداده وزير الداخلية الفرنسي آنذاك (برونو ريتايو)، الجماعة تشتغل من خلال شبكة من الجمعيات والمدارس والمساجد والمنظمات المدنية التي تُعتقد أنها مرتبطة بالإخوان، وينظر إلى أن هذه الشبكة تسعى إلى تغيير المعايير الاجتماعية والسياسية تدريجياً لصالح رؤيتها للأيديولوجيا الإسلامية.

وأشار التقرير إلى أن الإخوان لا يستخدمون العنف، لكنهم يستفيدون من العمل المدني والثقافي والاجتماعي كوسائط لتوسيع تأثيرهم، كما يتم تصوير هذا التأثير على أنه جذر طويل الأمد يمكن أن يؤثر على مؤسسات الجمهورية والعلمانية.

هجمات الحوثي على السفن في 2025.. انحسار التهديد وتبدل قواعد الاشتباك


دماء في مسجد نيجيري عشية «الكريسماس».. شكوك وفرضيات


شيف يحوّل احتفال عيد الميلاد إلى مأساة


الفضة تتفوق على الذهب في 2025.. معدن الظل يسرق البريق من «الملاذ الآمن»