القاهرة تلوح بإجراءات صارمة بعد تخلي الجهات المانحة عن اللاجئين
وجهت الحكومة المصرية إنذارا بعدم القدرة على تحمل أعباء استضافة اللاجئين على أراضيها ما لم تحصل على دعم مالي معتبر من المجتمع الدولي يجعلها مستمرة في التعاطي مع الملف بشكل إنساني، وقد تحدث أزمة بسبب وجود فجوة تمويلية، تحمل تداعيات سلبية لأوضاع اللاجئين اقتصاديا واجتماعيا.
وجاء تحذير القاهرة بعد مرور أيام قليلة على قرار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتقليص المساعدات المقدمة وقصرها على حالات ملحة، أمام تراجع تمويل المنظمات الدولية التي تقدم مساعدات للفارين من مناطق الصراع، على أن تُخصص المساعدات في الفترة المقبلة لعائلات أكثر احتياجا، في إطار أولويات تعتمدها المفوضية.
وأبلغ وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي المصري محمود فوزي ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة حنان حمدان، الأحد، أن بلاده تتعامل مع اللاجئين بشكل إنساني، ويجب تكثيف مساعي الشركاء والجهات المانحة لتتمكن مصر من مواصلة دورها، بحيث يكون هناك تقاسم للأعباء.
وألمح الوزير المصري إلى أن شح الدعم الدولي لمصر بشأن اللاجئين يؤثر على التماسك المجتمعي، عندما كان يُبلغ مفوضية اللاجئين بضرورة أن تتكامل الاستجابة الدولية لتشمل الدعم الإغاثي قصير المدى، والتنموي الذي يعزز قدرة الدولة على تقديم الخدمات وصمود المجتمع المضيف بما يعزز التماسك المجتمعي.
وتشير الرسالة المصرية لمفوضية اللاجئين إلى وجود تغير واضح في تعامل القاهرة مع الملف وانتقاله من المرونة إلى الخشونة، ولم تعد قادرة على التعامل بشكل إنساني أكثر من ذلك، أو تقف في وجه الغضب الشعبي المتصاعد ضد تزايد أعداد المقيمين وتأثيرهم على بعض الخدمات في مصر، ومزاحمتهم المواطنين في السكن والمرافق العمومية من دون تعويض الدولة عن هذا الدور.
وبلغ التذمر قيام بعض أصحاب الوحدات السكنية بإلغاء عقود إيجار سكان محليين واستبدالهم بلاجئين يدفعون لملاك الوحدات مبالغ مالية كبيرة، لا يستطيع مصريون توفيرها، وهي مشكلة قادت إلى غضب كاد يتسبب في صدام بين مواطنين ولاجئين.
ويشعر الكثير من المواطنين والحكومة بأن الدولة تورطت في فتح أبوابها للملايين من اللاجئين بلا حساب للكلفة والأعباء التي تتحملها الدولة أو تضمن المساعدة الدولية، وأصبحت تنشد الدعم الخارجي للاستمرار في الوفاء باحتياجات اللاجئين في ذروة أزمة اقتصادية ظهرت تداعياتها بشكل واضح أمام شُح خيارات الحكومة.
وتبدو رسالة السلطات المصرية موجهة إلى حكومات أوروبية، بأنها ما لم تقدم الدعم المطلوب والتعامل بشكل جاد مع الأزمة، فإن القاهرة قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات صارمة، عندما تقر إجراءات جديدة للإقامة وتفرض رسوما متصاعدة على اللاجئين.
ولاقت سياسة القاهرة إشادات أوروبية متكررة لنجاحها في الحد من الهجرة غير الشرعية في السنوات الماضية، واستفادت من إبرام اتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي تضمنت حزم تمويل بقيمة 7.4 مليار يورو على مدى أربعة أعوام، لكن الحكومة المصرية ترى أن ذلك ليس كافيا، لأن فاتورة إقامة اللاجئين تكلف الدولة نحو عشرة مليارات دولار كل عام.
وهذه ليست المرة الأولى التي تهدد فيها القاهرة بعدم القدرة على تحمل أعباء اللاجئين والتلويح بإجراءات خشنة، وبعثت برسائل من خلال نواب البرلمان وأحزاب متناغمة مع الحكومة ووسائل الإعلام، ما يوحي بأن هناك توجها بعدم استسلام مصر أمام التجاهل الدولي لغضب شريحة كبيرة من المواطنين.
