مصر ترسم خريطة أمن الطاقة.. تأمين الغاز لـ5 سنوات مقبلة والمصادر المتجددة ركيزة
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، أن الدولة نجحت في وضع خطة متكاملة تضمن تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي لمدة خمس سنوات مقبلة.
يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه التحديات العالمية المرتبطة بأمن الطاقة وأسعار الوقود.
وشدد مدبولي خلال لقائه برؤوساء تحرير الصحف والمواقع الإلكترونية المصرية بمقر الحكومة في العاصمة الإدارية، على أن الحكومة لا تنظر إلى الطاقة كملف تقليدي يرتبط فقط بالتشغيل أو التصدير، بل باعتباره ركيزة للأمن القومي والتنمية المستدامة.
وأوضح أن الخطة المصرية لا تقتصر على توفير الغاز فحسب، وإنما تشمل التوسع في الاعتماد على الطاقات المتجددة وتعزيز الاستثمارات في البنية التحتية، بما يحول مصر إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الطاقة.
أمن الغاز واستقرار السوق المحلي
أبرز ما أعلنه رئيس الوزراء كان تأكيده أن الحكومة ضمنت عقودًا وتفاهمات مع الشركاء الاستراتيجيين تؤمن إمدادات الغاز لخمسة أعوام، بما يضمن استقرار السوق المحلي، ويجنب البلاد أي تقلبات حادة في أسعار الطاقة العالمية.
كما أشار إلى أن الدولة قطعت شوطًا كبيرًا في تسديد مستحقات الشركات الأجنبية، ما عزز ثقة المستثمرين في قطاع الطاقة المصري.
وقال مدبولي إن هذا التوجه يمنح مصر القدرة على جذب المزيد من الاستثمارات في التنقيب والإنتاج، فضلًا عن تحقيق استدامة أكبر في ملف الطاقة. وأكد أن الأولوية ستظل لتأمين احتياجات السوق المحلي قبل التفكير في التصدير.
الطاقة المتجددة.. شريك الغاز في المستقبل
ولفت رئيس الوزراء إلى أن الدولة تسابق الزمن في التوسع بمشروعات الطاقات المتجددة، خاصة الشمسية والرياح، بما ينسجم مع توجهات العالم نحو الحياد الكربوني، موضحًا أن هذه المشاريع لا تسهم فقط في خفض الانبعاثات، بل تعزز كذلك فرص مصر في أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة.
وتترقب مصر العودة مجددًا إلى موقعها كمصدّر للغاز الطبيعي بحلول عام 2027، وفق ما كشفه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري في تصريحات سابقة، الذي أكد أن إنتاج الغاز مرشح للارتفاع إلى نحو 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا مقارنة بمستويات الإنتاج الحالية البالغة 4.1 مليار قدم مكعب.
وأشار مدبولي إلى أن هذه الزيادة تأتي بعد سلسلة من الخطوات الجادة التي اتخذتها الدولة، أبرزها تسديد جانب كبير من المديونيات المتراكمة للشركات الأجنبية العاملة في قطاع الطاقة، والتي أعاقت توسع عمليات البحث والإنتاج خلال فترة أزمة نقص الدولار.
وأوضح رئيس الوزراء أن مصر تمكنت من رفع معدل إنتاج الغاز من 3.2 مليار قدم مكعب يوميًا إلى المستوى الحالي بعد البدء في تسوية المستحقات المتأخرة للشركاء الأجانب، في خطوة أعادت الثقة للاستثمارات الأجنبية في قطاع البترول والغاز.
وفي يوليو/ تموز الماضي، سددت الحكومة المصرية نحو مليار دولار من مستحقات شركات البترول الأجنبية، ليرتفع إجمالي ما دفعته منذ يونيو 2024 وحتى الآن إلى 8.5 مليار دولار، بينما تراجعت المديونيات القائمة إلى نحو 2.5 مليار دولار فقط، وفق تصريحات رسمية سابقة.
وكانت مصر قد استعادت موقعها كمصدّر للغاز المسال في عام 2019، مدعومة بإنتاج ضخم من حقل "ظُهر" العملاق في البحر المتوسط، غير أنها اضطرت للتحول مجددًا إلى مستورد صافٍ في عام 2024، بعد أن هبط الإنتاج إلى ما دون 4 مليارات قدم مكعب يوميًا، وهو أدنى مستوى منذ يوليو 2016.
