منوعات
الأستاذ محسن فاضل السنيدي.. عطاء تربوي ونضال وطني في ضيافة منتدى القارة بيافع
الأستاذ محسن فاضل سعيد السنيدي من مواليد عام 1952م في قرية المحراس (جبل السنيدي) بمحافظة أبين يافع/ سرار.
نشأ في بيئة ريفية قاسية، وفقد حنان والدته وهو لم يتجاوز العامين من عمره الأمر الذي صقل شخصيته مبكراً، وربطه بالحياة العملية والاعتماد على النفس.
التحق في طفولته بالمعلامة (الكتاتيب) لتعليم القرآن الكريم في الجبل على يد الفقيه عبدالرب صالح العبادي، وذلك في مطلع ستينيات القرن الماضي، وكان عمره آنذاك يتجاوز 11 عاماً. استمر في التعلّم قرابة عامين أتقن خلالهما القراءة والكتابة وحفظ عدداً من سور القرآن الكريم إلى جانب ارتباطه الوثيق بالأرض من خلال العمل في الزراعة ورعي الأغنام.
المسيرة التعليمية
التحق بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م بالتعليم النظامي في مدرسة المقيصرة بسرار للعام الدراسي 1968/1967م حيث قُبل مباشرة في الصف الثاني الابتدائي نظراً لكبر سنه وإجادته القراءة والكتابة بشكل جيد. وبسبب ظروف أسرية اضطر للانقطاع عن الدراسة بعد إكمال الصف الثالث الابتدائي لكنه عاد لاحقاً بعد خضوعه لاختبار من قبل الأستاذين باقري أحمد وصالح ناصر ليلتحق بزملائه الطلاب، وكنت أنا كاتب هذه السطور أحدهم في الصف الخامس، وواصلنا الدراسة معاً حتى إكمال الصف الخامس في العام الدراسي 1971/1970م، وهو العام ذاته الذي تزوج فيه زميلنا محسن زوجته الأولى.
وفي منتصف الفصل الدراسي الأول للعام 1972/1971م انتقل طلاب الصف السادس من مدارس رخمة، لبعوس، الحد، بني بكر، ومدرستنا، إلى المديرية الشمالية لودر لاستكمال دراسة الصف السادس الابتدائي، وذلك نتيجة نقص المعلمين في المدارس الريفية، وبُعدها عن الوزارة في عدن حيث كان يصعّب وصول الامتحانات الوزارية والإشراف عليها. كانت دراستنا خلال تلك الفترة مسائية في إعدادية عبود التي كان يديرها الأستاذ أحمد حسن فري جون (سوداني الجنسية).
وفي ذلك العام توفيت زوجة زميلنا محسن نتيجة تعسرها في الولادة في واحدة من أقسى محطات حياته.
بعد نجاحنا في الامتحانات التجريبية والوزارية انتقلنا مع بقية الطلاب إلى إعدادية الشهيد كرف محمد يسلم في الحصن، والتي تناوب على إدارتها الأساتذة:« عبدالـحافظ، محسن الدهولي، وشيخ محمد الهيثمي». وكان الأستاذ محسن خلال دراسته من أبرز الطلاب اجتهاداً ونشاطاً، مشاركاً في كافة الأنشطة المدرسية، والتدريبات العسكرية، والحراسات الليلية، والمبادرات الجماهيرية، وكان من العناصر الفاعلة في المنظمات الطلابية (الاتحاد الوطني، منظمة الشباب، والتنظيم السياسي)، وتمتع بأخلاق عالية ومكانة محترمة بين الطلاب والمعلمين لكونه من أكبرهم سناً وأكثرهم نضجاً.
تعززت صداقتنا خلال فترة السكن في القسم الداخلي حيث شكّلنا مع بقية الطلاب أسرة واحدة متماسكة يسودها التعاون والألفة والتفاهم حتى أتممنا المرحلة الإعدادية (نظام ثلاث سنوات) في العام الدراسي 1975/1974م، وفي يوليو 1975م تزوج زميلنا محسن زوجته الثانية بعد إكمال المرحلة الإعدادية.
التوظيف في السلك التربوي
ونظراً للظروف المعيشية القاسية، وكبر سنه، وارتباطه الأسري لم يتمكن من مواصلة الدراسة الثانوية، وكانت الفرصة سانحة للالتحاق بالسلك التربوي معلماً بتاريخ 15 نوفمبر 1975م في إطار الخدمة الوطنية لمدة عام واحد بنصف راتب لا يتجاوز 12 ديناراً (240 شلناً).
كانت أولى محطات عمله في مدرسة عمران، وهي منطقة سكنه حيث عُيّن مديراً للمدرسة بقرار من رئيس الإشراف التربوي المرحوم الأستاذ عبدالله محمد الحكمي، وكانت المدرسة تضم الصفوف من الأول إلى السادس الابتدائي (دون الصف الرابع). إضافة إلى ذلك كُلف في العام نفسه بمسؤولية محو الأمية في مناطق عمران والخشناء حيث أشرف على توزيع المعلمين على الشعب الدراسية، ومتابعة أعمالهم، ورفع التقارير الشهرية لسبع شعب دراسية للرجال والنساء كانت تُقام بعد الدوام المدرسي وفي الفترات الليلية.