وتتيح الحكومة المصرية للاجئين حتى الآن العلاج في المستشفيات العامة والتحاق أبنائهم بالمدارس بنفس المزايا التي يستفيد منها المواطنون، ويحصلون على السلع الأساسية ويستخدمون وسائل النقل ويتلقون خدمات المرافق العامة بالقيمة المالية ذاتها التي يدفعها مصريون، وهي صيغة لم تعد الحكومة تتقبل استمرارها.
ورفضت القاهرة مقترحات بتحقيق عوائد مالية ضخمة من اللاجئين، وفضّلت أن تستمر في التفاوض والتعامل مع الملف بشكل إنساني، وقد تضطر إلى تغيير تلك المعادلة أمام تركها وحيدة تواجه أعباء الملايين من اللاجئين، وربما تتخذ خطوة جريئة باستثمار هذا العدد الضخم كمصدر للعملة الصعبة بفرض رسوم إقامة تدعم اقتصادها.
وأوشكت الحكومة على الانتهاء من اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون اللجوء، وتحدد الرسوم التي يدفعها كل لاجئ مقابل تقنين وضعه في مصر، ما يوحي بأن الرسائل التي أطلقتها القاهرة هي تحذير لطلب الدعم وجلب مساعدات دولية، وما لم يتحقق ذلك سوف تذهب إلى الخيار الذي يُرضيها اقتصاديا.
القاهرة تفضل أن تستمر في التفاوض والتعامل مع ملف اللاجئين بشكل إنساني، وقد تضطر إلى تغيير تلك المعادلة أمام تركها وحيدة تواجه أعباء الملايين من اللاجئين
وما تفعله مصر حاليا أشبه بمناوشات سياسية ترسل من خلالها إشارات تهديد مبطنة بأن لديها أدوات لكسب المفاوضات لصالحها، إذا اضُطرت إلى التعامل مع ملف اللاجئين بطريقة مختلفة، وآنذاك سيحق لها اتخاذ ما تراه مناسبا لاستقرارها وأمنها القومي.
وأكد عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان) ومساعد وزير الداخلية الأسبق فاروق المقرحي أن الجهات المانحة استغلت تعامل القاهرة مع اللاجئين إنسانيا، والتحذير أمر طبيعي أمام شح الدعم المقدم لمصر وسط هذه الظروف، ولا بديل عن خشونة لتتوقف الجهات المانحة عن السلبية وتتحرك لتحمّل المسؤولية.
وأضاف لـ”العرب” أن مصر تتعامل مع اللاجئين بكرم دون ابتزاز، وهذا موقف نظام حكم وشعب، لكن هناك شبهة تعسف أوروبي، ومن المفترض مكافأة القاهرة لحماية القارة العجوز من الهجرة غير الشرعية بدلا من تركها تواجه كل هذه الملايين وسط ظروف اقتصادية صعبة، ورسالة مصر أن الكرة في ملعب المؤسسات المانحة.
وتكمن المعضلة في أن الجهات المانحة ومفوضية اللاجئين لم تقدما للحكومة المصرية تعهدات قاطعة بأنها تقترب من الحصول على دعم دولي جيد، وبدت القاهرة كأنها تتحدث مع نفسها، بالتزامن مع امتعاض شعبي وضغوط للحصول على عوائد مالية ضخمة من اللاجئين، طالما أنهم يتقاسمون مع المصريين كل شيء.
ولذلك تغيرت نبرة الحكومة ولوحت بإمكانية أن تكف عن التعامل مع استضافة اللاجئين من منظور إنساني، لأن المجتمع الدولي لا يمنحها مساعدات تكفي للاستمرار في القيام بهذا الدور، وزادت الأزمة تعقيدا بتقليص الدعم المقدم من مفوضية اللاجئين واقتصاره على حالات محددة، وهي مشكلة تحرج الحكومة.
ومن المستبعد لجوء القاهرة إلى خيار ترحيل أعداد من اللاجئين للحد من تداعيات أزمة التمويل كي لا تُتهم بابتزاز المجتمع الدولي، وهو نهج يتناقض مع قرار مصري يتمسك بمعاملة اللاجئين كضيوف، لكن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي وقد تفرض رسوما تعوض غياب التمويل أو تقصر الخدمات المدعومة على مواطنيها فقط.