ناصر علي العولقي

البادرة الخطيرة التي تهدد كيان العُرف القبلي

وكالة أنباء حضرموت

لم تكن الصور والفيديوهات المتداولة من مديرية حبان مجرد توثيق لواقعة جنائية، بل كانت في حقيقتها الشرارة التي أحرقت الستائر الرقيقة التي تحمي قدسية العُرف القبلي الذي ظل لقرون يشكل الدرع الواقي للمجتمع في ظل غياب سلطة الدولة، فما جرى يمثل انزياحاً خطيراً عن المسارات الأخلاقية التي حكمت تسوية النزاعات عبر العصور، حيث تحول فعل "التسليم قوداً" - الذي يُفترض أن يكون بوابة للأمان وضمانة للحياة - إلى مشهد مأساوي من التمثيل بالجثث والتشهير الرقمي الذي ينتهك صراحة القانون القبلي السائد والمتعارف عليه بين أبناء القبائل.

إن جريمة "العيب الأسود" التي تجسدت في تصفية شاب أعزل قد وضع نفسه تحت "الوجه والضمان" لا تعبر بأي حال عن قوة أو تحقيق لعدالة الدم، وإنما هي سقوط أخلاقي مدوٍّ يناقض القيم الأصيلة التي تمنع قتل الأسير وتحرم التنكيل بالمستجير، فتحويل لحظة الموت إلى مادة بصرية تُبث عبر الفضاء الإلكتروني يمثل "عيباً مضاعفاً" يمسّ شرف القبيلة وهيبة العهد قبل أن يمسّ جسد الضحية، إذ إن قدسية "الوجه" التي تشكل أساس البناء القبلي في شبوة واليمن قد دُنسَت بشكل صارخ، مما يهدد بانهيار الثقة المجتمعية التي تحول دون انزلاق المجتمعات إلى حروب الكل ضد الكل.

إن الاستعراض المسلح وإطلاق النار الكثيف على جثة هامدة، ثم تحويل صرخاتها الأخيرة إلى محتوى رقمي متداول، ليس سوى تعبير عن ثقافة دخيلة وغريبة عن مروءة الرجال وأخلاق الفرسان التي طالما افتخرت بها مجتمعاتنا، وهو انتهاك جسيم للحرمات الإنسانية التي أكدتها الشرائع السماوية قبل القوانين الوضعية، مما يضع الجميع أمام مفترق طرق تاريخي يتطلب وقفة جادة من كل الوجاهات والمشايخ لإعادة الاعتبار لعُرف لا يرضى بالغدر، واستعادة دور الدولة في احتكار سلطة العقاب.

فالسكوت اليوم على هذه البادرة الخطيرة يعني قبول تحويل الفضاء العام إلى ساحة للفوضى البصرية، واستبدال موازين العدل العرفي بنزعات الانتقام المقيتة التي لا تبقي ولا تذر، لذلك يجب ألا تمر حادثة حبان كمجرد جريمة جنائية عابرة، بل كجرس إنذار يستدعي استعادة هيبة "النظام والقيمة"، حيث تقع المسؤولية المزدوجة على عاتق الأجهزة الأمنية والقضائية لمحاسبة كل من استباح الدم وصوّر الجريمة وروج للغدر، كما تقع على عقول العقلاء والنخوة لغسل هذا العار القبلي بموقف حازم ينصف المظلوم ويردع المعتدي، ليعلـم الجميع أن شبوة وقبائلها براء من كل فعل يُفرغ الإنسان من كرامته ويُفرغ القبيلة من نخوتها، وأن الرصاصات التي انطلقت في حبان لم تقتل ضحيتها فحسب، بل استهدفت صميم العُرف القبلي الرصين الذي ظل قروناً عنواناً للوفاء بالعهود وصون الحرمات.

مقالات الكاتب