إلى الطبيب الروائي مروان الغفوري: كم نسبة الكـ ـحـ ــول في شرب الشاهي بالياسمين؟
صالح أبوعوذل
لسنواتٍ طويلة ظلَّ "مروان الغفوري" الروائي والطبيب اليمني – الألماني، يقدّم نفسه على أنه كاتب وروائي...
لسنواتٍ طويلة ظلَّ "مروان الغفوري" الروائي والطبيب اليمني – الألماني، يقدّم نفسه على أنه كاتب وروائي يمني تحرّر من كل القيود الاجتماعية والدينية في اليمن. يمنيون كُثُر معجبون بالطريقة الروائية التي يستخدمها الغفوري في مقالاته السياسية أو الأدبية، فهو كمن يقدّم نفسه دائمًا بصفة "طبيب حاصل على الجنسية الألمانية".
يبدو لي أن بيئة الغفوري التي وُلِد فيها لم يستطع التحرر منها، فهو الذي ظلّ لسنواتٍ يجاهد ليُظهر نفسه "كاتبًا يقرأ المشهد اليمني بحيادٍ مطلق"، لكن – وعلى غير العادة، ربما – وقع هذه المرّة ضحية "شايٍ بالياسمين". غير أنّ "مرجان أحمد مرجان" هذه المرة لم يكن سوى "توكل كرمان"، أمّا دار العرض فكانت مدينة إسطنبول التركية، حين لم يشرب الشاي ليحكي الأزمات اليمنية المتعددة، ومنها تلك التي صنعتها "توكل كرمان" بانتفاضة عام 2011م، بل ذهب للحديث – وبشكلٍ روائي تخييلي – عن لقاء مسؤولين يمنيين زاروا ألمانيا.
مقالةٌ طويلةٌ عريضة، أراد فيها الغفوري تجميل مرحلة انتقال السلطة في اليمن من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى رشاد العليمي.
لم تجتهد توكل كرمان لتكشف لنا من هو مروان الغفوري، الذي بدا لنا – وهو يسرد لقاءاته مع من وصفهم برجالات الدولة اليمنية – كمن يؤدي دور "ضياء الميرغني"، بائع القصائد في فيلم مرجان أحمد مرجان.
فالروائي اليمني الذي يقرأ له الصغير والكبير، قدّم كلَّ ذلك على الطاولة وهو يردد:
"أبيع نفسي لأول مشترٍ أتى،
أبيع مقهورًا حبيباتي، كلماتي،
فليسقط الشعر ولتنهار أبياتي،
فالشعر شعري، والمأساة مأساتي."
وقبل أن نلج إلى تفصيل مأساة "الغفوري" التي قدّمها لنا في نصٍّ دراميٍّ يروي حكايةً من نسج الخيال عن "رجالات الدولة اليمنية" الذين زعم أنه التقاهم في "مدن أوروبية مختلفة"، أضحكني حين استدرك الحديث عن "كبار رجالات الدولة اليمنية" قائلاً إنهم "لم يعودوا موجودين"، فأين هو "الوجود" الذي تحدّث عنه الغفوري لمسؤولين ربما رحلوا جميعًا؟
كان بودّي أن أدقق في "كبار رجالات الدولة اليمنية الذين ماتوا"، لكنّي تذكّرت مسرحية الزعيم عادل إمام وسؤاله الشهير: هل في رئيسٍ يموت؟
وبما أننا عرفنا شخصية "مرجان أحمد مرجان" و"بائع القصائد" (ضياء الميرغني)، بقي علينا البحث عن شخصية "جيهان" (ميرفت أمين). طرأ على بالي سؤال بريء:
هل زار علي محسن الأحمر ألمانيا أو دولة أوروبية أخرى خلال الأشهر الماضية؟
هذا السؤال أترك إجابته لمروان الغفوري.
ولأن الغفوري كاتبٌ روائيٌّ بارع، فقد انتقل من "بائع القصائد" إلى "جداوي" (حسن مصطفى) في مشهدٍ تراجيديٍّ؛ رغم صرامته ورفضه في البداية "شرب الشاي بالياسمين" بقوله: "ما بشربش وأنا بشتغل"، إلا أنه خاف أن تسقط النقود التي وضعها "مرجان أحمد مرجان" أمامه، بعدما استعرض حاجته وأولاده لتأمين مستقبلهم، ثم وضعها في أكياس وخرج وهو يردد: "إن شركة مرجان من أفضل الشركات التي راجعتها"؛ وأنا هنا لا أتهم الغفوري باستلام أموال إطلاقًا.
