حين يقتل الشرف ليحيا العار
د. قاسم الهارش
حين يذبح الشرف على أيدي أبنائه ويحاصر الحق بسيوف الباطل ندرك أن العار لم يعد طارئا على حياتنا بل صار...
التعليم أساس النهضة، ولا يمكن لأي أمة أن تتقدّم دون نظام تعليمي قوي ومتوازن. إلا أن واقع التعليم في بلادنا يمر بمرحلة حرجة، تُعد من بين أسوأ المراحل التي شهدناها، وذلك لأسباب متعددة، أبرزها ضعف الوعي المجتمعي بأهمية استقرار العملية التعليمية.
لقد ظهرت في الساحة التعليمية عدد من النقابات واللجان التي تُنادي بحقوق المعلم، وهي حقوق مشروعة بلا شك، تستند إلى مبدأ العدالة والإنصاف. وقد اتخذت هذه النقابات واللجان من الإضراب وسيلة للمطالبة بحقوقها، وهو إجراء يكفله الدستور، ويُعد أداة قانونية في حالات محددة.
لكن تكرار الاعتماد على الإضرابات دون البحث الجاد عن بدائل أو حلول تشاركية، خلق حالة من الإرباك داخل النظام التعليمي، وأدى إلى آثار سلبية واضحة على مستوى تحصيل الطلاب، الذين يُفترض أن يكونوا محور العملية التعليمية.
ومع تعدد النقابات وتداخل مطالبها، بات من الملاحظ أن الإضرابات أصبحت تتكرر بشكل متواصل؛ فما إن تنتهي نقابة أو لجنة حتى تبدأ أخرى. ومع مرور السنوات، أصبحت هذه الممارسات تمثل عبئًا متزايدًا على الطلاب، الذين يُحرَمون من حقهم في التعليم المنتظم، بينما تبقى نتائج هذه الإضرابات محدودة، دون تحقيق مكاسب حقيقية للمعلم في كثير من الأحيان.
إن التحدي اليوم لا يكمن فقط في المطالبة بالحقوق، بل في كيفية تحقيقها دون الإضرار بمصلحة الطالب. فالتعليم ليس مجالًا للصراع أو التجاذب، بل هو مسؤولية مجتمعية تتطلب التوازن بين حفظ حقوق المعلم وضمان مستقبل الطالب.
وقد برزت بعض التصرفات التي تثير القلق، مثل ما أعلنت عنه لجنة "أنا المعلم" في أحد بياناتها، حيث أبدت نيتها إغلاق المدارس ومنع المعلمين غير المنتمين إليها من التدريس، وهو أمر يُعد خروجًا واضحًا عن القوانين واللوائح المنظمة للعمل النقابي والتعليمي.
من هنا، يجب أن تتكاتف الجهود بين الجهات الرسمية والمجتمعية والتربوية لإيجاد بدائل عملية للإضراب، وقبل ذلك توحيد النقابات واللجان في مكون واحد، لضمان عدم إلحاق الضرر بالطالب في خضم صراع النقابات واللجان. ولعلّي أذكر هنا بدائل عملية تُطالب بحق المعلم وتحفظ للطالب حقه، تحت قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، مثل:
١. وضع خطة عملية لتطبيق وعود رئيس الحكومة، سالم بن بريك، التي أطلقها في خطابه الأخير، والتي أقر فيها بمظلومية المعلم، وأكد أن الحكومة ستعمل على إنصافه.
٢. تقديم مذكرة للنائب العام في حال عدم إيفاء الحكومة بوعودها، يُعرض فيها مطالب المعلم قبل اللجوء إلى الإضراب.
٣. التنسيق بين النقابات واللجان التعليمية ومنظمات المجتمع المدني لرفع مذكرة للنائب العام لمساندة المعلم في المطالبة بحقوقه.
٤. توظيف الإعلام في تسليط الضوء على معاناة المعلم والطالب، وإشراك المجتمع في وضع حلول تحفظ لكل طرف حقوقه.
في نهاية المطاف، لا يمكن أن نطالب بجودة التعليم بينما نُغفل عن استقراره، ولا يصح أن يُترك أبناؤنا رهائن لقرارات متسرعة أو صراعات لا يملكون فيها رأيًا ولا خيارًا. لقد آن الأوان لتغليب صوت الحكمة والمصلحة العامة على أي اعتبار آخر، فالتعليم مسؤولية الجميع، ومستقبل الوطن كله مرهون بجودته واستمراره.