د. فائز سعيد المنصوري

بين حق المعلم وحق الطالب أين يقف القضاء في حماية الحقوق؟

وكالة أنباء حضرموت

في حضرموت كما في كثير من مناطق اليمن، لا يزال الطالب يُستخدم كورقة ضغط في صراع طويل بين نقابات المعلمين والسلطة المحلية، صراع قد يُغيّب التعليم شهورًا، دون أن يلوح في الأفق حلٌّ حاسم يُنصف الطالب ويُعيد للتعليم هيبته. قرابة نصف شهر مرّ والطلاب خارج مقاعد الدراسة، بينما المدارس مغلقة، وبعض المعلمين يعملون في مدارس خاصة، وآخرون يمارسون أعمالًا حرة في الأسواق، مستغلين الإضراب، دون التزام بما تنص عليه لوائح الإضراب النقابي، كما في المادة (42) التي تشترط الاعتصام داخل المدرسة، لا في الأسواق أو المدارس الخاصة.

فهل التعليم قضية تخص النقابات فقط؟ وأين القضاء من كل هذا؟

وبما أن القضاء سلطة مستقلة كما جاء في الدستور ، فإن من واجبه التدخل لحماية حق الضعيف، وضمان نشر العدل في المجتمع، بل أن يكون الضامن الأخير لحقوق المواطنين، خصوصًا الفئات الضعيفة. لكن أمام هذا الانتهاك الصارخ لحق التعليم، لم نرَ تحركًا واضحًا من القضاء لحماية الطالب، الذي كفل الدستور حقه، وكفلته كذلك جميع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؛ إذ نصّت المادة (30) من الدستور على أن: "الدولة تحمي الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم."

فهل غياب الطالب عن مدرسته لمدة تقارب الشهر لا يستدعي تدخلاً قضائيًا؟ أين الدولة من هذا النص؟ وأين القضاء من تطبيقه؟

لكن، هل من العدل أن نلوم المعلم وحده؟
لا أحد ينكر أن المعلم يعاني ظروفًا معيشية قاسية كغيره من موظفي الدولة؛ فالتأخر في صرف الرواتب، وارتفاع تكاليف المعيشة، ومنع المعلم من حقوقه المستحقة وفق القانون، كلها عوامل تدفعه للبحث عن وسائل ضغط للحصول على حقوقه.

غير أن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو: هل الطريق إلى نيل الحقوق يمر عبر الإضرار بحقوق الآخرين؟
خصوصًا عندما يكون الطرف الآخر هو الطالب الأضعف الذي لا يملك جهة تدافع عن حقه، ولا منبرًا يبيّن خطر ما يتعرض له من تكرار الإضرابات، ولا قرارًا يحمي حقه في التعليم، أو يمنع استخدامه كورقة ضغط في صراع لا ناقة له فيه ولا جمل.

الطالب هو من يدفع الثمن الأكبر في هذا الصراع. وقد حدث هذا سابقًا في محافظة عدن العام الماضي حين توقفت الدراسة عامًا كاملًا؛ فمن عوّض الطالب عن ذلك العام الذي ذهب من عمره دون أن يحصل على حقه في التعليم؟ إنها سابقة خطيرة تهدد مستقبل أجيال كاملة، فهل تريدون أن يتكرر هذا في حضرموت؟

هل الإضراب هو الحل الوحيد؟ أم أن هناك بدائل واقعية لا تُلحق ضررًا بالطالب؟

بدلًا من تحويل الطالب إلى ضحية، يمكن للمعلمين – ومعهم المجتمع – أن يسلكوا وسائل أكثر عدلًا وفاعلية، منها:
١. اللجوء إلى القضاء
يمكن للمعلمين رفع دعاوى قانونية جماعية ضد الجهات المسؤولة عن تأخير صرف رواتبهم أو تحسين أوضاعهم. القضاء، متى ما تحرك من خلال دعوى واضحة، سيكون ملزمًا بالنظر فيها، خصوصًا إن استندت إلى قوانين الخدمة المدنية والحقوق الدستورية.
٢. تكوين رأي عام مجتمعي مدني
بإمكان المعلمين إشراك أولياء الأمور والمجتمع المدني في حملات ضغط مدروسة، تُوصل الرسالة للمسؤولين دون أن تُعلّق الدراسة أو تُغلق المدارس. الضغط المجتمعي، إذا ما نُظِّم بطريقة حضارية، يكون أكثر فاعلية وأقل ضررًا.
٣. التصعيد الإعلامي المهني
توفر الوسائل الإعلامية والمنصات الرقمية اليوم أدوات هائلة للضغط، من خلال نشر معاناة المعلمين بلغة مهنية مؤثرة، تُحرّك الضمير العام، وتُحرج الجهات المعنية، وتدفعها إلى التفاوض.

دعوة للعقلاء من أبناء حضرموت:
القضية اليوم لم تعد صراعًا بين معلم وسلطة، بل أصبحت معركة وجود بين أجيال تُحرَم من التعليم، وبين مستقبل وطن بأكمله. وعلى النخب الاجتماعية، ووجهاء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، أن يتدخلوا لحماية التعليم من أن يتحول إلى رهينة صراع قد يطول.

لست ضد المعلم، بل أحترمه وأعترف بمكانته الأساسية في بناء الإنسان والمجتمع، وما كُتبت هذه الكلمات إلا بفضل الله، ثم بفضل ذلك المعلم، الذي لا ينكر حقه إلا جاحد.
لكن رسالتي واضحة: لا يمكن المطالبة بحق المعلم بإلغاء حق الطالب. فالحق لا يُنتزع بإسقاط حق الآخر، وإلا استمر الصراع بين المعلم والسلطة، وراح ضحيته الطلاب. وكان لا بد من تدخل القضاء لحماية حق الطلاب. وحين يغيب القاضي عن نصرة الطالب، لا يبقى له إلا صوت المجتمع الواعي. وحين تصمت الدولة عن حماية التعليم، تصبح المسؤولية جماعية. ولا يمكن أن تقوم حضارة، ولا أن يُبنى وطن، إن كان الطالب هو أول ضحية في كل أزمة.
حفظ الله حضرموت وأهلها من كل سوء وجمع كلمتهم على الحق.

مقالات الكاتب