البرلمان العراقي يستعد لتشريع قانون يهدد الحريات وسط تحذيرات دولية
يسعى البرلمان العراقي اليوم السبت إلى إنهاء حالة الجمود التي أصابته، وذلك من خلال معاودة جلساته اليوم السبت بجدول يتضمن التصويت على قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي، وهو من أكثر القوانين المثيرة للجدل في الأوساط السياسية والمدنية والشعبية.
ويأتي هذا التحرك التشريعي وسط تحذيرات من منظمات حقوقية دولية ومحلية، التي ترى في القانون الجديد انتكاسة خطيرة للحريات العامة، وتهديدا صريحا لحرية التعبير والتجمع السلمي.
وتثير هذه الخطوة قلقا كبيرا من أن يتم استخدام هذا القانون كأداة إضافية لقمع الأصوات المعارضة، خاصة مع وجود سوابق في استخدام قوانين غامضة لتضييق الخناق على النشطاء والصحفيين.
حذّرت منظمة العفو الدولية الجمعة من أن مشروع القانون بصيغته الحالية قد يشكل تهديدا للحريات الأساسية في العراق، ودعت النواب إلى رفضه أو تعديله ليتوافق مع الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها العراق.
وذكرت المنظمة أن القانون المقترح يهدد بتقييد الفضاء المدني ويضفي الطابع الرسمي على ممارسات القمع المتزايدة.
وأوضحت الباحثة في شؤون العراق بمنظمة العفو، رزاوز صالحي، أن "على النواب التصويت ضد أي تشريع يضيف أدوات جديدة للسلطات تقوّض حرية التعبير أو التجمع"، مؤكدة أن “مشروع القانون بصيغته الحالية يتعارض مع التزامات العراق الدستورية والدولية".
وأضافت صالحي، أن "الصحافيين والنشطاء في العراق يواجهون بالفعل تهديدات ومضايقات واعتقالات تعسفية، على خلفية تعبيرهم عن آراء مشروعة"، لافتة إلى أن "السلطات تعتمد على مواد غامضة في قانون العقوبات مثل التشهير والمساس بالنظام العام لقمع الأصوات المعارضة".
وتابعت المنظمة، أن "عملية إعداد مشروع القانون جرت في أجواء من السرية، دون مشاورات حقيقية مع المجتمع المدني”، محذّرة من أن “عدم الشفافية في هذا المسار التشريعي يُنذر بفرض مزيد من القيود، خاصة وأن النص القانوني لا يوفّر ضمانات فعلية لحماية الحريات الأساسية".
وبحسب التقرير، فإن "مشروع القانون كان قد خضع لقراءتين سابقتين في البرلمان، الأولى بتاريخ 3 كانون الأول/ديسمبر 2022، والثانية في 9 أيار/مايو 2023، وسط اعتراضات من منظمات حقوقية وأطراف في المجتمع المدني، التي حذّرت من أن القانون قد يُستخدم لتجريم الاحتجاجات السلمية والنقد العلني للسلطات".
ولفتت المنظمة الى، أن “تعديل عنوان القانون إلى (قانون التظاهر السلمي)، بعد أن كان يتضمن صراحة (حرية التعبير)، يمثل تراجعاً واضحاً عن مبدأ حماية الرأي”، مبينة أن “هذه الخطوة قد تكون محاولة لتقليص نطاق الحقوق التي يُفترض أن يحميها القانون".
ودعت المنظمة، مجلس النواب العراقي إلى "إعادة النظر بالنصوص المطروحة، وحذف أي بنود أو تعابير فضفاضة مثل (الإخلال بالآداب العامة) أو (المساس بالنظام العام)، والتي يمكن تأويلها بطرق تُتيح إسكات الأصوات المعارضة".
وأكدت أن "أي قانون جديد يجب أن يتوافق بالكامل مع المادتين 38 و39 من الدستور العراقي، ومع التزامات العراق في إطار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، منوهة الى ان “جلسة البرلمان المقبلة تشكل اختباراً حقيقياً للسلطات التشريعية في احترام الحقوق والحريات، أو ترسيخ نهج قانوني يقود إلى مزيد من القمع والتضييق".
وفي المقابل، دافعت لجنة حقوق الإنسان النيابية عن مشروع القانون، مؤكدة في بيان أنه لا يحد من التظاهر بعد إجراء تعديلات عليه وإلغاء الفقرات التي تتضمن عقوبات جزائية.
وأشارت اللجنة إلى أن التعديلات شملت أيضا تغيير اسم القانون للحفاظ على حرية التعبير. إلا أن هذا الموقف لم يلق ترحيبا من الجميع، حيث اتهمت الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحافيين الخميس مجلس النواب بأنه "يتعمد" عدم نشر مشروع القانون، مما يعزز الانتقادات حول سرية العملية التشريعية.
ويتضمن جدول أعمال جلسة البرلمان المقررة اليوم السبت التصويت على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، بالإضافة إلى عدة قوانين أخرى تتعلق بالاقتصاد والتعليم والأمن.
ويعود تاريخ هذا القانون إلى عام 2010، حيث طُرح لأول مرة في البرلمان بغرض التشريع، لكنه واجه انتقادات عديدة أسهمت في ترحيله. ثم أُعيد فتح الملف مجددا عام 2016، ليصطدم بالعقبات ذاتها.
واليوم، قد يضع إقراره بصيغته الحالية العراق في حرج أمام التزاماته بالمواثيق الدولية، مما يجعله اختبارا حقيقيا لمدى التزام السلطة التشريعية باحترام الحقوق والحريات.
ويأتي هذا الجدل في وقت يشهد فيه مجلس النواب اضطرابًا واضحًا في عقد جلساته، مما أدى إلى تعطيل كبير في الأداء التشريعي والرقابي. ويعكس هذا التعطيل المستمر، الذي تغذيه الخلافات السياسية بين الكتل، أزمة ثقة بين الشارع العراقي والمؤسسة التشريعية.
فمنذ بداية الدورة النيابية في يناير 2022، عقد مجلس النواب العراقي 132 جلسة فقط، في حين ينص النظام الداخلي على عقد 256 جلسة سنويا، كما حدد النظام الداخلي عقد 8 جلسات شهريا، وفصلا تشريعيا يمتد 4 أشهر، بواقع 32 جلسة في كل فصل.
ويأتي ذلك في وقت تبرز فيه العديد من المشاكل التي قد تسبب تعطيلا لعملية الانتخابات، أبرزها الوضع الدولي، والصراع بين إسرائيل وإيران، فضلا عن التهديدات الأميركية، لحل الحشد الشعبي، وتسليم سلاح الفصائل، إضافة إلى الخلافات الداخلية، ومنها الخلاف المستمر بين بغداد وأربيل.
وشهد البرلمان خلال الفصل التشريعي الأول، حالة من تعطيل الجلسات، حيث اكتفى بنحو 9 جلسات فقط، نتيجة لتغيب النواب عن حضور الجلسات، وسط انتقادات للرئاسة بعدم تطبيق النظام الداخلي للمجلس، واتخاذ إجراءات صارمة لضمان سير أعمال الجلسات وعدم تعطيل انعقاد البرلمان.