بالأرقام.. «نيران» الشرق الأوسط تستنزف الصواريخ الأمريكية
في أقل من عامين، تحولت صواريخ الدفاع الجوي الأمريكية من ركيزة ردع إلى ورقة استنزاف مكشوفة، بفعل حربين متوازيتين تخوضهما واشنطن عن
بُعد: واحدة في البحر الأحمر ضد الحوثيين، والأخرى في السماء دفاعًا عن إسرائيل.
وخلف الخطاب الرسمي عن «حماية الملاحة» و«دعم الحلفاء»، تُخفي البنتاغون أزمة صامتة تتفاقم يومًا بعد الآخر: معدلات إطلاق صواريخ «إس إم» بجميع فئاتها بلغت مستويات غير مسبوقة، لتتآكل المخزونات بوتيرة تهدد الجاهزية في أي مواجهة كبرى، وتكشف حجم الكلفة التي تدفعها أمريكا في صراعات لم تبدأها... لكنها قد تُستنزف فيها.
ويقول موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت"، إن سفن البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط استخدمت مستوياتٍ تاريخية من صواريخ الدفاع الجوي دفاعًا عن إسرائيل وحمايةً لحركة الملاحة في البحر الأحمر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
هذا الأمر دفع الأدميرال جيمس كيلبي، القائم بأعمال رئيس العمليات البحرية، إلى الإدلاء بشهادته في يونيو/حزيران الماضي، قائلا إن صواريخ البحرية الأمريكية الاعتراضية للدفاع الجوي التي تُطلقها السفن وهي صواريخ "إس-إم 3" تُستهلك "بمعدلٍ ينذرٍ بالخطر" دفاعًا عن إسرائيل.
ولتحديد مدى الأزمة يجب معرفة عدد الصواريخ التي كانت لدى الولايات المتحدة قبل أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعدد الصواريخ التي أُطلقت منذ ذلك الحين، وعدد الصواريخ الجديدة التي أُنتجت منذ بداية عام 2024 وحتى يونيو/حزيران 2025، وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
وكشف الموقع أن البحرية الأمريكية، أصدرت تقريرًا عن عدد الصواريخ القياسية التي أُطلقت من أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2024، مما يسمح بتقدير معقول لعدد الصواريخ القياسية التي استُخدمت للدفاع عن سفن الشحن في البحر الأحمر ضد الحوثيين.
فمنذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغ عدد الصواريخ:
168 صاروخًا من طراز "إس إم-2"
17 صاروخًا من طراز "إس إم-3"
112 صاروخًا من طراز "إس إم-6".
وفي عام 2024، تعرضت إسرائيل لهجومين كبيرين من إيران التي قصفت 120 صاروخًا باليستيًا في أبريل/نيسان و180 صاروخًا باليستيًا في الأول من أكتوبر/تشرين الأول.
وتسمح التفاصيل الإضافية التي كشفها المعهد الوطني للأبحاث البحرية لشهر أبريل/نيسان بتقدير أن 4 مدمرات مختلفة من طراز "أرلي بيرك" أطلقت 24 صاروخًا في عام 2024 لتكملة دفاع إسرائيل الصاروخي الباليستي والتي قدرها "ريسبونسيبل ستايت كرافت" بـ12 صاروخًا من طراز "إس إم-3" و12 صاروخًا من طراز "إس إم-6".
وللتوصل إلى تقدير أوضح لعدد الصواريخ القياسية المُستخدمة للدفاع عن إسرائيل خلال حرب الـ12 يومًا عام 2025 بين إسرائيل وإيران يمكن الاعتماد على بعض الافتراضات المعقولة، أهمها أن إسرائيل أحرقت العديد من صواريخها الاعتراضية عام 2024.
ودفع هذا الأمر البحرية الأمريكية إلى زيادة عدد مدمرات "أرلي بيرك" التي تحمي إسرائيل من مدمرتين عام 2024 إلى خمس مدمرات عام 2025. وبافتراض أن المدمرات كانت مُجهزة بصواريخ قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، أكثر من الحمولة المُعتادة، مثل صواريخ "إس إم-3" و"إس إم-6".
وكانت كل مدمرة تحمل 30 صاروخا "إس إم-3" و40 صاروخا "إس إم-6"، بينما يتم ملء أنابيب الإطلاق العمودية الـ96 المتبقية بمزيج من 4 حزم من صواريخ "إي إس إس إم" وصواريخ توماهوك الهجومية البرية "تي إل ايه إم" وصواريخ "ايه إس آر أو سي" وبالطبع صواريخ "إس إم-2.
