شبكة من المؤامرات تحيط بالجزائر أم نسيج هواجس غير حقيقي
يشرف الوزير المنتدب للدفاع الجزائري وقائد أركان الجيش سعيد شنقريحة على مناورات عسكرية بالذخيرة الحية تحاكي الحرب الحقيقية، بالناحية العسكرية الرابعة التي تغطي إقليم الحدود الجنوبية الشرقية مع ليبيا، وذلك بالتوازي مع تسجيل تحركات للجيش الليبي على الجهة الليبية من الحدود.
وتأتي هذه المناورات بعد أيام من عرض قانون التعبئة العامة الذي يتيح للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون تسيير البلاد بصلاحيات كبرى كما لو أن البلاد في حالة حرب، ما يطرح التساؤل حول أسباب الاستنفار العسكري في الجزائر، وهل أنه مرتبط فعليا بوجود شبكة من المؤامرات تحيط بالبلاد أم أنه نسيج هواجس غير حقيقي.
وتوحي نبرة خطاب القيادة السياسية والعسكرية في الجزائر، المحذرة من خطط ومؤامرات تستهدف ضرب أمن واستقرار البلاد من طرف قوى معادية، بالانتقال إلى حالة استنفار قصوى، وتكون حالة التعبئة العامة التي جرت ترجمتها في تشريعات عملية، أحد أوجه التشنج الذي يسود البلاد والمنطقة عموما.
بدلا من فتح حوار مع جيل جديد من القادة في تحالف دول الساحل قابلتهم الجزائر بموقف عدائي يسيطر عليه التوتر
ولا ترتبط حالة الاستنفار في الجزائر بالتطورات الأخيرة في مالي، وهي حالة شبه دائمة يتم الاشتغال عليها من السلطات السياسية والعسكرية لجعل الجزائريين في حالة ترقب وخوف من المستقبل، ما يحدّ من أيّ انتقادات للنظام في ملفات تتعلق بالخدمات الاجتماعية وأداء الحكومة وعجزها عن تحسين أوضاع الناس بالرغم من العائدات الكبيرة للغاز والنفط.
وفي كل مرّة يتم توجيه الاستنفار العسكري والدبلوماسي ضد بلد بعينه ثم يمرّون إلى بلد ثان (من المغرب إلى إسبانيا وفرنسا ومالي وليبيا) في حركة مستمرة تخفي هواجس جدية لدى قادة السلطة من انهيار منظومتهم العسكرية بشبكة علاقاتها وجيشها ومصالحها.
ولأنها هواجس، فإنهم لا يستطيعون وضع إصبعهم على طرف بعينه ويقولون هذا الموضوع أو تلك القضية، لكن المهم بالنسبة إليهم هو التصعيد في حد ذاته للهروب من تحديات حقيقية يواجهونها في الداخل والخارج.
وإلى حد الآن ما يزال النظام الجزائري يتعامل في العلاقات الخارجية بعقلية ستينات القرن الماضي وسبعيناته، وسيطرة خطاب الثورة الذي يستبطن استعلاء لا وجود لما يبرره في محيط إقليمي يتطور في كل الاتجاهات عسكريا واقتصاديا وسياسيا مثلما جرى من ثورات في بعض دول الساحل وصعود جيل جديد من القادة الشباب يتمسكون باستقلال القرار الوطني ولديهم طموحات في بناء علاقات خارجية تقوم على الندية ورفض الوصاية من أيّ دولة، والانخراط في أيّ منظومة اقتصادية تخدم مصالحهم، وهو ما يفسر رغبتهم في الدخول إلى مبادرة الأطلسي التي عرضها المغرب ضمن مقاربة للشراكة مع دول الساحل.
وبدلا من فتح حوار مع القادة الجدد في مالي والنيجر وبوركينا فاسو قابلت الجزائر التغيير في دول الجوار الجنوبي بموقف عدائي يسيطر عليه التوتر خاصة مع مالي. وتريد السلطات الجزائرية فرض وصايتها على المشهد المالي بدعم الفصائل الانفصالية المعارضة، ما دفع باماكو إلى الاستنجاد بالروس والأتراك. وبدل المساعدة في حل المشكلة أعطى الموقف المتصلب للجيش الجزائري شرعية لاستدعاء قوى دولية للنشاط على حدود بلاده وتهديد أمنها القومي على المدى الإستراتيجي.
