أمن أوروبا.. فجوة بين الطموح والواقع

وكالة أنباء حضرموت

مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا حول قضايا الأمن والدفاع.

وبحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فإن ترامب دعا الأوروبيين إلى تحمل مسؤولية دفاعهم وتقليل اعتمادهم على واشنطن.

وفي الوقت نفسه، تواجه أوروبا تهديداً مباشراً من روسيا وتحديات داخلية في بناء قوة دفاعية موحدة.

تحديات وانتقادات
ورغم وعود القادة الأوروبيين بتوحيد جيوشهم وتعزيزها بشكل غير مسبوق، لتولي مسؤولية الدفاع والحد من الاعتماد على واشنطن، إلا أنه ثبت أن هذه المهمة شاقة ومعقدة بسبب الانقسامات السياسية والاقتصادية والصناعية بين دول القارة العجوز.

وأشارت الصحيفة إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ في إعادة التفكير بدوره الأمني بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية عام 2022، حيث أعلن قادة دول التكتل أنهم سيعززون جيوشهم ويوحدون صناعاتهم الدفاعية ويقيمون مشروعات استراتيجية مشتركة.

ومن بين هذه المشروعات: مقاتلة الجيل القادم الفرنسية-الألمانية-الإسبانية، المعروفة باسم نظام القتال الجوي المستقبلي، والتي واجهت صعوبات كبيرة قبل أن تنطلق فعلياً بسبب الصراعات بين الشركات الصناعية الوطنية، وخاصة بين "داسو" و"إيرباص".

ويعاني المشروع الذي تبلغ قيمته نحو 100 مليار يورو، من بطء شديد نتيجة الخلافات حول القيادة وتقسيم الأرباح والإنتاج.

جدار المسيرات
وفي غضون ذلك، اقترحت المفوضية الأوروبية إنشاء ما يسمى بـ"جدار المسيرات" قرب الحدود مع روسيا، لتعزيز الدفاع الجوي ومراقبة المجال الأوروبي ضد التهديدات الجديدة.

لكن الخطة واجهت انتقادات حتى فيما يتعلق باسمها، حيث رأى بعض القادة أنه يوحي بالانغلاق، واقترح آخرون أن يتم التركيز على شبكة دفاع ذكية أكثر من كونها "جدارا".

كما تساءلت عدة دول عن التمويل، ومدى توافق هذه المبادرة مع خطط حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وانتهى الأمر بتغيير الاسم إلى "المبادرة الأوروبية للدفاع ضد المسيرات" مع تحديد 2027 موعدا لتشغيلها.

وقال المفوض الأوروبي للدفاع والفضاء، أندريوس كوبليوس، وهو أول من يشغل هذا المنصب في تاريخ التكتل، إن "المهمة صعبة لأن الصناعات الدفاعية في القارة مجزأة تماما".

وأوضح أن الاتحاد الأوروبي لا يملك جيشاً موحداً، ولا يستطيع وفق معاهداته إنفاق أموال مباشرة على شراء الأسلحة، مما يجعله يعتمد على وسائل تمويل غير مباشرة.

واعتبر أن مهمته هي إقناع الدول والشركات بتقليل الازدواجية وتطوير نظم مشتركة للإنتاج العسكري، رغم أن لكل دولة أولوياتها ومصالحها الخاصة.

لكن مشكلة أوروبا لا تكمن فقط في التمويل أو البيروقراطية، بل أيضاً في غياب الإرادة السياسية الكاملة حيث ترغب دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا ودول البلطيق، في دور أوروبي أقوى ومؤسسات دفاعية موحدة.

إلا أن فرنسا وألمانيا تتحفظان على منح المفوضية الأوروبية صلاحيات موسعة في هذا المجال وقد أدى هذا الانقسام إلى عجز الاتحاد عن تحقيق قفزة نوعية نحو استقلال دفاعي حقيقي.

وفي غضون ذلك، تفاقمت التحديات مع ركود أكبر اقتصادين أوروبيين (ألمانيا وفرنسا) مما يحد من قدرتهما على زيادة الإنفاق العسكري.

كما أن تضارب المصالح الوطنية يمنع تنسيقاً فعالاً في المشتريات الدفاعية فمثلا، عندما أرسلت الدول الأوروبية مساعدات عسكرية لأوكرانيا، كانت الأسلحة متنوعة جداً وهو ما عكس غياب التنسيق الصناعي والعسكري.

ضغوط ترامب

وفق الصحيفة نفسها، أضافت الضغوط الأمريكية، من جانبها، طبقة جديدة من التعقيد ما أثار القلق في العواصم الأوروبية التي ترى أن واشنطن لم تعد شريكاً يمكن الاعتماد عليه كما كان الوضع في السابق.

ومع ذلك، يدرك الأوروبيون أن فك الارتباط الكامل مع الولايات المتحدة ليس ممكناً حالياً، لأن القدرات القيادية والتكنولوجية والعسكرية الأمريكية لا تزال العمود الفقري للناتو.

في المقابل، يحاول الاتحاد الأوروبي رسم مسار جديد يجمع بين تعزيز الصناعات الدفاعية داخلياً والتعاون ضمن الناتو دون الاعتماد الكامل على أمريكا.

ويطور الاتحاد "خريطة طريق الجاهزية 2030" لتنسيق الجهود الدفاعية وتحسين التمويل، لكن التقدم بطيء كما تسعى أوروبا لإنشاء نظام قيادة وتحكم مستقل، وهو أمر صعب في ظل غياب جيش أوروبي موحد أو هيكل سياسي يخول المفوضية إصدار أوامر عسكرية مشتركة.

وإلى جانب ذلك، هناك بعد اقتصادي وصناعي، ففي حين ترى شركات الدفاع الكبرى مثل "إيرباص" و"داسو" و"إندرا" فرصاً هائلة في توحيد الصناعة الدفاعية الأوروبية، إلا أنها تخشى فقدان السيطرة الوطنية على التكنولوجيا الحساسة.

تحديات متزايدة
وقال خوسيه فيسنتي دي لوس موزوس، الرئيس التنفيذي لشركة "إندرا"، إن "هناك حاجة لتوازن بين رؤية الاتحاد ومتطلبات الدول، لأن كل دولة تريد الحفاظ على سيادتها".

ورغم الصعوبات، يدرك القادة الأوروبيون أن التحديات الأمنية المتزايدة من حرب أوكرانيا إلى الهجمات السيبرانية والمسيرات تفرض واقعاً جديداً يجعل الدفاع الذاتي الأوروبي ضرورة لا خياراً.

لكن رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناغل، قال إنه "لا تزال هناك فجوات كبيرة بين الطموح والواقع، ويبقى السؤال ما إذا كانت الدول مستعدة للتنازل عن جزء من سيادتها الدفاعية لتحقيق مزيد من التعاون".