وعلق المهندس أسامة كمال، وزير البترول الأسبق،أن دور مصر كمركز إقليمي للطاقة بدأ مبكرًا منذ عام 1974، مع إنشاء خط أنابيب "سوميد" الذي يربط بين العين السخنة والبحر المتوسط، لنقل البترول والمنتجات الخليجية. وقد ساهم هذا الخط في تقليص المسافات والزمن التي كانت السفن تقطعها عبر رأس الرجاء الصالح بعد إغلاق قناة السويس عام 1967، ما عزز موقع مصر الاستراتيجي على خريطة الطاقة العالمية.
ولفت كمال لـ "العين الإخبارية" إلى أن مصر عززت مكانتها في سوق الطاقة عبر تدشين محطتي إسالة للغاز الطبيعي في شرق المتوسط عام 2005، بطاقة تصديرية تصل إلى 5 ملايين طن سنويًا لكل محطة. وأكد أن هذه المحطات تمثل عنصر جذب للدول المجاورة الراغبة في الاستفادة من شبكة الغاز القوية التي تمتلكها مصر، خاصة مع ارتفاع تكلفة إنشاء محطة إسالة جديدة اليوم، والتي تتراوح بين 10 و12 مليار دولار.
استغلال الموارد لتفادي الضغوط
وشدد الوزير الأسبق على أن زيادة إنتاج الغاز في مصر تتطلب دائمًا توفير وسائل تصدير فعالة، حتى لا تتعرض السوق المحلية لضغوط اقتصادية، مؤكدًا أن الاستثمار في الصحراء الغربية وتطوير البنية التحتية سيمنح مصر آفاقًا جديدة في قطاع الطاقة.
وأكد أن مصر تمتلك كل المقومات التي تؤهلها للتحول من مجرد مركز إقليمي إلى مركز عالمي للطاقة، شرط استغلال مواردها البترولية والغازية بالصحراء الغربية، مع الاستمرار في تطوير شبكات النقل ومحطات الإسالة بما يتناسب مع الطفرة العالمية في الطلب على الطاقة.
وقال الدكتور مدحت يوسف، نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن الخطوة التي أعلنتها الحكومة المصرية بشأن تأمين الغاز لخمس سنوات تُعد إنجازًا مهمًا يعكس وعيًا استراتيجيًا بملف الطاقة.
وأوضح يوسف أن التعاقدات طويلة الأجل مع الشركات المنتجة والموردين تضمن استقرار السوق الداخلي وتحمي مصر من تقلبات الأسعار العالمية التي تتأثر بالأزمات الجيوسياسية. وأضاف أن هذه التوجهات تعطي رسالة طمأنة للمستثمرين الأجانب وتفتح الباب أمام استثمارات جديدة في مجالات البحث والاستكشاف.
أكد الدكتور جمال القليوبي، أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية، لـ"العين الإخبارية"، أن الرؤية الحكومية التي تضع الغاز الطبيعي إلى جانب الطاقة المتجددة تمثل حجر الزاوية لتحقيق أمن الطاقة في مصر.
وأشار القليوبي إلى أن مصر تمتلك مقومات استثنائية تؤهلها للريادة في مجال الطاقة المتجددة، سواء من حيث الموقع الجغرافي أو توافر مصادر الشمس والرياح. وأوضح أن الدمج بين الغاز والطاقة النظيفة يعزز قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها تجاه الأجيال المقبلة، ويضعها في موقع تنافسي على الساحة الدولية.
وأضاف أن هذا النهج يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث يسهم في خلق فرص عمل جديدة وتوطين التكنولوجيا الحديثة في السوق المصري.
وأوضح أن مصر تمتلك محطتين رئيسيتين لإسالة الغاز في إدكو ودمياط، ما يمنحها ميزة تنافسية في تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق العالمية، مؤكدًا أن هذه المحطات، إلى جانب الشبكة القوية من خطوط الأنابيب الداخلية، تجعل مصر نقطة محورية في تجارة الغاز بشرق المتوسط.