ويقول مراقبون إن رؤية الجنرالات تتغير وتتطور تحت وقع التهديدات المصيرية، وإذا كانت المؤسسة العسكرية في الجزائر عجزت عن فهم التحولات الجارية في المنطقة واستيعابها، فإن نظيرتها في مصر أبدت مرونة في ذلك عندما واجهت تحديات على الجبهات الغربية والشرقية والجنوبية الإستراتيجية، ولم تنجرّ للاشتباك المباشر مع أيّ منها، رغم خطورتها، خوفا من الانزلاق إلى حروب وصراعات ممتدة، قد تكون ارتداداتها أشد خطورة على الداخل المصري.
ولدى الجيش المصري قناعة بأن أيّ اشتباك خارج الحدود أو الذهاب نحو حل الأزمة عسكريا ستكون له عواقب وخيمة، من حيث القدرة على الإفلات من نتائجها، ووصلت هذه القناعة مستوى كبح التفكير في إرسال جنود خارج الأراضي المصرية على سبيل الردع المبكر أو فك شفرة أزمة ما مستفحلة، وهو ما ظهرت معالمه مع أزمات ليبيا والسودان وإثيوبيا وصولا إلى حرب غزة وتهديدات جماعة الحوثي اليمنية للملاحة في البحر الأحمر.
كما أن قائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر استوعب دروس مغامرته بالزحف نحو طرابلس في الغرب، وعاد مضطرا إلى مركزه الرئيسي في الشرق، ولم يجرؤ على تكرار التجربة، بعد أن وجد مصدات تحول دون وصوله لحسم معركة طرابلس لصالحه، وبعدها ظهرت تغيرات في توجهاته وتصوراته وتحالفاته، بما في ذلك بناء علاقات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية مباشرة مع أنقرة.
وفي مسعى لتبرير حالة الاستنفار والمناورات على الحدود مع ليبيا، تتهم دوائر جزائرية صدام حفتر، ابن المشير خليفة حفتر، وهو قائد القوات البرية في الجيش الوطني الليبي بالتنسيق مع تركيا ومساعدتها على بناء قاعدة عسكرية في مدينة غات على الحدود مع الجزائر.
وأكد الجنرال شنقريحة، في كلمة أمام ضباط ومنتسبي المؤسسة العسكرية في الناحية العسكرية الرابعة، على أن “سيادة الجزائر واستقرارها خط أحمر، وأن حماية المنطقة تمر عبر التصدي لكافة التهديدات المرتبطة بالإرهاب والجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.”
وبالموازاة مع تعليماته بضرورة مضاعفة الجهود في منطقة جنوبي شرق جانت، والمنطقة الجنوبية الشرقية عموما، شدد على أن الشريط الحدودي يتصف بالحساسية ويتطلب يقظة عالية وتعزيزا للجاهزية الميدانية.
وتسود حالة من القلق لدى القيادة الجزائرية مع تزايد ما تصفه بـ “التحرك المريب للجيش الليبي على الشريط الحدودي،” خاصة في ظل الحديث عن إرساء موسكو لمحور إستراتيجي في منطقة الساحل يبدأ من الشرق الليبي الواقع تحت سيطرة حفتر، إلى غاية بوركينا فاسو مرورا بالنيجر ومالي، فضلا عن نقل معداتها ووحدات جيشها التي كانت في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد إلى الشرق الليبي.
وأعلنت وزارة الدفاع الجزائرية عن تنفيذ وحداتها بالناحية العسكرية الرابعة لتمرين تكتيكي بالذخيرة الحية، يهدف إلى “اختبار الجاهزية القتالية لوحدات القطاع العملياتي ومدى قدرتها على تنفيذ المهام القتالية المحتملة، والتحكم في العتاد القتالي ومنظومات الأسلحة الحديثة، فضلا عن تدريب القادة والأركان، وتطوير معارفهم في مجال التخطيط والتحضير والتنظيم والتنفيذ، ووضعهم في جو المعركة الحقيقية.”