وباستخدام هذه الافتراضات يُقدّر أن البحرية أطلقت مجتمعةً ما يقارب 130 صاروخ "إس إم-3" (لكن تقارير أخرى أشارت إلى إطلاق 80 صاروخا فقط) و150 صاروخ "إس إم-6" دفاعًا عن إسرائيل في يونيو/حزيران، إضافة إلى ما لا يقل عن 100 صاروخ "إس إم-2" للدفاع ضد المسيرات الإيرانية والصواريخ التي تستهدف منشآت إسرائيلية قريبة جدًا من الساحل.
وبإضافة الصواريخ المستخدمة للدفاع عن إسرائيل في 2024 تشير التقديرات إلى استخدام 100 صاروخ "إس إم-2" و142 صاروخًا "إس إم-3" و168 صاروخًا "إس إم-" للدفاع عن إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبجمع هذه الأرقام مع التقديرات المذكورة أعلاه لصراع البحر الأحمر حتى يونيو/حزيران 2025 يمكننا تقدير إجمالي:
268 صاروخًا "إس إم-2"
159 صاروخًا من طراز "إس إم-3"
280 صاروخًا "إس إم-6" منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى نهاية يونيو/حزيران 2025.
قد لا تُمثل هذه الأرقام التقديرية "معدلات استخدام مُقلقة" في ضوء عدد الصواريخ التي أُنتجت خلال الفترة نفسها.
وقدم تقرير مؤسسة التراث عددًا أساسيًا من الصواريخ الموجودة في المخزون اعتبارًا من أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغ 9100 صاروخ "إس إم-2" و400 صاروخ "إس إم-3" و1500 صاروخ "إس إم-6"
وفيما يتعلق بإنتاج "إس إم-2" يبدو أن وزارة الدفاع الأمريكية تركز على ترقيتها مع الاستمرار في إنتاج صواريخ جديدة للعملاء الأجانب.
وفيما يتعلق بإنتاج صواريخ "إس إم-3" أعد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ملخصا لمواعيد تسليمها حيث من المقررأنه تسليم 51 صاروخا منها في 2024، و71 صاروخا في 2025 (36 بحلول 30 يونيو/حزيران)، و66 صاروخا في 2026.
وبالنسبة لصواريخ "إس إم-6"، بلغ متوسط الإنتاج السنوي 125 صاروخًا، مع خطط لزيادة الإنتاج السنوي إلى 300 صاروخ بحلول عام 2028.
يعني هذا عدم إنتاج أي صواريخ "إس إم-2" جديدة، و87 صاروخا "إس إم-3" و187 صاروخا "إس إم-6" للاستخدام البحري من 1 يناير/كانون الثاني 2024 حتى نهاية يونيو/حزيران 2025.
ومع الأخذ في الاعتبار النفقات في البحر الأحمر وإسرائيل، قد تشهد الولايات المتحدة:
انخفاضًا بنسبة 3% في صواريخ "إس إم-2"
33% في صواريخ "إس إم-3"
17% في صواريخ "إس إم-6" في المخزونات الأمريكية منذ 2023.
وتعد هذه الأرقام مُقلقة، وستزداد الخطورة إذا اتضح أن واشنطن استخدمت صواريخ دفاعا عن إسرائيل أكثر من المتوقع.
وهناك مسألة أخرى هي التكلفة، حيث ذكرت مقالة في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن عدد الصواريخ الاعتراضية التي نُشرت منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 كلّف الولايات المتحدة 1.8 مليار دولار وهو مبلغ يمكن مضاعفته بالنظر إلى مستوى النشاط في عام 2025.
وتتراوح تكلفة صواريخ "إس إم- 3" حسب الطراز، بين 12.5 مليون دولار و28.7 مليون دولار للصاروخ الواحد، بينما تزيد تكلفة صواريخ "إس إم-2" عن 2.5 مليون دولار، وتبلغ تكلفة صواريخ "إس إم-6" 4.3 مليون دولار.
وقد تكون الولايات المتحدة قادرة على تحمل هذه التكلفة الباهظة في قتال ضد قوة متمردة مثل الحوثيين وجيش من الدرجة الثانية مثل إيران، فإن القتال مع قوة كالصين سيشهد ارتفاعًا هائلاً في استخدام الصواريخ القياسية بأكثر من ضعف.