أرقام صادمة تشعل الجدل حول مشروع قانون الإيجار القديم في مصر
شهد ملف الإيجار القديم في مصر تطوراً جديداً ومحورياً شغل الشارع المصري على مدار الأشهر الماضية.
وتقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد إلى البرلمان، لتبدأ المناقشات حوله خلال الساعات المقبلة. هذا المشروع يأتي كبديل لمشروع سابق قدمته الحكومة في 28 أبريل/نيسان الماضي، ويعكس محاولة لإيجاد توازن بين مصالح الملاك والمستأجرين، بعد سنوات طويلة من الجدل والتعقيدات القانونية.
يتضمن مشروع القانون المقترح من الحكومة المصرية عدة بنود رئيسية تهدف إلى إعادة تنظيم العلاقة الإيجارية، من أبرز هذه البنود منح المستأجرين الخاضعين لأحكام هذا القانون، قبل انتهاء عقودهم، أحقية في تخصيص وحدة سكنية أو غير سكنية، سواء بالإيجار أو التمليك، من الوحدات المتاحة لدى الدولة.
مشروع قانون الإيجار القديم
ويتم ذلك بتقديم طلب من المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار، مرفقاً به إقرار بإخلاء وتسليم العين المستأجرة فور صدور قرار التخصيص واستلام الوحدة الجديدة، مع إعطاء الأسبقية في التخصيص للفئات الأولى بالرعاية.
وفيما يخص الفترة الانتقالية قبل الإخلاء، وهي نقطة محورية في القانون الجديد، فقد حدد المشروع سبع سنوات للوحدات المؤجرة لغرض سكني، وخمس سنوات للوحدات المؤجرة لغير السكني (للأشخاص الطبيعيين). ويلزم المشروع المستأجر بإخلاء الوحدة بعد انتهاء هذه الفترة الانتقالية، مع إلغاء جميع قوانين الإيجار القديم بعدها، لتصبح العلاقة الإيجارية منظمة بالقانون المدني وفقاً لإرادة الطرفين، وهو ما يمثل تحولاً جذرياً في التعامل مع هذه القضية.
كما تضمن المشروع الجديد تعديلات جوهرية على القيمة الإيجارية، فبالنسبة للشقق السكنية الكائنة في المناطق الراقية، تزيد القيمة الإيجارية لتصل إلى 20 ضعف الإيجار الحالي، بحد أدنى 1000 جنيه مصري (19.9 دولار).
أما في المناطق المتوسطة، فتزيد القيمة الإيجارية إلى 10 أضعاف، بحد أدنى 400 جنيه (7.9 دولار). وفي المناطق الاقتصادية، تزيد القيمة الإيجارية أيضاً إلى 10 أضعاف، بحد أدنى 250 جنيهاً (4.9 دولار).
وبالنسبة للوحدات غير السكنية، تزيد القيمة الإيجارية إلى 5 أضعاف القيمة الحالية، مع زيادة سنوية قدرها 15% خلال الفترة الانتقالية. هذه الزيادات تهدف إلى تحقيق نوع من العدالة للملاك الذين عانوا من تدني القيمة الإيجارية لوحداتهم لسنوات طويلة.
ويجيز مشروع القانون الجديد إخلاء الوحدات المؤجرة وفقاً لنظام الإيجار القديم في حالات استثنائية، مثلما إذا ثبت ترك المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار المكان المؤجر مغلقاً لمدة تزيد على سنة دون مبرر، أو إذا ثبت أنه يمتلك وحدة سكنية أو غير سكنية قابلة للاستخدام في ذات الغرض المعد من أجله المكان المؤجر.
موعد التقديم على تظلمات شقق الإسكان الاجتماعي في مصر.. الآلاف مهددون بالاستبعاد
شقق الإسكان الاجتماعي.. آلية سحب مقدم الحجز في «سكن لكل المصريين 5»
تأتي هذه التعديلات في أعقاب حكم تاريخي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في 9 نوفمبر /تشرين الثاني 2024، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى.
وأكدت المحكمة قضاءها على أن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان، ثباتاً لا يزايله مضي عقود، يشكل عدواناً على قيمة العدل وإهداراً لحق الملكية.
وأعملت المحكمة سلطتها في ذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية.
وأكدت المحكمة أن القوانين الاستثنائية للإيجار تنطوي على خصيصتين: الامتداد القانوني للعقود، والتدخل التشريعي في تحديد الأجرة، مشددة على ضرورة تدخل المشرع لإحداث التوازن بين طرفي العلاقة الإيجارية.