قدّم الغفوري الرئيس عبدربه منصور هادي كرئيسٍ "لا حول له ولا قوة"، لكنه ذهب إلى تبرئة السعودية من قضية "نقل السلطة" من هادي إلى العليمي، بل إنه قدّم الرياض كأداةٍ استُخدمت في إزاحة هادي، الذي – حسب زعمه – وقّع على وثيقةٍ لا يعرف مضمونها.
هل يُعقَل أن "هادي"، الذي لديه معرفةٌ كاملةٌ بوجود مشاورات يمنية – يمنية، رعتها المملكة العربية السعودية تحت قبة البرلمان، وهدفها معالجة الفساد المالي والإداري لليمنيين طوال سنوات الحرب العشر، لم يكن يعلم؟
هل كان هادي ساذجًا؟ وماذا عن نائبه "الجنرال العجوز"؟ هل كان هو الآخر ساذجًا؟ أم أنه – وهو يروي للغفوري القصة – نسي دوره في مسلسل "مجلس القيادة الرئاسي"؟
سؤالٌ قد لا يجرؤ الغفوري ولا غير الغفوري على الإجابة عليه: أين كان الجنرال الأحمر من سيناريو إزاحة هادي بعد أن ظهر كساذجٍ يوقّع على "وثيقةٍ يعتبرها عادية"؟
أيّ سيناريو روائيٍّ ركيك هذا يا مروان؟ لقد أحرجتَ اليمنيين كثيرًا، وهم يرون فيك الروائي الفلتة الذي لا يسقط في فخّ النص والمعنى. كان حريًّا بك أن تعيد كتابة هذا السيناريو؛ وثيقةٌ عاديةٌ وقّع عليها هادي حين كان مخمورًا – أو هكذا أردتَ أن تقول.
مروان الغفوري وهو يتحدث عن "البدوي الشجاع" و"هادي الساذج"، لم يقل لنا كيف تجاوز هذه الوثيقة بعناد، خصوصًا مع "الإمارات" التي يبدو أن نصَّ الغفوري جاء متحاملًا عليها، رغم كونها الدولة التي كانت العامل الرئيس في الحفاظ على الشرعية اليمنية، وحققت دون غيرها المكاسب العسكرية على الأرض.
لكن هل أراد القول إن حسابات السعوديين في تجاوز هادي بمرحلة "مجلس القيادة الرئاسي" كانت خطأً استراتيجيًا؟
ولأن "جداوي الغفوري" يحاول صرف النظر عن الأسباب الحقيقية التي أوصلت اليمن إلى هذه المرحلة، ومنها ما فعلته "الست توكل كرمان"، الثائرة الإخوانية التي سلّمت صنعاء للحوثيين بعد أن رحّبت بهم ترحيبًا حارًا، ثم طارت إلى إسطنبول تبحث عن جنسيةٍ وأموالٍ وقنوات بروباغندا ومؤتمراتٍ للحديث عن "الاحتلال الخليجي" لمدنٍ تخلّصت من المشروع السلالي الحوثي.
تلك الجماعات المسلحة التي كانت على شفير النهاية في جبال صعدة، ليدخلوا يوم الـ11 من فبراير ساحة الجامعة، وتوكل من على خشبة المسرح تهتف: "حيّا بهم حيّا بهم!"
قدّم الغفوري شخصيةً غامضةً قال إنها "أحد رجالات هادي" جاء إلى ألمانيا لإجراء فحوصاتٍ طبية، يمتطي صهوة سيارةٍ فارهةٍ مستأجرة، فهذا الرجل الثري يتحدث عن أن الحرب أصبحت مجرد "عملية استثمارية"، وأن هناك فئةً صغيرة مستفيدة على الجانبين اليمني والسعودي، يهمها استمرار الحرب بتلك الطريقة، وهنا ينفي أي وجودٍ لدورٍ إماراتيٍّ في إطالة أمد الصراع.