كما قام شخصياً بتدريس شعبتين لمحو الأمية في مدرسة عمران، وتولى الإشراف على الاختبارات في الفروع المختلفة وفق برنامج محدد شملت مناطق «الجيهلي، امحبلة، دار الحبيل، وحاجب الجعاونة»، وأسفرت هذه الجهود عن محو أمية أكثر من 100 امرأة و25 رجلاً إضافة إلى 60 امرأة من مناطق الخشناء والقرى المجاورة.
وكان يستلم كتب محو الأمية من رصد وينقلها إلى رخمة ثم يحمل جزءً منها على ظهره إلى مدرسة عمران بينما يودع البقية في إحدى الدكاكين، ويرسل في اليوم التالي طلاباً من المدرسة لحملها إلى المدرسة على ظهورهم.
إلى جانب عمله التربوي كان عضواً أساسياً في لجان الدفاع الشعبي، وكان يقوم بحل القضايا والخلافات الأسرية، وإصلاح ذات البين، والنزول إلى القرى للنظر في نزاعات الأراضي، وإبرام اتفاقيات الزواج.
التنقل الوظيفي والخبرة التربوية
التحق بأول دورة منهجية للتعليم الموحد (المدرسة ذات الصفوف الثمانية) تخصص رياضيات الصف الخامس (طريقة ومادة) خلال عطلة العام الدراسي 1976/1975م ثم دورة ثانية للتخصص نفسه لتدريس الصف السادس في العام التالي.
وفي العام الدراسي 1978/1977م انتقل إلى مدرسة المنصورة، وعُيّن فيها نائباً سياسياً حيث التقى بزملاء دراسة سابقين أصبحوا زملاء عمل، وكان من أبرزهم «محمد حسين عبدالله (رحمه الله)، وأحمد عبدالله أحمد، فضل نصر حسين، زيد ناجي ناصر، حسين عاطف منصور، محسن حسين صالح، محمد غالب ناصر، محمد مانع، عبدالغفور، إبراهيم، بانبوه، أولاد راجح حسن، أمبريص، وآخرون».
وفي العام الدراسي 1979/1978م انتقل إلى مدرسة سخاعة أثناء إدارة الأستاذ علي عبد فضل، وكان يقطع يومياً مسافة تقارب أربعة كيلومترات من قرية المحراس إلى المدرسة عبر طرق جبلية وعرة متحدياً قسوة البرد، وضيق الوقت، خاصة وأن حصص الرياضيات كانت غالباً في مقدمة البرنامج الدراسي.
وفي العام 1981/1980م كُلّف بإدارة المدرسة التي لم يتجاوز عدد طلابها آنذاك 40 طالباً.
وفي العام الدراسي 1983/1982م عاد إلى مدرسة عمران ليستأنف عمله التدريسي بكل حيوية ونشاط بعد غياب دام قرابة ستة أعوام بين مدارس المنصورة، الرباط، وسخاعة، معتبراً عودته استقراراً بجانب أسرته دون أن يؤثر ذلك على انضباطه والتزامه المهني.
التكريمات التي حصل عليها
حصل الأستاذ محسن فاضل على عدد من شهادات التقدير ورسائل الشكر من المدارس التي عمل بها، ومن مكاتب التربية في رصد وسرار، ومنظمة لجان الدفاع الشعبي، ولجنة محو الأمية وتعليم الكبار خلال الحملة الوطنية الشاملة عام 1984م إضافة إلى تكريمات من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية.
ختـــــــــاماً
يمكن القول إن الأستاذ محسن فاضل يُعد من أبرز الشخصيات التربوية في المنطقة إذ كرّس 35 عاماً من عمره لخدمة الوطن في الميدان التربوي، متنقلاً بين التدريس والإدارة المدرسية، والعمل التربوي والجماهيري داخل منطقته وخارجها.
عاش سنوات طويلة في عُزب المدارس، وعاصر مختلف المناهج التعليمية «الابتدائية، الإعدادية، الموحدة، والأساسية»، وكان يقطع المسافات الطويلة مشياً على الأقدام أثناء أداء واجبه.
ورغم قسوة رحلة الحياة التي لا يشعر بمرارتها إلا من عايشها، ظل صامداً صمود الجبال، رافضاً الانتقال إلى السكن الجديد الذي بناه له أبناؤه في باتيس عام 2000م مفضلاً البقاء في منزله القديم حتى إكمال خدمته كاملة، واستعان بإحدى بناته لخدمته في جبل السنيدي، رغم تعاطف الإدارة المدرسية ومحاولات إعفائه من العمل، واستمر بعيداً عن أسرته حتى إحالته إلى التقاعد عام 2010م براتب قدره 102,000 ريال لا يتناسب مع حجم عطائه وخدمته الطويلة حيث حُرم كغيره من المتقاعدين من استراتيجيات الأجور والعلاوات السنوية وكافة التسويات المستحقة.
وفي الختام نتمنى له دوام الصحة والعافية، والعمر المديد.