تباين ردود الفعل من الأطراف
وتباينت ردود الأفعال حول مشروع القانون الجديد، وعلق رئيس اتحاد مستأجري الإيجار القديم، شريف الجعار، على التعديلات الجديدة معتبراً أن المشروع يشوبه "خلل دستوري".
وأشار الجعار إلى أن المشروع يصطدم للمرة الثانية مع الأحكام القضائية الصادرة بشأن امتداد العلاقة الإيجارية لوريث واحد ولمرة واحدة فقط، أو انتهائها بوفاة المستأجر الأصلي أو تركه العين طواعية.
وانتقد الجعار عدم وضوح المعايير التي تم على أساسها تصنيف المناطق إلى راقية ومتوسطة واقتصادية، وتساءل عن كيفية التفريق بين الشقق المغلقة نهائياً وتلك المهجورة بشكل متقطع، واصفاً وعود الحكومة بتوفير شقق إسكان اجتماعي بديلة للمستأجرين بـ"الوهم". واختتم الجعار حديثه بأن الحكومة لم تأت بجديد في مشروعها، بل كررت مقترحات سابقة رفضتها المحكمة الدستورية، ما يجعل المشروع معرضاً للبطلان حال الطعن عليه أمام القضاء.
على الجانب الآخر، توجه رئيس اتحاد ملاك الإيجار القديم، مصطفى عبدالرحمن، بالشكر إلى القيادة السياسية على التعديلات الجارية حالياً، بعد أن فشلت جميع الأنظمة السابقة في حل هذه القضية الشائكة.
وأضاف عبدالرحمن لـ"العين الإخبارية" أن التعديلات الجديدة أقرت فترة انتقالية مدتها سبع سنوات، وهي فترة كبيرة ولديهم تحفظات عليها، لكنهم يستجيبون لجميع التعديلات الأخرى الجديدة. وأشاد ببند تسليم الوحدات المغلقة إذا ثبت إغلاقها لمدة عام في التعديلات الحكومية الجديدة، معتبراً أن هذا البند يمثل خطوة إيجابية نحو حل جزء من المشكلة.
تاريخياً، بدأت قصة قانون الإيجار القديم مع صدور حكم المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، والذي قضى بعدم دستورية ثبات الأجرة السنوية للأماكن السكنية.
وبعد صدور الحكم، بدأ مجلس النواب في مناقشة تعديلات على القانون، حتى طالبت الحكومة بتأجيل هذه المناقشات لحين تقدمها بمشروع قانون يتوافق مع التعديلات.
وفي 29 أبريل/نيسان الماضي، تقدمت الحكومة بمشروعين لقانون الإيجار القديم لمجلس النواب، تضمن زيادة القيمة الإيجارية للشقق السكنية بنسبة 20 ضعفاً، مع حد أدنى للقيمة الإيجارية، وزيادة سنوية بنسبة 15%، وإنهاء العقود بعد خمس سنوات. وقد أشعلت هذه التعديلات الجلسات في مجلس النواب بين رفض الملاك وغضب المستأجرين، مما دفع اللجنة إلى استدعاء جميع الأطراف المعنية، ورغم ذلك، لم تجد الحكومة حلاً سوى إرسال مشروع قانون جديد للبرلمان يراعي مصالح الطرفين ولا ينحاز لأي منهما.
عقارات سكنية في مصر
وألمح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، إلى هذا المشروع الجديد في مؤتمر صحفي بتاريخ 28 مايو/أيار الماضي، مؤكداً أن الحكومة تدرك مدى تعقيد وتشابك هذه القضية، وأنها منفتحة على التعديلات وليست منحازة لطرف على حساب الآخر.
وأشار إلى أن توجيهات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كانت تركز على مراعاة التوازن في الحقوق بين جميع الأطراف، من خلال مراعاة المدة الزمنية الانتقالية والقيمة الإيجارية. كما أوضح أن الفترة الانتقالية للشقق ذات الغرض السكني ستكون أطول من التجاري، وأن القيمة الإيجارية في القرى والأحياء القديمة التي يسكنها محدودو ومتوسطو الدخل ستكون أقل مما سبق، مع توجيهات بأن تكون بداية قيمة الإيجارات مرتبطة بمستوى الأحياء. هذا المشروع الجديد يمثل محاولة جادة من الحكومة لإنهاء أزمة طال أمدها، وتحقيق العدالة لجميع الأطراف المعنية في ملف الإيجار القديم.