وبطريقةٍ تناقضيةٍ فجّةٍ ومضحكة، يبرّر "جداوي" – على لسان الرجل – أسباب إطالة أمد الصراع بصعوبة "حروب المدن". يا للهول! لا أقصد صعوبة حروب المدن، ولكن المزاعم بأن تحرير مدينة عدن العاصمة تمّ باتفاقٍ رعته الإمارات بانسحاب قوات الحرس الجمهوري!
بهذا، يقلّل من عملية تحرير العاصمة عدن التي قدّمت فيها قوات المقاومة الجنوبية والقوات الخاصة الإماراتية تضحياتٍ جسيمة، وكانت معارك بطولية أكدت علوّ كعب القوات المسلحة الإماراتية وبسالة الجنوبيين.
أنصح مروان الغفوري بمراجعة كتاب 25 Days to Aden: The Unknown Story of Arabian Elite Forces at War للباحث مايكل نايتس، ففيه معلوماتٌ يمكن أن تعيد ضبط عقل مروان الغفوري، وتجعله – كطبيب – يعيد فحص تأثير "الشاي بالياسمين": هل خلط الشاي بالياسمين والسكر يعني حصول نسبةٍ ما من الكحول؟
زعم مروان الغفوري أن الاتفاق الإماراتي مع علي عبدالله صالح كان يقضي بأن تقف القوات على الحدود السابقة بين البلدين، وهنا يسقط الغفوري سقوطًا مدويًا، فالقوات الإماراتية ومعها القوات الجنوبية والتهامية كانت على بُعد أمتارٍ من استعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي عام 2018م، ولولا اتفاق استوكهولم الهش، لكان الغفوري اليوم يشرب شايًا عدنيًا في "مقهاية مدهش" بصنعاء.
لحظة يا مروان.. ماذا عن معركة تحرير بيحان الجنوبية وحريب اليمنية في العام 2021م؟
هل كانت – برأيك – باتفاقٍ بين أبوظبي وعلي عبدالله صالح؟
الرجل الذي قُتل وهو يقاتل ببندقيته الجمهورية الأخيرة في صنعاء، إلى جانب رفيقه عوض الزوكا، بعد أن تعرّض لخذلانٍ مريرٍ من سبعة ألويةٍ عسكريةٍ يمنيةٍ كان قد وجّه الرئيس هادي بمشاركتها في القتال إلى جانب قوات المؤتمر الشعبي العام أواخر العام 2017م.
وكما قلت سابقًا، إن مروان لم يتحرّر من نزعته الجهوية والمناطقية، وهي متلازمةٌ خاصة ببعض المثقفين اليمنيين. فتعز التي يقول إنها "المدينة الخالية من الأمية"، تُرتكب فيها أبشع أنواع الجرائم والاغتصابات التي طالت الأطفال، بل ولا تزال تتكرر حتى الساعة، جرائم لم تحدث في أي مدينةٍ يمنيةٍ أخرى. لعل مروان لم يقرأ عن عملية اغتيال "افتتان المشهري"؟
تجار الحروب اليمنيون في شرعية هادي سابقًا، ومجلس القيادة الرئاسي لاحقًا – كما ينقل الغفوري على لسان "ضيفه الافتراضي" – هم عبيد وأسرى في السعودية! هل يُعقل أن الرياض تعتقل المسؤولين اليمنيين؟ وهل هم عبيدٌ لدى قائدة التحالف العربي؟ أعتقد أن هذا الوصف لا يرضي أحدًا يا مروان.
يصف "رجل الدولة اليمني الثري"، بحسب مروان، التحالف العربي بأنه تحوّل إلى "احتلال"، وهذا المصطلح لا يقوله إلا الحوثيون والإخوان. فالسعودية – يزعم – هي من دفعت الحوثيين لاحتلال صنعاء، وكانت تعتقد أنهم سيذهبون إلى الرياض بدلًا من طهران، لكنهم ذهبوا نحو إيران.
وفي نهاية مقالته، يكرّر الغفوري مقولةً دائمًا ما تكرّرها توكل كرمان: "لن تتحرر اليمن إلا بالاستقلال عن التحكم الخارجي." لكن الغفوري أراد أن يلمّح إلى أن المشكلة اليمنية ستنتهي بعودة الحوثيين إلى "الحضن السعودي" بدلًا من "الحضن الإيراني"؛ أي الاستقلال عن إيران والعودة إلى السعودية؟.